الاجتهاد الإفتائي ومؤشر رصد فتاوى التنظيمات المتطرفة
صدر مؤخراً تقرير المؤشر العالمي للفتوى (GFI) تحت عنوان: (الفتوى في 2022... اجتهاد إفتائي في القضايا المستجدة وتصدٍّ حثيث للتطرف) عن دار الإفتاء المصرية، والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم([1])، تحت إشراف الأستاذ الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، والدكتور إبراهيم نجم، الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم، والباحث الأستاذ طارق أبو هشيمة، مدير المؤشر ورئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء المصرية.
التعريف بالتقرير ومنهجيته
محرك مؤشر الفتوى هو بوابة رقمية إلكترونية يتم من خلالها رصد الفتاوى آليّاً وتحليلها، والوقوف على مكامن الخلل في فكر جماعات الإرهاب والتطرف، ويعتمد التقرير على خدمات التحول الرقمي في جمع الفتاوى، وتتبع جديدها عبر مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي؛ لاستخراج المؤشرات التي تفيد المعنيين والباحثين وصُنّاع القرار لتفكيك ظاهرة التطرف والإرهاب من خلال تأثير الحصاد الإفتائي على المجتمعات، وفهم الأحداث، وأداء اللجان الإلكترونية للجماعات المتطرفة، ومؤشرات صعودها وهبوطها.
كما يعتمد المؤشر في تقريره على البحث النوعي، ثم الوصف العلمي، ثم الانتقال إلى التحليل بنوعيه: الكمي والموضوعي، ثم مرحلة المؤشرات المقارنة، انتهاء بنتائج ورؤى استشرافية، والخروج بإحصائيات متعلقة ببحث الفرضيات وعلاقة المتغيرات ببعضها بعضاً، من خلال (6) آليات: محرك البحث -منصة التحليل -قاعدة البيانات -استخلاص جذر الكلمة -آلية تحليل المضمون -منهج المسح الإعلامي.
العينة المستخدمة ونوافذها المختلفة
تم جمع عينة التقرير من خلال قاعدة بيانات تضم حوالي (2) مليون فتوى، من مصادر وجنسيات وإيديولوجيات مختلفة على مدار عام 2022، وشملت فتاوى رسمية وغير رسمية من (23) دولة على مستوى الأقاليم الجغرافية (المحلي والخليجي والعربي والدولي)؛ منها: مصر، السعودية، الإمارات، قطر، سوريا، الكويت، العراق، تونس، المغرب، تركيا، أمريكا، ألمانيا، إندونوسيا، ومختلف التنظيمات المتطرفة بفروعها ممثلة في: (داعش بفروعه، تنظيم القاعدة بفروعه، الإخوان، ومختلف التنظيمات على الساحة، من خلال نوافذ متعددة، شملت:
- دور الإفتاء والهيئات الرسمية وغير الرسمية.
- (1500) موقع متخصص في الفتوى.
- (2000) صحيفة وموقع إخباري.
- (20) ألف حساب على مواقع التواصل (فيسبوك، تويتر، إنستغرام، تليغرام، لينكد إن).
- (2000) أخرى تشمل كتباً وأبحاثاً وإصدارات مرئية.
ظاهرة الذباب الإلكتروني ودورها في توجيه الرأي العام
أشار مؤشر الفتوى إلى أنّ ظاهرة "الذباب الإلكتروني" من الظواهر الحديثة التي ارتبطت بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وتقوم على استخدام عدد من الحسابات الوهمية لنشر محتوى يخدم التنظيمات المتطرفة؛ سعياً منها لتحقيق أهدافها السياسية والفكرية، واعتمادها على التكرار المستمر للفكرة التي تحاول الترويج لها مثل طنين الذباب وإلحاحه.
ومن الملاحظ أنّ الجماعات والتنظيمات، كداعش والقاعدة والإخوان، تكثر من عمليات استقطاب الأتباع لها للتمهيد لأفكارها، حتى تتمكن من تنفيذ أجندتها داخل الدول، للسيطرة فكرياً بما يخدم إيديولوجياتها وتنظيماتها.
ولذلك رصد التقرير أنّ جماعات وتنظيمات الإسلام السياسي تستخدم اللجان الإلكترونية لتحقيق عدد من الأهداف، مثل:
- الترويج لأفكارها واستقطاب الأتباع.
- تشويه الدول وتأليب الرأي العام ضدها.
- ترويج الشائعات، سواء بالتلاعب بالحقائق، أو الترويج لقوة وهمية، أو توجيه الاتهامات، أو تشويه صورة المخالفين.
- بث الأفكار التي تساعد على الاستمرار في قبول فكرتهم، بهدف الحفاظ على التماسك الداخلي لهذه التنظيمات.
ولأجل تحقيق هذه الأهداف تستخدم التنظيمات الفتوى
الانتشار الكبير في وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد لاحظ التقرير أنّ حركات الإسلام السياسي لا تستخدم اللجان الإلكترونية لتحقيق أهدافها الخارجية فقط، بل تستخدمها أيضاً أداة طيعة فيما بينها لضبط التوازنات داخل أجنحتها المتصارعة، وهو ما نراه من جبهتي الصراع الإخواني (إسطنبول ولندن).
وقد أشار المؤشر إلى أنّ جماعة الإخوان تروّج للفتوى والخطاب الديني بالاعتماد على لجانها الإلكترونية للحفاظ على تماسك أعضائها وتجنب انقسامهم، خاصة بعد سلسلة الهزائم التي منيت بها، والتراجع الملحوظ بسبب جمودها الفكري، حيث يعتمد خطابها السياسي والإفتائي على الترويج لأفكار المظلومية.
وبالنسبة إلى التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة، فإنّها تبث أفكارها عبر مراسلاتها الإلكترونية، وتحفيز أتباعها على القيام بعمليات إرهابية، ورفع معنوياتهم من خلال نشر اللجان الإلكترونية التي تبارك العمليات الإرهابية وتشيد بها وتعظم نتائجها وتداعياتها، مستغلة الإغراق الإفتائي.
ولذلك تأتي أهمية إيجاد تشريعات رادعة أو تفعيل التشريعات الموجودة في الدول العربية وغير العربية لوقف الحشد والشحن والترويج لأعمال العنف والفوضى من خلال اللجان الإلكترونية، خاصة بعد أن أصبحت اللجان الإلكترونية وسائل للحشد والشحن والترويج لأفكار التنظيمات المتطرفة.
0 Comments: