الجمعة، 14 يونيو 2024

الإسلاميون والدولة: صراع على الحكم وليس لخدمة الدين

 

الإسلاميون


الإسلاميون والدولة: صراع على الحكم وليس لخدمة الدين

يشكل كتاب "مرجعيات الإسلام السياسي"، للمفكر التونسي الدكتور عبد المجيد الشرفي، جزءاً مهماً ضمن مساهماته النقدية، في فهم ظاهرة الإسلام السياسي، في المجتمعات العربية، وعلاقة الدين بالدولة، ومشكلة تحديث الفكر والوعي الديني، في مواجهة التراث، وحكم الفقهاء، واستبداد السلاطين.

وقد دأب الشرفي، طوال مسيرته الأكاديمية، على تتبع ظاهرة الجماعات الدينية المختلفة، وتكويناتها المتعددة، بهدف تفكيك أدبياتها، والأفكار التي روجت لها، ورصد الحوادث التي رافقتها، لتحديد صلاتها وارتباطها العضوي، بالتاريخ والثقافة التي تنتمي لهما، من ناحية، وتحليل شروط انبعاثها الراهن، وفق سياقاتها الزمنية الحديثة، من ناحية أخرى.

ويبدو أنّ الكتاب الصادر عن دار التنوير، في العام 2014، استئناف لجهود عديدة سبقته، يعيد الشرفي بلورتها وصياغتها، بشكل مكثف وسريع ومقتضب، مدفوعاً بمخلفات ثورات "الربيع العربي" التي اجتاحت عدة عواصم عربية، وقد شهدت خلالها، بزوغاً لنجم الإسلام السياسي، بصورة مؤثرة، واقعياً، سواء في الصراع السياسي، والمنافسة البراغماتية على الحكم والسلطة، أو في الجدال الثقافي والفكري، الذي احتدم مع خصومهم التاريخيين، من التيارات الليبرالية والعلمانية واليسارية.

يقر صاحب "الإسلام بين الرسالة والتاريخ"، أنّ دولة الخلافة، التي يتهافت على استدعائها الإسلاميون، لا تعدو كونها، نموذجاً للحكم، لا يختلف عن غيره، ممن كان سائداً، في ذلك التاريخ، والحضارات القديمة، التي تشكلت حوله؛ مثل الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية، وبالشكل الذي اقتضته رهانات تلك المرحلة، سواء من الناحية السياسية والاقتصادية، وكذا، مصالحها الطبقية والاجتماعية.

ومن ثم، فإنّ الصلة بين الإسلام والدولة، لا تقوم على ضرورة حتمية، وارتباط عضوي، إذ إنّ الدولة ليست هي المسؤولة عن نشر الإسلام، فكما انتشر الاسلام بفضل الفتوحات، لكنه في الآن نفسه، اعتنقته شعوب في أقاصي آسيا، عبر نشاط التجار والمتصوفة، كما هو الحال، في أندونيسيا، التي تعد أكبر دولة إسلامية، من حيث عدد سكانها.

إذاً، يتبنى الشرفي، فرضية مهمة، وهي أنّ المركزية الجامعة بين الإسلام والدولة، التي تحمل العقيدة، في بنيتها السياسية، وتستلهم من خلالها الشرعية في الحكم، كانت مرتبطة بظرف تاريخي معين، اقتضى معه مأسسة الدين. لكن ذلك، لم يؤد إلى اختلاط في الوظائف، بين السلطتين الدينية والسياسية، حيث كان كل منهما يعتمد على الآخر، في تعيين دوره وممارسة مهامه ووظائفه.

ويوضح صاحب "الإسلام والحداثة"، أن المجتمعات الإسلامية والعربية، كانت فقيرة سياسياً، على المستوى النظري، في ما يتعلق بفلسفة السلطة والحكم، بعكس بما أنتجه الفكر اليوناني القديم، على هذا الصعيد، ومن ثم، كان السلطان بحاجة إلى المشروعية الدينية، كما أنّ الممثل الديني "الإمام"، كان يستعين بالسلطة السياسية، لتنفيذ مهامه المجتمعية.

ولئن شهدت الدول والإمبراطوريات، التي تكونت في عهد الخلفاء الراشدين، أو في عهد الدولة الأموية والعباسية، تفككها وتحولها إلى دويلات مستقلة؛ حيث بدأت مع الأدارسة، في المغرب الأقصى، والأغالبة في تونس، وصولاً إلى بغداد، التي كانت مركز الخلافة العباسية، وقد سقطت، في القرن الرابع الهجري، في أيدي البويهيين، ثم السلاجقة، فإنّ النواة الصلبة، التي ظلت تجمع المواطنين وأفرد الأمة، وتحتفظ بتماسكها، هي جملة العقائد والممارسات والطقوس الدينية، التي تميز المسلم عن غيره، حتى خارج مظلة وهيمنة الحكم الذي سقط.


طرح الشرفي آراء العديد من المفكرين والمصلحين العرب، خلال القرنين الماضيين، ممن تناوبوا على بحث قضية العلاقة، بين الإسلام والدولة، واشتبكوا مع عوامل وأسباب الردة التاريخية، تحت وطأة الانسحاق للفكر الماضوي، وتأبيد سلطة التراث وتقديس السلف.

ومن بين الذين بعث المفكر التونسي دورهم، وكشف عن إسهاماتهم الفكرية، كان رفاعة الطهطاوي الذي حدد أنّ الدولة تقوم على ركيزتين؛ القوة الحاكمة، التي تضمن الأمن، وتنتظم عبر أطرها القانونية، نظام الحياة الاجتماعية، وهو ما يحتاج برأي الطهطاوي، إلى مواثيق قانونية ودستورية، يؤسس لها الفكر السياسي المحض، بدون المرجعية الدينية، ومن ثم، أقر بضرورة الفصل بين السلطات، واعتبر الأمة مصدرها.


وفي السياق ذاته، أشار إلى خير الدين التونسي، الذي أخذ خطوة أكثر جرأة، ورأى بضرورة استلهام الحداثة السياسية ونظامها في الغرب، وقال بأنّ "خلاص الأمة الإسلامية، متوقف على البدء بتغير نظام الحكم فيها، والانتقال بها، تدريجياً، نحو النموذج الغربي".

كما كان الإمام محمد عبده، أحد هؤلاء الذين أقروا بـ "مدنية" الحكم في الإسلام، ورفض الحكم الديني، وأكد على رفضه نظرية الحكم الإلهي، ومقولة أنّ "الخليفة هو ظل الله على الأرض"، بما يؤسس لاستبداد سياسي على أسس دينية، وصرح بأنّ نماذج الحكم، التي عرفها التاريخ الإسلامي، غير ملزمة للمسلمين في العصر الحديث.

ومثلهما، كان الشيخ الأزهري، علي عبد الرازق، مؤلف كتاب "الإسلام وأصول الحكم"، الذي يتفق مع الرأيين السالفين، معتبراً أنه ليس ثمة ما يمنع المسلمون، من تطوير نظم حكمهم، على غرار ما يحدث في الغرب.




وبينما كانت معركة الخلافة محتدمة، بعد تحولها إلى مجرد سلطة روحية، عقب سقوطها، على يد مصطفى كمال أتاتورك، في عشرينيات القرن الماضي، واجه تلميذ الإمام محمد رشيد رضا، تلك التحولات والدعوات المؤيدة، وتصدى لها؛ حيث طالب بإحياء الخلافة الإسلامية، والتي كانت أحد المدخلات الرئيسية، والعوامل المفتاحية، لنشوء تنظيم الإخوان المسلمين، بعد أربعة أعوام من سقوط الخلافة في الاستانة.


ويوضح الشرفي، أنه إبان وفاة الرسول، عليه السلام، اندلعت الصراعات حول من يمثل الحكم، ويحتل موقع الخلافة، عقب وفاة الرسول، عليه السلام، والتي تسببت فيها العصبيات القبلية والعربية، وخلق توترات عديدة، وفتح دوائر عنف طويلة، في التاريخ الإسلامي، نتج عنها ذلك التصدع الذي دشنه ظهور مرجعيتين دينيتين؛ السنة والشيعة، والانحياز لنظم حكم مختلفة عن الآخر.

وإلى ذلك، فإنّ نشأة الإسلام السياسي، يتحتم أن توضع في إطار الظرف السياسي والثقافي الذي تمخضت عنه، حتى يمكن فهم وتعيين، وضعها الواقعي، في المجتمعات العربية؛ إذ إنها تنتمي إلى نشأة الدولة الحديثة، في المنطقة العربية، بكل معطياتها التاريخية.

فقد ظهرت الجماعة الأم "الإخوان المسلمين"، في فترة ما بين الحربين العالميتين، العام 1928، والتي تعد أحد ردود الفعل، على سقوط الخلافة، في العام 1924، من ناحية، ونشوء الدولة الوطنية، من ناحية أخرى، والتي لها حدود جغرافية ثابتة، أو شبه ثابته. لكنها، على كل حال، لا تنتمي إلى واقع الامبراطوريات القديمة.


وبحسب الشرفي، فإنّ إخفاق مشروع التحديث في الوطن العربي، أدى إلى القطيعة مع الأفكار التقدمية والحداثية، ما ساهم في تمرير الفكر المحافظ، سياسياً وفكرياً، ووفر الشروط والمناخ، ما سمح بتمدد التيارات الأصولية. وهي الحالة التي تتقاسمها تونس ومصر، كما يشير الشرفي الذي يرى أنّ الأيديولوجيات المحافظة، في كليهما تهيمن بصورة ملحوظة، تحت مسمى تطبيق الشريعة، التي هي، بالأساس، أحكام فقهية، نسبية، ومخرجات بشرية، لضرورات عملية، فرضتها الحوادث التاريخية لحظتها.ويعود ذلك، لعامل رئيسي؛ هو غياب أي بعد ثقافي ونقدي، منذ ظهر الإسلام السياسي، قبل نصف قرن، والذي كرس للنظام القبلي.


وثمة تناقض يحمله الإسلامويون، يكشف عن رؤيتين، ليست إحداهما مع الدين والأخرى ضده، كما يروجون، لكن، نتج عن الشرط التاريخي، الذي أدى إلى تطور فلسفة الحكم ونظريات السياسة، ونشوء الدولة، كمفهوم حديث ومتطور، نجمت عنه صورة مغايرة في الحكم، بخلاف الواقع التقليدي والقديم، فأضحت الدولة تمثل القوة، التي تمارس الحكم بالقانون والدستور، ويخضع لها المواطنون، ومن ثم، لا يمكن لها أن تنفذ أحكاماً عشائرية، باتت متهالكة، وفقدت صلاحيتها التاريخية، كمثل القصاص، وتأخذ بالثأر، عوضاً عن بنود القانون وأحكامه، وهو نفس الأمر، الذي فرض على الإخوان المسلمين، القبول بزي للمرأة مثل؛ البنطال، وقد كانت ترفضه وتحرمه، قبل عقود.

الخميس، 13 يونيو 2024

بعد أن أبصرت النور في 2011.. هل تعود حركة النهضة الإخوانية إلى السرية؟

 

حركة النهضة

بعد أن أبصرت النور في 2011.. هل تعود حركة النهضة الإخوانية إلى السرية؟


بينما تقبع أغلب قياداتها وعلى رأسهم زعيمهم راشد الغنوشي في السجون بتهم مختلفة تراوحت بين الإرهاب والفساد المالي والتآمر على أمن الدولة واستمرار غلق مقارها المركزية وسط تصاعد الرفض الشعبي لها، يرجح متابعون للشأن التونسي أن تعود حركة النهضة الإخوانية إلى النشاط السري في خضم الانقسامات التي عصفت بوحدتها الداخلية.



وترفض أغلبية المجتمع فكرة عودة الإخوان حتى إن حاولت النهضة ادعاء إجراء تغييرات جذرية وفكرية، وتغيير مسمى التنظيم، للإيهام بوجود مراجعات أيديولوجية ونقد ذاتي.يذكر أن حركة النهضة عملت في السر لمدة 12 عاماً بين أعوام 1969 و1981، ثم أعلنت وجودها في مؤتمر صحافي في يونيو (حزيران) 1981، لتبدأ السلطات الأمنية في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ملاحقة قادتها. 


وبعد قرارات 25 تموز/ يوليو، حظرت السلطات التونسية أنشطة الحركة في مختلف مناطق البلاد وكذلك نشاط "جبهة الخلاص الوطني"، مستفيدة من نفور أغلب التونسيين من الأحزاب، وبخاصة تلك التي جثمت على الحكم لسنوات من دون تحقيق أي إنجازات اقتصادية واجتماعية، ومع سجن أغلب قياداتها، تجد حركة النهضة نفسها عالقة بالفعل بين خيارين أحلاهما مر، إما العودة إلى النشاط السري أو محاولة الظهور بثوب آخر.


في السياق، يقول الباحث السياسي بوبكر الصغير إن "حركة النهضة تمضي نحو الاضمحلال بما أنها جزء من الإسلام السياسي، ما وقع في الـ25 من يوليو (تموز) 2021 شكل غلقاً لقوس الإسلام السياسي في تونس، لذلك لا أستبعد عودة الحركة إلى النشاط السري فهو سيناريو مطروح خصوصاً بعد غلق مقارها".


وأردف الصغير أن "النهضة استنفذت كل إمكاناتها ومشاريعها، فهي دخلت مرحلة السرية في وقت سابق وأسست على فكرة عقائدية دينية، وحاولت أن تظهر كحزب مدني ليبرالي واستغلت مرحلة تاريخية عاشتها تونس منذ 2011 وتمكنت من الحكم وكرست نفسها كسلطة وخاضت تجربة الحكم والسلطة لكنها فشلت ولم تحقق منجزاً واحداً".


وشدد على أن "الحركة تعيش الآن تخبطاً في قيادتها في مرحلة ما، وقد تسعى إلى تغيير اسمها وجلدتها من أجل تحقيق ولادة ثانية وفي مرحلة أخرى تتعاطى بصور مختلفة السياسة، لكنها تلعب في الوقت الضائع، لأن الإسلام السياسي انتهى والعالم دخل في مرحلة جديدة".
وأوضح الصغير "أعتقد أن النهضة نفسها تدرك أنها دخلت في مرحلة مخاض صعب وتبحث عن ولادة جديدة وهي أمر صعب، لأنه ليس لها مشروع تقدمه للتونسيين ولا صيغة يمكن أن تظهر بها، وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي، إذ لم يعد لها أية شعبية وحتى فكرة المظلومية لم تعد تعطي أكلها".


وتكرر قوى سياسية تونسية مطالبها للرئيس قيس سعيد باتخاذ إجراءات عاجلة في ملف المحاسبات القضائية الخاصة بتمويل الإرهاب والفساد، مؤكدين على ضرورة حل كافة الأحزاب التي تقع تحت طائلة التمويلات الخارجية وفي مقدمتها حركة النهضة.
ويشير، في هذا الشأن، المحلل السياسي التونسي نزار الجليدي، في تصريح  إلى تورط حركة النهضة في عشرات القضايا التي تجعلها منبوذة من الشارع، وفقدت أي مصداقية أو شعبية لها، لعل أبرزها، الفساد المالي والسياسي في البلاد، والولاءات الخارجية، فضلاً عن التلاعب بالمؤسسات القضائية ومحاولة اختراقها واستغلالها إبان فترة حكمها للبلاد، وتعمد إخفاء نحو 60 ألف ملف تتعلق بقضايا الاغتيالات السياسية والجهاز السري للتنظيم، باعتباره أخطر الخلايا المسلحة التي تمارس العنف في البلاد.


من جانبه، قال زياد القاسمي أستاذ القانون والمحلل السياسي التونسي: "بإمكان القضاء حل حزب النهضة بعد تقييمه لأفعاله عن طريق إدانة مجموعة منتمية له، بارتكاب أفعال إرهابية أو ممارسة العنف، وهو ما يحصل حاليا".


وأكد لـ"العين الإخبارية"، أنه "في حال كانت الأفعال فردية، يستثنى الحزب من الإدانة، لكن في حال ثبوت تورط ذلك الحزب وثبوت التهم ضده وإدانته قضائيا، بالإمكان حله".وأشار إلى أن قضية "لوبيينغ" (اللوبيات) "ستعصف بأحلام حزب الإخوان خاصة بعد التأكد من تلقي النهضة مالا أجنبيا في الانتخابات التشريعية لعام 2014".

ومؤخرا، قررت الدائرة "الجناحية" المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس حجز ملف قضية "اللوبيات" للنطق بالحكم يوم 1 فبراير/شباط المقبل.والقضية تشمل رئيس حركة النهضة الإخوانية، راشد الغنوشي، وصهره رفيق عبدالسلام، وتتعلق باتهام حركة النهضة بقبول تمويل مباشر صادر عن جهة أجنبية.

وفي تقريرها العام حول نتائج مراقبة تمويل الحملات الدعائية للانتخابات الرئاسية السابقة والتشريعية لعام 2019، رصدت محكمة المحاسبات أن حركة النّهضة "تعاقدت في 2014 مع شركة الدعاية والضغط BCW الأمريكية لمدّة 4 سنوات بمبلغ قدره 285 ألف دولار".


وكان قرار محكمة تونسية بسجن زعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي ثلاث سنوات في قضية تلقي حزبه تمويلات أجنبية قد أثار تكهنات بأن يكون ذلك تمهيداً لحل الحركة، خصوصاً أنها تواجه تهماً عدة.


ويقبع الغنوشي في السجن منذ أبريل (نيسان) الماضي بعد تحريك دعوى ضده إثر حديثه عن أن "تونس من دون إسلام سياسي أو يسار أو غيرهما من الأطياف السياسية هي مشروع حرب أهلية"، مما عدته السلطات تحريضاً على الانزلاق نحو الفوضى في البلاد.
ويرى مراقبون أن حركة النهضة لا يمكن أن تستمر بالدعم الخارجي في ظل غياب رئيسها راشد الغنوشي، والحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وهو الذي كان كلمة السر التي تفتح له غرف القرار في العواصم الداعمة لجماعة الإخوان.


من جانبه، أشار الباحث في شؤون التيارات المتشددة والقضايا الاستراتيجية في تونس الدكتور علية العلاني إلى أن حركة النهضة تواجه الآن تحقيقات قضائية تتعلق بالخروقات والتسريبات الانتخابية، بالإضافة إلى قضية تسفير آلاف الشباب التونسيين للقتال مع إرهابيين في الخارج. 

وقال العلاني في تصريح  إن المطالبة بحل وحظر حركة النهضة يحتاج إلى حكم قضائي، لافتاً إلى أن الغالبية العظمى من الشعب التونسي أصبحت تلفظ التنظيم بعد اتهام قياداته وأعضائه في العديد من القضايا، ما يؤثر على مستقبل الحركة، بعد أن أصبحت أقلية غير مؤثرة بالمشهد السياسي، وفقدت الكثير من مواقعها.

يُذكر أن الغنوشي بقي الرّجل المهيمن على النّهضة لأنّه المتصرّف في ماليتها”. ويقول مقربون من الحركة إن الغنوشي يستعمل ورقة الأموال لإخافة الغاضبين من سياساته، خاصة أن هناك المئات من قيادات مختلفة، عليا ووسطى ومحلية، متفرغين بشكل كامل للعمل التنظيمي.

محمد الحبيب الأسود القيادي السابق يقول إن استبداد الغنوشي بالحركة و”تمكنه من تمثيل هوية الحركة بمفرده، وفي كونه الشخصية الوحيدة من كل أبناء الحركة، الذي له حضور دولي وصيت عالمي، يعود إلى أسباب أغلبها خارجية وفيها تناغم مع أجندات أجنبية”.

الثلاثاء، 11 يونيو 2024

الذكاء الاصطناعي... التنظيمات الإرهابية تسعى لإقامة "الخلافة الإلكترونية"

 

الذكاء الاصطناعي


الذكاء الاصطناعي... التنظيمات الإرهابية تسعى لإقامة "الخلافة الإلكترونية"

تمثّل التكنولوجيا أحد أهم الأسلحة المعاصرة في أيدي الجماعات الجهادية والإرهابية، ممّا يشكل تهديداً كبيراً في كافة أنحاء العالم. 

وقد عرض تنظيم (داعش) الإرهابي أحد الفيديوهات له في 18 أيار (مايو) الماضي، وأثبتت صحيفة (واشنطن بوست) ومجموعة (سايت إنتليجنس) أنّ هذا المقطع جاء من خلال برنامج للذكاء الاصطناعي دشّنه تنظيم (داعش) لخدمة أغراضه، ممّا أثار الخوف والتساؤل عن مدى الخطر الذي يمثّله امتلاك (داعش) للذكاء الاصطناعي، وقدرته على تغيير قوانين اللعبة

ووفق تقرير لمنصة (الحل)، فإنّ المعهود عن الجماعات الإرهابية إدراكها لقيمة التكنولوجيا ودورها، وتسعى عادة إلى تطوير نفسها وقدراتها التكنولوجية والإعلامية، وهذا ما أوضحه تقرير أصدره المؤشر العالمي للفتوى عن الذكاء الاصطناعي في خدمة التنظيمات الإرهابية، كما أوضح حضور الذكاء الاصطناعي ضمن الأدوات والآليات المطروحة في خطة عمل تنظيم (القاعدة)  الإرهابي، ممّا يعنيه هذا من خطر محدق يجب الانتباه إليه، لما يملكه الذكاء الاصطناعي من إمكانيات هائلة، وتطوّر سريع غير مضمونة عواقبه.

ويأتي خطاب الجماعات الإرهابية عن الذكاء الاصطناعي في إطار تأسيس قواعد وأنظمة من خلاله، توحي بمساعٍ نحو قيام "خلافة إلكترونية" تكون أكثر قدرة على التواصل والانتشار وعلى تطوير نفسها، خاصة أنّه حسب التقرير المقدّم من (سايت إنتليجنس) أنّ تنظيم (داعش) الإرهابي يستخدم الذكاء الاصطناعي في عمليات التجنيد منذ آذار (مارس) الماضي. وحسب ما يطرحه تنظيم (القاعدة) وتاريخه المعهود، فإنّه يسعى كذلك لاستخدام الذكاء الاصطناعي، ويقدّم فتاوى تحثّ على استخدامه.

ويعرف تنظيم (القاعدة) أهمية التكنولوجيا، وكان لها دور كبير في  مسار التنظيم وشعبيته، فتنظيم (القاعدة) عمل على بناء شعبية له منذ عام 2007 عبر التكنولوجيا، مستخدماً في ذلك شرائط الكاسيت وتسجيلات مصورة، وأنشأ (3) مؤسسات لرسم الملامح الإعلامية للتنظيم وإدارتها، وهي حسب ما جاء في تقرير المؤشر العالمي للفتوى: "مؤسسة الملاحم، والفرقان، والسحاب للإنتاج الإعلامي"، وكانت المواد عبارة عن تسجيلات صوتية وفيديوهات لقيادات التنظيم، وأهمهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.

ورغم انهيار الخلافة المكانية وتشتت مقاتليها، وعودة العديد من عوائل المقاتلين والهروب من معاقل (داعش)، إلا أنّها تسعى للتواجد مرة أخرى، وتعمل على ترتيب صفوفها مرة أخرى بكل السبل الممكنة.

وحسب استناد التنظيم إلى هذه الأدوات في هذه المرحلة، فإنّه كان يعرف أفق المرحلة وهو مطّلع على التكنولوجيا المتاحة، لهذا جاء أكثر تطوراً بعد ذلك وخاض مضمار الإنترنت، وأنشأ منتديات تابعة له يعمل من خلالها على تجنيد العديد من الأفراد، وتقديم رؤيته وبناء قاعدة شعبية له. ومن بين هذه المنتديات منتدى "الساحات السياسية"، وشبكة "الحسبة"، وشبكة "الإخلاص"، و"القلعة"، وشبكة "أنا المسلم"، واختصت جميعها بنشر تفاصيل عمليات التنظيم، وعرض آرائه وأحكامه الدينية، ودعواته إلى الجهاد، ومساعيه نحو تكوين وتقديم الذات الإسلامية.

وحسب ما يفيد تقرير الإفتاء الذي نشر عبر موقع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، فإنّ كل ولاية من ولايات التنظيم لها موقع إلكتروني خاص بها، تنشر من خلاله أخبارها والتعليمات التي تأتيها من قيادة التنظيم، ويبلغ عدد هذه المواقع (12) موقعاً. وأهم هذه المواقع "موقع النداء" الذي أصبح الموقع الرسمي للتنظيم بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001.

وبين التقرير أنّ للجماعات الإرهابية باعاً طويلاً في صناعة المواقع الإلكترونية، واختراق الأنظمة الإلكترونية، وتطلق على عمليات هجومها الإلكتروني اسم "الغزوات الإلكترونية"، وهي عبارة عن عمليات اختراق للمؤسسات الأمنية والسياسية والإدارية، وحالات "الجهاد الفيسبوكي" التي تعمل على انتشار أفكارهم بسرعة كبيرة. ورغبتها ومساعيها نحو استخدام الذكاء الاصطناعي يدل على معرفتها بأهميته، واهتمامها بتطوير أدواتها واتساع نطاق سيطرتها.

وقدّم تقرير الإفتاء تحليلاً لخطاب الجماعات الإرهابية حول الذكاء الاصطناعي، وحسب الإحصائيات جاء الخطاب في التّخفي الإلكتروني وحماية البيانات في الصدارة بنسبة 30% ويليه خطاب استخدام الذكاء الاصطناعي في استقطاب الأتباع وتجنيد مجاهدين بنسبة 27%.  

وتأتي بعد ذلك ألعاب الميتافيرس والتدريب على العمليات الإرهابية بنسبة 18%، والغزوات الإلكترونية بنسبة 15%، ثم يأتي في آخر القائمة الذكاء الاصطناعي لتسهيل العمليات الإرهابية بنسبة 10%.    

ووجود الذكاء الاصطناعي في خطاب الجماعات الإرهابية بهذا الترتيب يوحي بمعرفتهم بالذكاء الاصطناعي وإمكانياته، والاهتمام بتنظيم عملية استخدامه، فهذه الجماعات بوصفها جماعات غير مشروعة ومطلوبة على المستوى المحلي والدولي، يصبح أول اهتماماتها "التّخفي"، وتشفير المعلومات والبيانات، وتعرف ثورة الذكاء الاصطناعي وتسعى لاستخدامه في هذه المهام.

وبحسب مركز (الحل)، فإنّ الجماعات لن تتنازل عن دور الذكاء الاصطناعي في تجنيد المجاهدين واستقطاب الأفراد، وهذا ما يجعلها تهتم به ويأتي بعد التأمين والتّخفي.

ومن المخاوف المطروحة أيضاً محاولتها لإقامة "الخلافة الإلكترونية"، التي ستمكّن كافة أفراد العالم من الانضمام إليها وهم في منازلهم، وهي أقلّ تكلفة وأوسع انتشاراً وأكثر أمناً من الخلافة المكانية.

وفي تصريح للكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الإرهاب هشام النجار، قال: موضوع الخلافة الإلكترونية قديم، وليس جديداً بالنسبة إلى تنظيم (داعش)، وقد ظهر هذا البديل الافتراضي إثر انتهاء الخلافة المكانية، وتم الترويج له كثيراً سواء عن طريق الترويج من قبل تنظيم (داعش) الإرهابي، أو عن طريق التقارير الأمنية الأوروبية، وهناك محاولة لإقامة خلافة إلكترونية بديلة للخلافة المنهارة على الأرض، وتتواصل من خلالها وتعمل على لمّ بقايا التنظيم.

والواقع أنّ الاستراتيجية الدعائية للجماعات المتطرفة تنبني على الفيديو والصورة في المقام الأول، وفق ما أورد (مركز تريندز للبحوث والاستشارات).

وإذا كانت محاولة تنظيم (داعش) لإقامة "الخلافة الإلكترونية" قديمة حسب ما يذكر النجار، فإنّ طرحها من قِبل تنظيم (القاعدة) وباقي التنظيمات الإرهابية جديد، خاصة أنّه يتم طرحه ضمن خطاب استخدام الذكاء الاصطناعي، الذي يعطيهم بادرة أمل للتواجد بشكل أقوى وأكثر أماناً حسب التحليلات التي قدمت لخطابهم.

وأضاف النجار أنّه إذا تم توفير كوادر قادرة على توظيف الذكاء الاصطناعي باحترافية وتطويره، فهنا تكمن الخطورة، فإذا تم في هذه المرحلة استخدام هذا المجال باحترافية، فهم سيلعبون بشكل كبير؛ من خلال خلق أحداث غير موجودة، وسهولة العمليات الإرهابية من خلال هذه التكنولوجيا، وسهولة التواصل وسرّيته... وغيرها من التطورات المهولة في هذا المجال. ويُعدّ الفضاء الإلكتروني متنفساً للتيارات الإرهابية، ويوفر لهم الإيواء والقدرة، لأنّهم شبه عاجزين على الأرض بسبب المطاردات والملاحقات الأمنية والتضييق الأمني، خاصة في أوروبا في الفترات الأخيرة، فكلما ضاقت بهم الأرض، سعوا إلى الفضاء الإلكتروني. 

ويذكر أنّه بعد (4) أيام من هجوم تنظيم (داعش) على حفل موسيقي في روسيا في آذار (مارس) الماضي، جرى تداول مقطع فيديو مدته (92) ثانية على منصة خاصة تابعة لتنظيم داعش الإرهابي، يظهر مذيع أخبار يرتدي خوذة وزياً عسكرياً، ويقول: إنّ الهجوم كان جزءاً من "السياق الطبيعي للحرب المشتعلة بين التنظيم والدول التي تحارب الإسلام، بحسب ما أورده تقرير نشر في (واشنطن بوست).

ويكشف التقرير أنّ المذيع كان "مزيفاً"، فقد تم إنشاؤه بوساطة الذكاء الاصطناعي، عبر برنامج يُسمّى "نيوز هارفست".قدّم البرنامج رسائل فيديو شبه أسبوعية حول عمليات تنظيم (داعش) في جميع أنحاء العالم. وقالت ريتا كاتز المؤسسة المشاركة: إنّ البرنامج الذي تم تصميمه ليشبه بثاً إخبارياً، وهو برنامج -لم يتم الإبلاغ عنه من قبل- يمثل ظهور الذكاء الاصطناعي كأداة دعاية قوية، وإعادة بناء العمليات الإعلامية للجماعة.

السبت، 8 يونيو 2024

الجندية عند الإخوان المسلمين: مصائر الطاعة العمياء

 

الإخوان المسلمين


الجندية عند الإخوان المسلمين: مصائر الطاعة العمياء

من يقرأ كتاب "رسالة التعاليم" لحسن البنا، يشعر كأنّ الرجل يخاطب جنوداً، ويؤهلهم لأدوار عسكرية، بشكل يناقض تماماً الصورة التي ترسمها جماعة الإخوان عن نفسها كجماعة دينية دعوية؛ إذ إنّ الدعوة الدينية لا تتطلب الإعداد البدني والتدريب الشبيه بالعسكري.

قبل تتبع فكرة الجندية أو تدريب أعضاء الإخوان كجنود، سواء فيما يتعلق بمبادئ الجندية من السمع والطاعة والولاء والتراتبية الهرمية، أو الإعداد البدني المؤهل لاستخدام السلاح وقت الحاجة، تجدر العودة إلى مرحلة ظهور هذه الفكرة عند حسن البنا.

في مقدمة كتاب رسالة التعاليم كتب البنا "هذه رسالتي إلى الإخوان  المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا في سبيلها، إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات، وهي ليست دروساً تُحفظ، ولكنها تعليمات تُنفذ، فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون."

ثم كتب موضحاً "أما غير هؤلاء فلهم دروس ومحاضرات، وكتب ومقالات، ومظاهر وإداريات، ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات، وكلا وعد الله الحسنى".

يقول الباحث في  الفكر الإسلامي، هاني عمارة، إنّ رسالة التعاليم كانت موجهة للنظام الخاص فقط، وهم من قصدهم البنا بقوله "الإخوان المجاهدون من الإخوان المسلمين"، لأنّه قسم الإخوان إلى؛ الخصوص، وهم من وجه لهم رسالة التعاليم وطبق عليهم مفهوم الجندية، والعموم ممن خصص لهم الدروس والمحاضرات والأمور التنظيمية العامة وغير ذلك.


وأضاف بأنّه بعد مقتل البنا حَوّل الإخوان رسالة التعاليم من الخاصة إلى العموم، وأصبح كل منتسب للجماعة يتعامل معها على أنّها الكتاب المقدس للإخوان.

يستشهد عمارة من واقع تجاربه الشخصية مع عدد من قدامي أعضاء جماعة الإخوان بأنّ هؤلاء أُطلق عليهم مسمى "الإخوان الكبار" وهم من عاصروا حسن البنا، والتحقوا بالإخوان لكن لم يُكملوا في التنظيم، ومع ذلك ظل لهم وضعهم بين الجماعة. وتابع بأنّ هؤلاء كانوا يتحدثون عن الإخوان كأنها جماعة خيرية، ويفخرون بدورهم الخيري وقت انتسابهم للجماعة، لكنهم لم يكونوا على علم بكتاب رسالة التعاليم، ولم يقرأوا لسيد قطب أو تنظيرات الإخوان.

حين قُتل البنا عام 1949 كان عمر جماعة الإخوان 21 عاماً، وهو وقت كاف لإعداد كوادر شبابية، تولت لاحقاً قيادة الجماعة، وكان لها دور في تعميم طابع التنظيم الخاص على عموم الجماعة، خصوصاً بعد مقتل البنا وإعدام سيد قطب.

جعل البنا من الجندية إحدى صفات المسلم، كتب "الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً، فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء".

 يعلق الباحث هاني عمارة بأنّ مفهوم الجندية من أخطر الأفكار عند الاخوان؛ لأنّهم يربون الأفراد على الاستعداد للقتال والتضحية والطاعة. ولفت إلى أنّ البنا جعل فكرة الجندية ركناً أساسياً في تكوين المسلم، بالمخالفة للسائد في الفقه الإسلامي، الذي ينظر لمسألة الجيوش كما تفعل الدولة الحديثة اليوم.

كتب البنا موجهاً حديثه للتنظيم الخاص "أركان بيعتنا عشرة فأحفظوها؛ الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوّة والثقة".

ويظهر أنّ البنا كتب "رسالة التعاليم" بعد تلقي البيعة الأولى من المجموعة الخاصة التي وصفها بالمجاهدين، ولهذا كتب "وأنت بانضمامك إلى هذه الكتيبة، وتقبلك لهذه الرسالة، وتعهدك بالبيعة، تكون في الدور الثاني، وبالقرب من الدور الثالث".


في مواطن عدة من "رسالة التعاليم" جاءت لفظة الجندية والكتيبة، وتوجيهات عديدة تتعلق بالطاعة وتنفيذ الأوامر، ومن ذلك "أريد بالثقة اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئناناً عميقاً ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة". وفي موضع آخر "على قدر الثقة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها ونجاحها في الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات".

أما تحت عنوان "واجبات الأخ العامل" فذكر البنا "أن تعرف أعضاء كتيبتك فرداً فرداً معرفةً تامة، وتُعرّفهم نفسك معرفة تامة كذلك"، وكتب أيضاً "أنّ تعتبر نفسك دائماً جندياً في الثكنة تنتظر الأوامر".

وبعد تفصيل أركان البيعة، كتب البنا "هذا مجمل لدعوتك، وبيان موجز لفكرتك، وتستطيع أن تجمع هذه المبادئ في خمس كلمات: الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن شرعتنا، والجهاد سبيلنا، والشهادة أمنيتنا." وأن تجمع مظاهرها في خمس كلمات أخرى "البساطة والتلاوة والصلاة والجندية والخلق".

جدير بالذكر أنّ هذا الشعار انتقل من التنظيم الخاص إلى شعار عام لكل فرد من جماعة الإخوان المسلمين، وذلك مع سقوط الحد الفاصل بين التنظيم الخاص والجماعة. ولهذا فكما أثبت الواقع أنّ النزوع نحو العنف بنية أساسية في تكوين جماعة الإخوان المسلمين.

في مذكرات حسن البنا بعنوان "مذكرات الدعوة والداعية"، كتب بعد انضمام عدد من طلاب جامعات للإخوان "نهنئ هيئة الإخوان بانضمام هذه الكوكبة المؤيدة إلى كتيبة رجالها العاملين". وكدلالة على هيمنة فكرة التكوين العسكري على فكر البنا، كان من بين مقررات المؤتمر الثالث للجماعة، تحت عنوان "منهاج الإخوان المسلمين" ما يلي: "كل أخ لا يلتزم بهذه المبادئ لنائب الدائرة أن يتخذ معه العقوبة التي تتناسب مع مخالفته، وتعيده إلى التزام حدود المنهاج، وعلى حضرات النواب أن يهتموا بذلك فإنّ الغاية هي تربية الإخوان قبل كل شيء". أما قبول ذلك التأديب فكتب البنا عنه بأنّ من واجبات الأخ العامل "قبول مناصفات الإخوان التأديبية".

أما في نهاية المؤتمر العام الثالث، فجاء في الكتاب "وكان مسك الختام أن بايع حضرات الإخوان فضيلة المرشد العام على الثقة التامة والسمع والطاعة في المنشط والمكره"، وهي نفس البيعة التي تتبعها الجماعات المصنفة إرهابياً مثل داعش والقاعدة.

وجاء في الكتاب تفاصيل عديدة حول التدريب البدني، منها تحت عنوان "مظاهر النشاط الأسبوعي"، ما يلي؛ ليلة الكتيبة، يوم المعسكر. ويشمل يوم المعسكر التالي: "الجندية، التدريب، الاستعداد للجهاد المقدس، ذلك هو ما يعني به الإخوان المسلمون كل العناية، فيه يتكون الجيش الإسلامي وبه يستطيع أن يحق الأمل ويرفع اللواء عالياً. نرجو أن يكون لهذه الناحية أكبر قسط من اهتمام الإخوان فيعطون لأنفسهم كل أسبوع عرضاً عسكرياً يتدربون فيه".

تُذكر تلك الفقرة بالعرض العسكري لطلاب الإخوان المسلمين في جامعة الأزهر في مصر عام 2006، ما يدل على تطبيق الجماعة لتلك التعاليم بشكل منتظم، حتى تصنيفها جماعة إرهابية في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013.

أما في قسم الرحلات الصيفية، فجاء "الغرض من هذه الرحلات التدريب العسكري والتعارف ونشر الدعوة في ضواحي القاهرة. ويشترط أن يكون لدى الأخ لباس الجوالة أو التدريب العسكري." تلك المعسكرات أطلق البنا على رئيسها مصطلح "حكمدار" وهو رتبة في إدارة الشرطة في مصر إبان العهد الملكي.


يقول الباحث في الفكر الديني، هاني عمارة، بأنّ فرق الكشافة كانت الستار لتدريبات الإخوان، وكذلك فعلت الجماعة الإسلامية في السبعينيات، حتى تدخلت الحكومة لضبط ذلك. وذكر عمارة بأنّ أهم من نّظر لمفهوم الجندية بعد حسن البنا، هو محمد السيد الوكيل (ت 2002) وله كتاب بعنوان "القيادة والجندية في الإسلام".

لئن كان حسن البنا أسس التنظيم الخاص الذي ارتكب أعمال عنف واغتيالات بحق قيادات في الدولة المصرية في العهد الملكي ودبر محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فإنّ الجماعة من بعده طبقت مبادئ الجندية بشكل عام على جميع المنتسبين للجماعة. لهذا يوجد خيط رفيع بين المنتسب وتحوله إلى العنف حين تصدر له الأوامر، كما حدث في مصر بعد ثورة يونيو 2013.

تلك المفاهيم وغيرها تثبت ادعاءات الإخوان المسلمين بأنّهم جماعة إصلاحية تهدف لخير المجتمع أو تؤمن بقيم الديمقراطية والحرية وتداول السلطة، فمثل تلك الطاعة العمياء لا تحمل أياً من قيم الحرية أو الديمقراطية أو السلم.

الجمعة، 7 يونيو 2024

ألسنة حداد... لماذا يواجه الإخوان والإسلاميون مخالفيهم بالسب والتشويه؟

 

الإخوان والإسلاميون


ألسنة حداد... لماذا يواجه الإخوان والإسلاميون مخالفيهم بالسب والتشويه؟

المتابع لعدد من صفحات الإسلاميين من تيارات مختلفة على وسائل  التواصل الاجتماعي يجد مجموعة من السلوكيات المتكررة التي تبدو كظاهرة، تتمثل هذه السلوكيات في استخدام الألفاظ النابية والشتائم بأنواعها وبدرجاتها المختلفة تجاه المختلف معهم أو المخالف لهم في أيّ رأي أو فكرة أو توجه، ويظهر ذلك في مواقف كثيرة سواء من جانب أصحاب الصفحات أنفسهم أو من جانب مئات وآلاف المتابعين لهم من الذين يتأثرون بأفكارهم وخطابهم


 كما يظهر في العديد من التعليقات من أشخاص واقعين تحت التأثير نفسه على صفحات أخرى يقومون خلالها باستخدام الأسلوب ذاته للتعبير عن موقفهم تجاه شخص ما أو فكرة ما مخالفة لما يعتقدون من أفكار وما يتبنّون من قناعات، بشكل يجعل الكثير منّا يتساءل عن السبب في ذلك التناقض وتلك المفارقة العجيبة بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون! كيف لأفراد من المفترض أنّهم دعاة إلى الدين أو أنّهم متدينون، ومن المفترض أن يتحلوا بالقيم الدينية التي تحضّ على الأخلاق الحسنة، كيف لهم أن يمارسوا تلك السلوكيات التي تتنافى مع الدين والأخلاق؟

من أبرز السمات التي تميز التيار الإسلامي بمكوناته المختلفة وبتنظيماته وتياراته الفرعية أنّ كلّاً منهم يرى أنّه هو الذي يملك الحق المطلق مقابل الآخر الذي يمثل الباطل المطلق، وأنّه هو الذي يفهم الإسلام على الوجه الصحيح، ومن ثم يدافع عنه مقابل الآخر الذي يفهمه فهماً مغلوطاً أو يعادي الدين من الأساس، وهذه صورة متطرفة تجعل نظرة الفرد ورؤيته للأمور والأشخاص والأفكار غير سليمة، وينتج عنها عدة نتائج؛ منها عدم تقبل الخلاف والتنوع في الفكر والرأي، والرفض المطلق للمخالف ولأفكاره وآرائه، والنظر إليه، خاصة غير الإسلامي، على أنّه معادٍ للدين ومحارب له، والحدة معه في النقاش وفي إطلاق الأحكام عليه، والتعصب في التعبير عن الرأي، واستخدام أساليب غير أخلاقية وألفاظ ومصطلحات تمثل سبّاً، وتتعمد التقليل منه وتحقيره. 

في دراسة قام بها الباحث الاجتماعي والسياسي الأمريكي (ليرد ويلكوكس) للخطاب الخاص بعدد من غلاة الجماعات السياسية والاجتماعية المتطرفة في أمريكا وخارجها، توصّل إلى عدد من الخصائص التي تتسم بها تلك الجماعات، والتي ينطبق عدد منها على هؤلاء المنتمين للتيارات والتنظيمات الإسلامية وكثير من المتأثرين بخطابهم من المتابعين والمؤيدين، ومن خلال التعرف على هذه الخصائص يمكننا فهم وتفسير تلك الظاهرة التي تتعلق بممارسة السب والتشويه من جانب بعض الإسلاميين تجاه مخالفيهم، وقد تناول هذه الخصائص بالعرض والشرح الدكتور شاكر عبد الحميد في كتابه (التفسير النفسي للتطرف والإرهاب)، ومن بين هذه الخصائص التي يتسم بها المتطرفون، أنّهم يتسمون بالرؤية الثنائية الضدية للعالم


 حيث يميلون إلى رؤية العالم وتصنيف البشر إمّا كخيرٍ محض، وإمّا كشرٍّ محض، ولا يوجد لديهم درجات وسطى بينهما، كما يتسمون بالميل إلى النظر إلى خصومهم ومنتقديهم على أنّهم أشرار بطبيعتهم، ويرونهم مجموعة من الأشخاص الذين تتوافر فيهم كل السمات السيئة لمجرد أنّهم لا يتفقون معهم في أقوالهم ومعتقداتهم، أو لأنّهم لديهم اهتمامات تعارض اهتماماتهم، ويتسمون كذلك بإطلاق التعميمات، ولا يستطيعون التفرقة بين المختلفين معهم من حيث أوجه الاختلاف أو درجته أو أسبابه، وبالتالي يوجهون سخطهم ونقدهم ويمارسون السب والتشويه تجاه كل مختلف معهم بالطريقة والدرجة نفسها، ويتسمون أيضاً بممارسة الاغتيال المعنوي للشخصيات


 ويركزون في هجومهم على خصائص خصومهم الخَلقية والخُلقية ودوافعهم وصفاتهم وتاريخهم أكثر من تركيزهم على الآراء والحقائق والقضايا المثارة، كما يميل المتطرفون إلى تخويف وترهيب وتهديد خصومهم من أجل أن يفرضوا آراءهم، ويتسمون كذلك بأنّهم يفترضون في أنفسهم تفوقاً أخلاقياً على الآخرين، وأنّهم الصفوة والأخيار، ويتسمون بأنّ لديهم قناعة بأنّ ثمة نتائج كارثية سوف تترتب على عدم اتباع الناس لأفكارهم أو عدم نصرتهم لها، ويتسمون أيضاً بتفكيرهم بأنّ القضية العادلة يجوز فيها استخدام أمور سيئة، ولذلك قد يلجؤون إلى تشويه الحقائق وتلويث سمعة الآخرين والطعن في شرفهم، فكلّ شيء مباح طالما كانت القضية عادلة من وجهة نظرهم



 ويتسمون أيضاً بالحساسية العالية تجاه أيّ نقد، ويتخيلون وجود الرفض والمعارضة لهم حتى في الحالات التي ربما تحمل نصيحة مخلصة لهم، ويرى الباحث كذلك أنّ المتطرفين، خاصة المنتمين لحركات دينية متطرفة، يستخدمون منطقاً ما ورائياً من أجل تبرير معتقداتهم وأفعالهم، فيرون أنّ حركتهم وقضيتهم تجسدان أوامر الله، وأخيراً يتسمون بالميل إلى شخصنة حالة العداء، حيث يتمنون غالباً أن يلحق سوء حظ شخصي وكوارث بأعدائهم، ويحتفلون عندما يحدث لأحد خصومهم أو المختلفين معهم حادثة أو يصاب بأذى، وبالتالي فكل هذه السمات عندما تتوافر في الفرد المنتمي لجماعة أو تيار ديني أو متأثر بهم، فإنّها تنتج ذلك السلوك تجاه أيّ شخص يحمل فكرة مخالفة أو يقدّم نقداً لأفكاره.


يستند الإسلاميون الذين يمارسون ذلك السلوك تجاه مخالفيهم إلى عدد من الآراء الفقهية التي تجيز سبّ من يطلق عليه "كافر" أو فاسق"، والحديث عنه بالسوء ولعنه، وهناك العديد من المواقع السلفية التي تتبنّى هذه الآراء وتنشرها، ويتأثر بها ملايين المتابعين من الناس العاديين، فعلى سبيل المثال تأتي فتوى على موقع "الإمام بن باز" تقول إنّ بعض أهل العلم يجيز سبّ الفاسق المعيّن، أي بذكر اسم شخص على وجه التحديد وسبّه وذكره بصفات سيئة طالما توافرت فيه صفة "الفاسق"


 كما ترد على الموقع السلفي "الإسلام سؤال وجواب" فتوى بأنّه "يجوز الفرح بهلاك أعداء الإسلام، والكائدين له، وهلاك أهل الزندقة والبدع المغلظة، وهلاك أهل الفجور والفساد، بل يفرح أهل السنَّة بالمصائب التي تحلّ بهم كمرض أحدهم أو سجنه أو نفيه أو إهانته"، وفي فتوى أخرى على الموقع نفسه تقول: "النهي عن سب الأموات، هو في غير المنافق، وسائر الكفار، وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة، فأمّا هؤلاء: فلا يحرم ذكرهم بشر، للتحذير من طريقتهم، ومن الاقتداء بآثارهم، والتخلق بأخلاقهم"، وفتوى أخرى جاء فيها: "يجوز السخرية بأولئك المحادين لله ورسوله ودينه"


 وفي أخرى: "الغيبة تكون جائزة، بل قد تكون واجبة، إذا كانت لتحذير المسلمين من شر فاسق أو ضال أو مبتدع"، وفي مقطع لأحد الدعاة السلفيين يتحدث فيه عن أنّ الدين ليس ترغيباً فقط بل فيه ترهيب كذلك، وأنّ الدعاة عليهم استخدام الشدة في بعض المواقف مع الناس، ويستشهد في إطار ذلك بالنبي إبراهيم عندما قال لقومه "أفٍّ لكم"، وبالنبي موسى عندما ألقى بالألواح وأخذ برأس أخيه هارون، وأنّ الموعظة الحسنة ليس معناها اللين فقط ولكن معناها الشدة في بعض المواقف



 ويورد خلال المقطع عدداً من المواقف من السيرة النبوية استخدم فيها النبي أو أحد الصحابة الشدة ليبرر أنّ الغلظة في القول والفعل مطلوبة في بعض المواقف، وليثبت وجهة نظره بأنّ التعامل الخشن، بما يندرج تحته من سبّ وسخرية وتشويه، مع المخالف الذي يصفه بأوصاف مثل "فاسق" أو معادٍ للدين" وغيرها من الأوصاف، هو أمر جائز شرعاً، بل هو مطلوب أحياناً.


وتظهر الأزمة هنا عندما نربط هذه النقطة بالنقطة السابقة التي تحدثنا فيها عن رؤية التيار الإسلامي بمكوناته لنفسه وللآخر، والتي يرى فيها أنّه الحق المطلق، وأنّه هو الذي يفهم الدين على وجهه الصحيح، وأنّ الآخر المختلف معه والناقد له هو محارب للدين ومعادٍ له، وبالتالي يتم توصيف الآخر بالفاسق أو الكافر أو المحارب وغيرها من الأوصاف التي يترتب عليها استحلال سبه والسخرية منه ووصفه بالأوصاف السيئة والتشويه المعنوي له، فالأزمة هنا تكون في القراءة الخاطئة للواقع والتوصيف الخاطئ للمواقف والأشخاص ومن ثم القراءة الخاطئة للنصوص والأحكام الفقهية وإنزالها في غير مواضعها.


ربما يكون سبب آخر في ظاهرة التعامل بشكل حاد وبأسلوب غير أخلاقي من جانب الكثير من الإسلاميين مع مخالفيهم يتمثل في الشعور بالضعف نتيجة حالة التراجع الحضاري والتأخر الذي يعيش فيه المسلمون بشكل عام، وأيضاً حالة الضعف التي يعيش فيها التيار الإسلامي، خصوصاً في العديد من المجتمعات على مستوى العالم بعد أحداث الربيع العربي، فهذا الضعف يجعل الإنسان لديه نوع من الحساسية الشديدة تجاه أيّ نقد أو أيّ نصح أو محاولة للتغير أو إصلاح أوضاع قائمة أو أفكار وقناعات دينية سائدة



 حيث يشعر أنّ تلك الأوضاع والأفكار بمثابة حصن له يتحصن بداخله يشعر فيه بالأمان، ويرى أنّه هو الدين الذي إن مسّه أحد برأي أو بتغيير ما، فإنّه سوف يفقد مصدر الأمان بالنسبة إليه، ويشعر بأنّ أيّ نقد أو رأي مخالف لما يعتقده أو تعوّد عليه إنّما هو بمثابة محاولة لهدم الدين والقضاء عليه، وأنّ أيّ شخص يطرح فكرة مغايرة أو يقدّم رأياً مختلفاً إنّما هو عدو للدين يجب التصدي له بكل السبل، وإن كانت غير أخلاقية، فسلامة الغاية لديه تبرر قبح الوسيلة، كما أنّه ينظر إلى ذلك الشخص حينها بأنّه ليس له حقوق لديه، فيجوز سبه وتشويهه والسخرية منه دون أدنى شعور بالذنب، بل يتوافر لديه شعور حينها بأنّه يقوم بعمل ديني نبيل ربما يثاب عليه.

الخميس، 6 يونيو 2024

خسائر وانتكاسة.. سهم الهجوم الحوثي «الأعنف» على لحج يرتد لصدره

 

الحوثي


خسائر وانتكاسة.. سهم الهجوم الحوثي «الأعنف» على لحج يرتد لصدره

في واحدة من أعنف الهجمات البرية للحوثيين، تصدت القوات الجنوبية في اليمن، لمحاولة من المليشيات الانقلابية، للسيطرة على جبل الضواري في بلدة كرش الحدودية بمحافظة لحج.

وفي بيان على نسخة منه، قالت القوات الجنوبية إنها تصدت بنجاح لهجوم واسع لمليشيات الحوثي تحت تغطية نارية مكثفة استهدف بلدة كرش الحدودية في لحج، وأدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين.

وبحسب البيان، فإن مليشيات الحوثي دفعت بتعزيزات عسكرية، وشنت هجومًا كبيرًا للسيطرة على جبل الضواري في كرش الذي تتمركز فيه القوات الجنوبية قبل تراجعها تحت الضربات الحاسمة.


وأكد البيان أن القوات الجنوبية «أجبرت مليشيات الحوثي على التراجع، وكبدتها خسائر كبيرة في صفوف عناصرها المهاجمة، فيما سقط 5 قتلى من القوات التابعة للمجلس الانتقالي، أحدهم العقيد عبد اللطيف المرهبي واحد من أوائل المحاربين للمليشيات منذ تحرير جنوب اليمن».

وكانت مليشيات الحوثي شنت على مدى مايو/أيار الماضي سلسلة مكثفة من الهجمات على جبهات محافظة لحج من يافع إلى كرش وحتى عيريم وحيفان على حدود طور الباحة، ولم تنجح في تحقيق أي اختراق ميداني.

ووفقا لمراقبين، فإن هذه الهجمات البرية العنيفة للحوثيين تهدد بانفجار الوضع في جبهات الداخل اليمني، وتعيد الأوضاع إلى المربع صفر وتجعل جهود الأمم المتحدة للسلام في مهب الريح.

الثلاثاء، 4 يونيو 2024

للهروب من العقوبات الدولية.. الكشف عن شبكة حوثية سرية لغسيل الأموال

 

اموال

للهروب من العقوبات الدولية.. الكشف عن شبكة حوثية سرية لغسيل الأموال

كان الاشتغال البحثي على واقع المشروع الإخواني متواضعاً في الساحة الفرنسية طيلة العقود الماضية، بل إنّ عدد الإصدارات التي تحيل في عنوانها على الإخوان المسلمين هناك تكاد تُعدّ على رؤوس أصابع اليد الواحدة، مقابل فورة الإصدارات التي كانت مخصّصة بشكل عام للإسلاموية، مع تركيز كمّي ونوعي على الظاهرة الجهادية.


إلّا أنّه جرت تطورات ميدانية، أفضت إلى ارتفاع وتيرة الخوض في الموضوع، ليس من قبل المنابر الإعلامية وحسب، وخاصة المنابر اليمينية، فهذا تحصيل حاصل، وإنما حتى من جهات لم يسبق لها أن تطرّقت للموضوع قطّ من قبل، ونتوقف هنا عند إشارتين على الأقل:

ــ الإشارة الأولى ما قامت به "مجلة العالمان"، التي نشرت ملفاً عن جماعة "الإخوان المسلمين" في فرنسا، وليس الإخوان في مصر أو في المنطقة العربية، وهي مجلة فكرية يمينية، وصدر الملف منذ عامين بالضبط، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 تحت عنوان صريح: "الإخوان المسلمون: استراتيجياتهم في فرنسا" (2019).



ــ أمّا النموذج الثاني، فقد جاء مع التقرير الصادر عن مجلس  الشيوخ الفرنسي، والمؤرخ في 7 تموز (يوليو) 2020، حيث نقرأ لأول مرّة في الساحة الفرنسية تقريراً لمؤسسة تشريعية مخصصاً بالتحديد للمشروع الإخواني في فرنسا، بل تحدث التقرير بشكل مباشر عن "خريطة إسلاموية"، وخصّ بالذكر (5) تيارات؛ وهي: تيار "الدعوة والتبليغ"، والتيار السلفي، والإسلاموية التركية، والحالة الجهادية، وأخيراً المشروع الإخواني، معتبراً أنّ "الخطر الفوري في فرنسا، الذي يمثله أكثر فأكثر أولئك الذين يقبلون على الانخراط بشكل من الأشكال في اللعبة السياسية، وهم الإخوان المسلمون"، متوقف في آنٍ واحد عند "عدد تقريبي لأتباع المشروع يناهز (50000) شخص".


هناك عدة مميزات خاصة بالمشروع الإخواني في فرنسا، مقارنة مع باقي التيارات الإسلامية الحركية، ويمكن التوقف عند اثنتين منها على الأقل:

ــ أوّلها أنه أكثر هوساً بالهاجس السياسي والتنظيمي مقارنة مع باقي التيارات الإسلامية، بل إنّ الهاجس السياسي غائب أساساً عند التيار السلفي أو تيار "الدعوة والتبليغ"، على غرار السائد إجمالاً في المنطقة العربية، والأمر نفسه مع الحالات الجهادية في فرنسا، مع أنها قلة، بينما الأمر مختلف مع المشروع الإخواني، باعتباره الأكثر حضوراً في المحطات الانتخابية، والأكثر هوساً بزعم الحديث باسم المسلمين.


ــ أمّا الميزة الثانية، فإنها تتقاطع مع أهداف الميزة الأولى، وعنوانها الانتشار التنظيمي الأفقي والعمودي، واختراق كلّ ما هو صالح للاختراق، حيث نجد إخوان فرنسا في العمل الطلابي والعمل السياسي والعمل الإعلامي والمجال الرقمي في أداء المنظمات الأهلية، بل حتى في سياق الاشتغال على ظاهرة "التخويف من الإسلام"، أو "رهاب الإسلام"، فقد كانت المؤسسة الوحيدة التي تشتغل على الموضوع خلال العقدين الأخيرين محسوبة على المشروع الإخواني، أي "التجمّع المناهض للإسلاموفوبيا في فرنسا"، الذي تمّ حلّه رسمياً في أوّل تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، بقرار صادر عن وزارة الداخلية، في سياق اشتغال صنّاع القرار على فتح ملف الإسلاموية الفرنسية، أي (3) أشهر بعد تقرير مجلس الشيوخ سالف الذكر.



أحصى أحد الباحثين العرب، من المتخصصين في الإسلاموية الفرنسية، (3) تيّارات تميز الأداء الإخواني هناك، والحديث عن الباحث سمير أمغار، الذي صدر له العديد من الكتب والدراسات حول الإخوان والسلفية في فرنسا، وفي أوروبا أيضاً، حيث يُفرّق بين "(3) تيارات في المشروع الإخواني: الأول التيار المستقل، أي التيار الذي لا ينتمي أساساً إلى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ولكنه تأثر بأدبياته وبأفكاره، وبناءً على ذلك، أسّسوا تنظيمات وأطلقوا مبادرات؛ ثم هناك التيار الثاني، ويهمّ المستقلين، أي الأفراد الذين كانوا أعضاءً في التنظيم، ولكنهم قرّروا الابتعاد عن المواقف السياسية للمشروع



 وغالباً ما تصبّ انتقادات هذا الفصيل الثاني في أنّ التنظيم بيروقراطي، وينقسم هذا التيار بدوره إلى اتجاهين: اتجاه ما زال عضواً في المشروع، ولكنه يُعبّر عن نقده، مقابل اتجاه انفصل بشكل نهائي عنه، ولكنه أسَّس تنظيمات موازية، تنهل من التجربة الإخوانية؛ وأخيراً تيار ثالث، والمقصود به النواة الإخوانية المرتبطة بالمشروع الإخواني المصري، أي نواة تدين بالولاء للمرشد عبر البيعة"، وهذا التيار، في نسخته الفرنسية، مُجسّد في "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" الذي تأسّس من خلال مبادرة كانت نواتها تقودها كتلة طلابية قادمة من تونس وبعض اللاجئين السياسيين المشارقة، ويتقدّم الطلابَ التونسيين الإخواني أحمد جاب الله.


الحديث عن "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" مناسبة للتذكير بهاجس الحديث باسم المسلمين في العقلية الإخوانية، وهو هاجس يُكرّس عقلية الهيمنة ويُترجم الأفق السياسي للمشروع في آنٍ واحد، وبيان ذلك أنّ هذا الاتحاد سيقوم بتغيير اسمه في نيسان (أبريل) 2017، من "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" إلى "اتحاد مسلمي فرنسا"، على أساس أنّ مسلمي فرنسا الذين يتراوح عددهم بين (6 و7) ملايين نسمة، لديهم مؤسسة تمثلهم، وهي هذا الاتحاد، والحال أنّ الأمر خلاف ذلك، وهي جزئية دقيقة، تخدم المشروع الإخواني؛ لأنّه بالكاد النخبة البحثية وجزء من النخبة السياسية والإعلامية من تفطنت إلى هذه المعضلة، على اعتبار أنه رسمياً تبقى مؤسسة "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" تمثل المسلمين أمام السلطات الإدارية، بصرف النظر عن تواضع أداء هذه المؤسسة، ولكنّ تغيير اسم الاتحاد يصبّ في تكريس عقلية التقية أو الازدواجية في التعامل مع قضايا مسلمي فرنسا عند المشروع الإخواني.



تأسّس هذا الاتحاد عام 1983، ويضمّ حالياً ما يُناهز (250) جمعية ثقافية ودينية وغيرها، وهو حاضر في شتّى ربوع التراب الفرنسي، منها ما يعمل في مجالات تدريب الأئمة، حيث يضمّ تحت رعايته العديد من المراكز المنتشرة بين الثقافة والطب والاقتصاد، إضافة إلى أنه يُدير عشرات المساجد في فرنسا، مستغلاً بذكاء الفراغ في العرض الديني الذي مَيّز أداء المؤسسات الدينية حديثة التأسيس، والتي كانت مقرّبة من الدول العربية، وخاصة الدول المغاربية، من قبيل مسجد باريس المقرّب من الجزائر، و"الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا" المقرّبة من المغرب، ومنظمات أخرى، فكانت النتيجة أنّ الشباب شرع في البحث عن بدائل.


وكما لاحظ برنارد غودار، أحد أهم خبراء المسألة الإسلامية في فرنسا، بحكم اشتغاله في منصب حساس بوزارة الداخلية الفرنسية، بين 1997 و2004، لأنّه كان مكلفاً في هذه الحقبة بتدبير المسألة الإسلامية في الوزارة، فإنّ الاتحاد الإخواني قام بدور "الوساطة لدى هؤلاء الشباب، وخاصة عبر بوابة معرض "لوبورجي"، الذي كان يسمح للشباب الزائر أو المشارك بالتعرّف على مراجع دينية كانت شهيرة حينها، وفي مقدمتها يوسف القرضاوي، الذي كان برنامجه "الشريعة والحياة" على فضائية "الجزيرة"، يحظى بمتابعة كبيرة، وهي الخلاصة ذاتها التي توقف عندها الخبير الإعلامي والباحث غزافيي ترنسيان، الذي ألف كتاباً حول المشروع الإخواني، متوقفاً في مضامين كتابه عند مشاركة أسماء إخوانية أخرى في أشغال المعرض نفسه، من قبيل راشد الغنوشي التونسي، ومحفوظ نحناح الجزائري، وأسماء أخرى.


إنّ وعي جزء من النخبة السياسية والحزبية بطبيعة المشروع يقف وراء صدور بعض الإشارات النقدية الصريحة خلال الأعوام الأخيرة، ولن تكون آخرها، ما صدر عن المستشارة البرلمانية جاكلين إيستاشي برينيو، التي اشتغلت على تقرير رسمي صادر عن البرلمان الفرنسي بخصوص الإسلاموية الفرنسية، ومع أنه كان مخصصاً لأداء الحالة الجهادية، إلا أنها تطرّقت إلى دور "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، باعتباره "منظمة تقوم بالدعاية للإخوان المسلمين، وتروم، عبر منظمة اتحاد مسلمي فرنسا (الاسم الجديد للاتحاد) أسلمة مسلمي فرنسا، عبر استهداف العمل الاجتماعي، مجال التربية والحقل السياسي، ويسعى المشروع لكي يُصبح مخاطباً مفضلاً لدى السلطات العمومية".



اشتغل المشروع الإخواني طيلة عقود على اختراق الجالية المسلمة والمجتمع الفرنسي، ومن ذلك اختراق مجال التربية والتعليم، بحكم مساحات الحرّية التي توفرها المدوّنة الدستورية الفرنسية، وليس مصادفة أنه في غضون عام 2003، سوف نعاين تأسيس أول مدرسة إسلامية بمدينة ليل (شمال فرنسا)، وهي مدرسة كانت، وما زالت، تابعة للمشروع الإخواني، واعتبرت المدرسة بمثابة نموذج يمكن تطبيقه في مدن أخرى، وخاصة المدن الكبرى، كباريس وليون ومارسيليا ونيس. ويكمن رهان هذه المبادرة حينها في أنّ الإعدادية كانت الأهم في فرنسا، ومبادرة يقودها اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا.


ساهمت آلية الاختراق هذه، أي اشتغال المشروع الإخواني على اختراق مؤسسات الدولة والمنظمات الأهلية، في تكريس أحد أهداف المشروع، أي تمثيل المسلمين أمام السلطات الفرنسية، وبالتالي يُصبح خادماً للجماعة قبل خدمة قضايا المسلمين، بمقتضى الانتصار للمرجعية الإيديولوجية الإخوانية.


وتيرة اشتغال المشروع الإخواني في فرنسا دفعت بعض المنابر الإعلامية إلى تسليط الضوء على "خريطة مَجَرّة الإخوان المسلمين في فرنسا" بتعبير أحد المنابر الإعلامية، وصدرت الخريطة في 20 شباط (فبراير) 2020، وهذه سابقة إعلامية أن نقرأ لمنبر إعلامي يتحدث في عنوان مادة إعلامية، موثقة بالأسماء والمراجع، عن خريطة ومَجَرّة وإخوان مسلمين في فرنسا، لأنّ الحديث عن إخوان فرنسا كان متداولاً من قبل، ولكن لم نكن نقرأ حديثاً عن خريطة أو مَجَرّة،


وسبب ذلك أنّ إخوان فرنسا اخترقوا كلّ ما هو صالح للاختراق في الساحة الفرنسية، في سياق خدمة أهدافهم، من قبيل الاشتغال على قضايا التخويف من الإسلام، أو استقطاب جزء من النخبة السياسية والفكرية، وخاصة النخبة اليسارية؛ أو العمل الميداني على الأصعدة كافة، أو التغلغل في شتى المؤسسات، سواء تعلق الأمر بمؤسسات الدولة، أو المنظمات الأهلية، أو الحقل الإعلامي مع المواقع الإلكترونية الإسلاموية، أو القطاع الطلابي في الجامعات والقطاع التعليمي في ضواحي المدن الفرنسية، وباقي القطاعات القابلة للتغلغل والانتشار.



للباحث محمد لويزي، وهو عضو سابق في المشروع الإخواني، سواء في المغرب أو في فرنسا، ومؤلف كتاب "لماذا انفصلت عن الإخوان المسلمين"، وكتاب "فصل الإسلاموية عن الإسلام"، إشارة دقيقة تلخص دهاء المشروع الإخواني في الساحة الفرنسية، جاء فيها أنّ هذا المشروع "تفطّن إلى آليات العمل السياسي القائم على التحالفات الانتهازية، ولذلك يوظفها تارة مع أحزاب اليمين، وتارة أخرى مع أحزاب اليسار، وتارة ثالثة مع أحزاب الوسط؛ ففي معرض التعامل مع القضية الفلسطينية


 نجده يتظاهر مع أقصى اليسار، وفي معرض التنديد بالتضييق على ارتداء الحجاب، يتظاهر مع التيار السلفي، وفي نقده لمشروع "الزواج للجميع" الخاص بالمثليين، يتظاهر مع يمين اليمين، وفي الانتخابات المحلية والجماعية لا يوجد أيّ حزب مفضل لديه، بقدر ما يهمّ التحالف مع المرشح الحزبي الذي سيخدم المشروع الإخواني، إنّه يعمل بثلاثية: النفعية، والانتهازية، والواقعية السياسية".

الاثنين، 3 يونيو 2024

هل تتخلى تونس عن سياسة المحاور الإقليمية؟

 

تونس


هل تتخلى تونس عن سياسة المحاور الإقليمية؟

شهدت السياسة الخارجية لتونس، خلال السنوات الأخيرة، نقلة “نوعية” حيث أصبحت السلطة تفاوض شركاءها الأوروبيين والغربيين بندية ودون فرض إملاءات عليها، وهو ما يعتبره مراقبون مؤشر قوي على استعادة الديبلوماسية التونسية عافيتها، واسترجاع سيادتها الوطنية في صناعة القرار الداخلي.

وقد استقبلت تونس خلال أقل من شهر، بداية هذا العام، 3 وزراء خارجية من دول الشرق الوازنة، هي روسيا والصين وإندونيسيا، قبل أن يزورها لاحقا رئيس برلمان كوريا الجنوبية، في دليل على توجه قيادة البلاد نحو تنويع علاقاتها الدبلوماسية، وعدم الاعتماد بشكل شبه حصري على الغرب.

وعانت السلطة التونسية في العشرية الماضية من تبعات سياسة المحاور، وجعلتها تتخبّط في حالة من الانقسام والتشرذم الشعبي والسياسي الداخلي، الذي برز خصوصا في التجاذبات السياسية بين الإسلاميين والعلمانيين.


وأفاد أستاذ القانون الدولي منتصر الشريف “بعد 2011 حادت تونس بعض الشيء عن ثوابتها الدبلوماسية خصوصا من ناحية الحياد والتدخل في اتخاذ القرار خارجيا، وظهرت سياسة التحالفات خصوصا في علاقة بالأزمة الليبية، وصعود الإسلاميين إلى السلطة في تونس، ورفض حكومة شرق ليبيا التعامل معهم”.وأضاف "سياسة المحاور أثرت على العلاقات الخارجية، وحتى داخليا في مستوى البرلمان الذي كان منقسما، وأنتج شارعا شعبيا منقسما"



وأردف الشريف "التوجه الجديد يجب أن يعيد الثوابت الدبلوماسية القديمة، وهذا لا يعني التخلي عن الغرب بقدر ما يعني تنويع العلاقات الدبلوماسية والانفتاح على كل الدول، كما أن شريك تونس الأول هو الاتحاد الأوروبي، وذلك لا يمنع من ربط علاقات شراكة مع قوى إقليمية ودولية أخرى".



يُذكر أنه في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2023، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيّد بقصر قرطاج وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مرصودي، التي عبرت في تصريحات صحفية آنذاك عن "ارتياح بلادها لمستوى علاقات التعاون والتشاور والتنسيق التي تجمعها بتونس". في نفس اليوم، استقبل سعيّد وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، حيث بحثا تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في عدة مجالات، بينها الطاقة والصحة والثقافة



كما أجرى وزير الشؤون الخارجيّة الصيني وانغ يي زيارة إلى تونس بين يومي 14 و16 كانون الثاني/يناير، وتبع ذلك زيارة أجراها رئيس البرلمان الكوري الجنوب كيم جين بيو إلى تونس على رأس وفد برلماني بين يومي 17 و19 يناير.

تعليقا على هذه الزيارات، اعتبر المحلل السياسي التونسي هشام الحاجي أن بلاده أمام طريقين لا ثالث لهما "إما أن تسير في طريق تنويع الشراكات والعلاقات وهذا مطلوب وضروري ويمكن أن يعود بالفائدة، وإما أن تختار تغيير طريقها بانعطافة سريعة نحو الشرق قد تكون تداعياتها السلبية أكثر من ثمارها ومكاسبها".

ورأى الحاجي، في حديث ، أن "قدر تونس هو أن تظل بعيدة عن التجاذبات الكبرى، وأن تحافظ إلى أقصى حد ممكن على مبدأ عدم الانحياز، وأن تكون شراكاتها وعلاقاته متنوعة، وهذا من أكبر الرهانات التي تواجه سياسة تونس في هذه المرحلة".ورأى أن "التوجه نحو الشرق واضح" في سياسات بلاده؛ فالعلاقات "أخذت تتطور سياسيا واقتصاديا مع روسيا والصين"، مضيفا: "حتى داخل منظومة العلاقات القديمة هناك تفضيل لإيطاليا على حساب فرنسا".


لكن الأهم، وفق ما يرى الحاجي، هو أن "نحسن قراءة التوازنات، وأن نحسن استغلال الوضع لفائدة تونس"، كما أن اللعب على التناقضات وإحداث تحول في العلاقات أمر مهم في السياسات الخارجية للدول، لكن المهم هو كيفية إخراج هذا التحول، والقدرة على إدراك التفاصيل والجزئيات واستغلالها.


ومؤخرا، تحدثت صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية، وهي أول من أثار الوجود الروسي في تونس، عن رحلات جوية عسكرية روسية تحط رحالها في جزيرة جربة بالجنوب التونسي، معتبرة أن تلك الرحلات "تثير القلق كما لا تزال الطبيعة الدقيقة لهذه الأنشطة الجوية، سواء كانت لوجيستية أو غير ذلك، غير واضحة، لكن المخاوف التي تثيرها حقيقية".

لكن السفارة التونسية في فرنسا نفت ما بثته قناة "أل سي إي" الإخبارية الفرنسية عن وجود عناصر من مجموعة "فاغنر" الروسية بجزيرة جربة جنوب تونس، وأوضحت في بيان لها "أن القناة الفرنسية تواصل عملها في التضليل الإعلامي من خلال ترويج معلومات لا أساس لها من الصحة عن تونس من دون التحقق من هذه المعلومات مسبقاً من المصادر الرسمية"، مضيفة "التضليل الإعلامي رياضة يبرع فيها البعض".



وأكدت أن "القناة لا تحترم أخلاقيات المهنة التي تحكم العمل الإعلامي بشكل عام، وأن تونس بلد ذو سيادة وسيتمكن بمفرده من السيطرة على كامل أراضيه وحمايتها"، حسب بيان السفارة.ويعتقد الصحفي نزار مقني  أن "تونس تسعى إلى إعادة صياغة سياستها الخارجية وتنوعها، وهذا ما تجلى بخاصة في استفادتها من دبلوماسية القمح التي عملت عليها موسكو منذ قمة روسيا - أفريقيا في سانت بطرسبورغ".


وتابع في السياق نفسه "تونس اليوم تبحث عن علاقات ندية مع الخارج وليست علاقات تبعية مثلما تريدها أوروبا والولايات المتحدة". ومن ثم "هذا الفتور في العلاقات بين تونس والغرب ستحاول روسيا أن تملأه، وهي اللعبة نفسها التي تمارسها في كل المناطق سواء في أفريقيا أو حتى في الشرق الأوسط والأمر نفسه بالنسبة إلى الصين".


وتحضر الصين كمنافس رئيس لدول الاتحاد الأوروبي في المناقصات الدولية التي تطرحها تونس، تزامنا مع تحركات دبلوماسية مكثفة لدول المعسكر الشرقي أهمها الصين وروسيا التي تعمل على توسيع حضورها الاقتصادي في تونس. ويؤكد فوز الصين بمناقصة جسر بنزرت، وفق الخبراء، بوادر تحولات في الارتباطات الاقتصادية لتونس التي تتجه شرقا على حساب الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر شريكها التاريخي.

ومنذ 2022 وقعت تونس اتفاقا مبدئيا على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، غير أنها لم تتمكن من الوصول إلى اتفاق نهائي بشأن تمويل بقيمة 1,9 مليار دولار بسبب تشدد الصندوق في شروط إصلاح قاسية رفضها الرئيس قيس سعيد. كذلك ربطت كل الدول المانحة تقديم مساعدات مالية لفائدة تونس بإحراز هذه الأخيرة تقدما في مفاوضاتها مع الصندوق وتوقيع الاتفاق النهائي معه.



وفي تموز/يوليو الماضي، وقعت تونس والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم لإرساء "شراكة استراتيجية وشاملة" في التنمية الاقتصادية والطاقات المتجدّدة ومكافحة الهجرة غير النظامية. ويتضمن الاتفاق تقديم مساعدة لتونس بقيمة 105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية، إضافة إلى 150 مليون يورو لدعم الميزانية. لكنّ هذه المساعدة مشروطة بتوصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول منه على قرض جديد.

وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد رفضه لعرض الدعم المالي لميزانية تونس الذي قدمه الاتحاد الأوروبي، معتبرا أن المقترح يتعارض مع مذكرة التفاهم الموقعة بين بلاده والاتحاد الأوروبي. وقال سعيد في لقاء جمعه بوزير الخارجية نبيل عمار حينها، إن تونس تقبل بالتعاون، ولا تقبل بما يشبه المنّة أو الصدقة، مؤكدا رفض بلاده لما تمّ الإعلان عنه من قبل الاتحاد الأوروبي.

الأحد، 2 يونيو 2024

جماعة الإخوان "غير المرخصة" في الأردن تنهي تشكيل مكتبها التنفيذي

 

الأردن

جماعة الإخوان "غير المرخصة" في الأردن تنهي تشكيل مكتبها التنفيذي

أنهت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن "غير المرخصة" ترتيب صفوفها تمهيداً لاستحقاقات مصيرية تنتظرها؛ منها الانتخابات التشريعية المفترض إجراؤها في أيلول (سبتمبر) المقبل، بإتمام تشكيلة المكتب التنفيذي الجديد للجماعة.

وقدّم المراقب العام لجماعة  الإخوان المسلمين المهندس مراد العضايلة أمس تشكيلة المكتب التنفيذي الجديد للجماعة، وفق موقع (خبرني).وشمل المكتب التنفيذي المهندس عبد الله عبيدات نائباً للمراقب العام للجماعة، وعضوية كلّ من: الدكتور محمد الكوفحي، ومعاذ الخوالدة، ورأفت المصري، وعمر رياض، ومحمد الشحاحدة، وأحمد الزرقان، وأحمد القطاونة، وزياد الميتاني، ومصطفى صقر.


ونالت تشكيلة المكتب التنفيذي ثقة مجلس الشورى، بعد تقديمها عبر حوار وتوافق مع كل التيارات داخل الجماعة، ويؤكد مراقبون أنّ التشكيلة الحالية للمكتب نزعت فتيل خلاف كبير بين الإخوان على المناصب.  وكان مجلس شورى الجماعة قد أعطى المراقب العام مهلة أسبوعين لتقديم تشكيلة المكتب التنفيذي بعد الانتخابات الداخلية للجماعة.


وقد عكست نتائج الانتخابات الداخلية التي أجرتها جماعة الإخوان المسلمين في الأردن حصول توافقات بين ما يُسمّى تيار الصقور المتشدد والجناح المعتدل داخل الجماعة حول تقاسم المناصب القيادية العليا.وأجرت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن انتخاباتها الداخلية قبل نحو (12) يوماً، في ظل ظروف حساسة تمرّ بها العلاقة بين الجماعة وبين السلطة الأردنية، لا سيّما بعد فضيحة الخلية الإخوانية المسلحة.


ويقول مراقبون: إنّ التسريبات التي تحدثت عن تورط عناصر من جماعة الإخوان في مؤامرة تقودها إيران وحركة حماس لتهريب أسلحة إلى داخل المملكة بهدف تنفيذ ‏أعمال تخريبية‎، أثرت على ما يبدو في الانتخابات الداخلية للجماعة، وانتهت إلى نوع من التوافق بين الصقور والتيار المعتدل.

وأفرزت الانتخابات فوز مراد العضايلة، الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي والمحسوب على جناح الصقور، بمنصب المراقب العام، وآلت رئاسة مجلس الشورى إلى عبد الحميد ذنيبات، المراقب العام المنتهية ولايته، والمحسوب على الجناح المعتدل.

السبت، 1 يونيو 2024

 مواقع التواصل تشن حرباً ضد حزب الإصلاح الإخواني

 

حزب الإصلاح الإخواني

 مواقع التواصل تشن حرباً ضد حزب الإصلاح الإخواني

شنت مواقع التواصل الاجتماعي حملة جديدة ضد حزب (الإصلاح) "ذراع الإخوان المسلمين في  اليمن"، وحمّلته مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمتاجرة بالعملة وفشل التحرير، والتخادم مع الحوثيين، إلى جانب تحكّمه بقرار الشرعية والاستحواذ على المناصب.

وقد حَمَّل ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي حزب (الإصلاح) المسؤولية الكبرى في فشل عملية تحرير البلاد من عناصر ميليشيات الحوثي الإرهابية "وكلاء  إيران"، وكذا الأزمات السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد


وأعادوا نشر مقالة لمحمد اليدومي، أمين عام حزب (الإصلاح)، التي حاول فيها التنصل من مسؤولية حزبه المرتهن لأجندة تنظيم الإخوان في فشل وعرقلة مشروع التحرير، والتسبب في الحالة التي تعيشها البلاد اليوم من أزمات على رأسها الأزمة الاقتصادية والمعيشية.

وأوضحوا أنّ اليدومي يريد الهروب من فضيحة الخيانة التي ارتكبتها عناصر حزبه التي كانت تسيطر على مرافق القوات الخاضعة للحكومة والمدعومة من التحالف العربي، والتي أدت لتسليم جبهات القتال في فرضة نهم والجوف وجنوب مأرب وشمال حجة وغرب شبوة، قبل أن يتم استردادها من قبل قوات العمالقة مطلع 2022

.


كما ذكّروا القيادي الإخواني بأنّ عناصر وقيادات حزبه ظلت متحكمة بقرار الشرعية في عهد الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي من أول يوم تسلَّم فيه السلطة في 2012، واستحوذت على جميع المناصب السياسية والدبلوماسية، واستولت على جميع المشاريع الاقتصادية، وتحكمت بالعمليات التجارية، بما فيها تجارة النفط والغاز.


كما استحوذت عناصر حزب (الإصلاح) على جميع مناصب قوات الجيش الوطني وقيادة المناطق العسكرية والألوية، وحتى على مستوى قادة الكتائب والسرايا، وتحكمت بالأسلحة والدعم المقدم من دول التحالف العربي بخصوص التحرير، وفق نشطاء.

وأكد نشطاء أنّ قيادات الإخوان سلّموا مخازن الأسلحة للجماعة الإيرانية بدون قتال في نهم والجوف وجنوب مأرب، وأفشلوا خطط تحرير محافظة تعز، وكانوا وراء توقيع اتفاق "ستوكهولم" ووقف استكمال تحرير محافظة الحديدة والساحل الغربي.


وحول انهيار الاقتصاد والمتاجرة بالعملة، أكد نشطاء أنّ فساد عناصر الإصلاح التي كانت متحكمة بجميع المناصب الحكومية تسببت بانهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، من خلال نهب عناصر الجماعة لجميع موارد الجهات الحكومية بما فيها نفط وغاز صافر، وإيرادات المنافذ الدولية والجمارك، والتي كانت تصادرها وتوردها لحسابات بنكية خارج البلاد، بدل إيرادها إلى خزينة البنك المركزي في عدن.



وتابع نشطاء :"كما تسببت عناصر الإخوان التي مثلت الحكومة في المفاوضات والاجتماعات مع المانحين وصناديق التمويل الدولية خلال الأعوام الماضية، في فقدان ثقة الدول المانحة وصناديق التمويل الدولية، الذين اطلعوا على حجم فساد الحكومة، خاصة فيما يتعلق بالمتاجرة والمضاربة بالعملة الصعبة، والاستحواذ على المعونات والمنح والودائع المالية الدولية المخصصة لتحسين معيشة اليمنيين.


وأفادوا بأنّ ما تعيشه البلاد اليوم جراء فقدان ثقة المانحين في الجهات الرسمية كان سببها عناصر جماعة الإخوان الفاسدة التي استحوذت على المال العام لأعوام، وفشلت في القيام بمعالجات وإصلاحات اقتصادية تعهدت بها أكثر من مرة أمام المانحين وصناديق التمويل الدولية.

وقال نشطاء: إنّ حزب (الإصلاح)، وبدلاً من حشد الجهود للبناء والتعمير واستعادة الدولة وتحسين الخدمات خاصة الكهرباء والمياه والصحة والتعليم، عمد إلى عمل عكس ذلك، وتسبب في انهيار تلك الخدمات أكثر.وقد وصل فساد الإخوان إلى المساجد، حيث حذّر ناشطون من موجة عنف جديدة في محافظة تعز، جراء الصراع للسيطرة على المساجد بين الجماعات الدينية المسيسة.

وقال ناشطون: إنّ الصراع الديني والحزبي حوَّل مساجد تعز إلى أشبه ما تكون بثكنات لهذا الفصيل أو ذاك، لافتين إلى أنّ من يسيطر على المساجد يسيطر على الشارع ويتحكم بالمسيرات والمظاهرات، وهنا جوهر المشكلة، على حدّ تعبيرهم.


وأشاروا إلى أنّ مساجد مدينة تعز أصبحت مُقسَّمة كـ "قسمة ورثة" بين حزب (الإصلاح) وجماعات السلفيين والدعوة، ووصل الأمر في بعضها أن أصبحت فنادق دينية للبعض،  ومراكز سيطرة للبعض الآخر.

وأكدوا أنّ هذا الوضع ينذر بدورات عنف جديدة في المستقبل القريب بين أتباع هذه الجماعات كما حدث خلال الأيام الماضية، لافتين إلى أنّ استثمار الجهل  يجري بوتيرة عالية بين أوساط المجتمع من قبل هذه التيارات التي حوَّلت المساجد إلى أماكن للسيطرة والتحكم بمشاعر الناس وعقولهم وتوظيفها لخدمة مشاريعهم السياسية.

وأكد نشطاء أنّ المساجد أصبحت خالية من المصلين، لأنّ أغلب الناس تركوا الصلاة فيها بعد أن تحولت إلى فروع لأحزاب سياسية.

الخميس، 30 مايو 2024

الإخوان والانتخابات.. ماذا وراء التعديل الوزاري في تونس؟

 

تونس

الإخوان والانتخابات.. ماذا وراء التعديل الوزاري في تونس؟


فجر التعديل الوزاري المفاجئ، الذي أجراءه الرئيس التونسي قيس سعيد في وقت متأخر من ليل السبت، جدلا واسعا في الأوساط السياسية التونسية، خصوصا أنه شمل وزيرين بارزين هما كمال الفقي وزير الداخلية، ووزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، وهو ما أثار تساؤلات حول دلالات ذلك؟

وعيّن سعيّد، خالد النوري وزيرًا للداخليّة خلفًا لكمال الفقي، الذي كان يُعتبر قريبًا من الرئيس، وفق ما جاء في بيان للرئاسة التونسيّة لم يوضح أسباب الإعفاء.كما عيّن الرئيس كمال المدوري، وهو من التكنوقراط، وزيرًا للشؤون الاجتماعيّة خلفًا لمالك الزاهي، فيما استُحدث منصب كاتب دولة لدى  وزارة الداخليّة يكلّف بالأمن القومي، وعُهد به إلى سفيان بن الصادق


يأتي ذلك في وقت تجدد فيه الجدل في تونس حول واقع الحقوق والحريات بعد توقيف المحامية البارزة سنية الدهماني والمحامي مهدي زقروبة والإعلاميين برهان بسيس ومراد الزغيدي، رغم أن الرئيس التونسي نفى مرارا وجود تضييق على الحريات في بلاده.



تعليقا على هذا التعديل الوزاري، قال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن "التعديل الوزاري تم التداول فيه منذ أشهر وهو ليس مرتبطا بالحريات و النظام الحاكم هو رئاسي والحكومة مسؤولة أمام رئيس الجمهورية ونجاح الحكومة من عدمه سيحسب على الرئيس".

وبين الرابحي في حديث  أن "العقاب يكون بصندوق الاقتراع، لذلك كل ما يقوم به رئيس الحكومة أو الوزير من أنشطة سيعاقب عليها الرئيس، وبالتالي هو الوحيد الذي يقيم عملهم ولا أعتقد أن للتعديل علاقة بإثارة ملف الحريات والحقوق والمرسوم رقم 54.



وأشار إلى أن "رئيس الجمهورية قال في مجلس الأمن القومي إن هناك من خانوا الأمانة أو مسؤولين في مواقع السلطة تجاوزوا حدودهم وكان متوقعا أن يتم اتخاذ قرارات في حقهم".ولفت إلى أن "الرئيس قام بالتغيير المهم والمرتقب ومازالت مسألة سد الشواغر في عدة مناصب مثل وزارة الثقافة ووالي تونس ووالي المنستير ووالي صفاقس، حيث ستكون المرحلة المقبلة مرحلة سد الشواغر سواء في الوزارات أو المستوى الجهوي".


أحمد المازني، الناشط في مسار 25 يوليو/تموز الداعم للرئيس التونسي قيس سعيد، قال إن الوزير الجديد خالد النوري هو رجل من خارج الدوائر السياسية حيث سيكون نقطة ارتكاز في كشف مخططات أحزاب ذات طابع إرهابي للانقلاب على الحكم في تونس.

وأكد في تصريح" أن "شخصية خالد النوري المنتمية للقضاء ستعطيه القدرة على كشف ملفات خاصة بالإخوان وتتبعها، في علاقة بالجمعيات الممولة للوجود الإخواني ولنشاطها والذي بقي إلى حدود اللحظة، وهو ما يثير ارتياب التونسيين ".وأضاف أن شخصيته وقدرته على إدارة محافظة مكثفة ديموغرافيا مثل محافظة أريانة (ضواحي تونس ) تعطيه القدرة على تعقب جيوب المتآمرين على تونس من الفصائل التي تدعو إلى التمرد على الدولة وضرب أسس النظام العام في تونس.



وأوضح أن مسار 25 يوليو/تموز وهو تحرك شعبي تونسي مناصر للرئيس قيس سعيد يساند أي خطوة للقطع مع النظام السابق الذي تميز بالفشل على كل المستويات .من جانبه، قال سالم بن رقية، المختص في الشأن الأمني، إن جيوب حركة النهضة الإخوانية مازالت مفتوحة وتحتاج إلى وقفة حازمة لوقف نزيف الإرهاب في تونس الذي ضرب البلاد طيلة العشرية السابقة.


وأكد، للمصدر ذاته، أن تعيين وزير داخلية من صلب "الولاة " (رؤساء المحافظات ) يعطي نجاعة أكثر لتعقب الخلايا الإرهابية النائمة والتي تنتظر أي إشارة لضرب الدولة التونسية من الداخل.وأشار إلى أن ملف الهجرة غير النظامية لم يستطع كمال الفقي إدارته، متوقعا أن الوزير الجديد سينجح فيه لأنه سيعالج الثغرات التي لم يتمكن منها السابق.



هذا ويرى المحلل السياسي عبد الجليل معالي، في تصريح ، أن "الرئيس سعيد يسعى من خلال الإقالات الأخيرة إلى ضخ دماء جديدة في فريقه الحكومي لتوفير أجواء أفضل تُجرى فيها الانتخابات الرئاسية القادمة خاصة مع تزايد الانتقادات لأداء وزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية".

ويفسر معالي رأيه بالقول إن "أداء وزير الداخلية السابق قد واجه انتقادات داخلية وخارجية واسعة في الفترة الأخيرة خاصة في ما يتعلق بالهجرة غير النظامية بعد عدم إجادة الوزارة التعامل مع هذا الملف الحارق".



ويضيف أن "وزير الشؤون الاجتماعية السابق مالك الزاهي قد واجه بدوره انتقادات واسعة من المناصرين للرئيس بسبب عدم إجادته التعامل مع الأطراف النقابية بالوزارة وعدم إحداث اختراق في الملفات الاجتماعية".

ويخلص معالي إلى أن "الرئيس بصدد إبعاد السياسيين من حكومته لصالح الوزراء التكنوقراط وهذا ما تجلّى أيضا في إقالة وزير التربية السابق محمد علي البوغديري".هذا وأعرب بعض المحامين والمعارضين عن تفاؤلهم بـ"انفراج سياسي" بعد هذا التعديل الحكومي الذي أسفر عن تعيين قاضيين وخبير قانوني دولي على رأس وزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية.


ومن بين ما يدعم به البعض موقفه "المتفائل" انتماء الوزراء الثلاثة إلى "جيل المسؤولين الشبان" الذين تقل أعمارهم عن الخمسين، فضلاً عن تخرجهم في كليات الحقوق بتونس ومدينة سوسة، (140 كيلومتراً جنوب العاصمة)، وكانوا من بين طلاب الرئيس سعيد وزملائه قبل 30 عاماً ومن بين المقربين إليه ومن مستشاريه الذين تخرجوا في الكليات القانونية نفسها.

كما تكشف ردود الفعل على هذا "التعديل الحكومي السياسي" وعلى تغيير طاقم وزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية، عن وجود تيار يقلل من "الرسائل السياسية والحقوقية" وراء التعديل الحكومي، ويعدّ هؤلاء أن هدف الفريق الحاكم الحالي "تعيين مزيد من التكنوقراط" على رأس أبرز مؤسسات الدولة؛ بما فيها الأمنية والاجتماعية والسياسية، استعداداً للانتخابات المقبلة.



شغل خالد النوري قبل تعيينه وزيرا للداخلية واليا على أريانة منذ يونيو 2022 ، وقبل ذلك تولى منصب مدير عام إدارة مركزية بجهاز المكلف بنزاعات الدولة.

وخالد النوري من مواليد 31 مارس 1976 بمحافظة سوسة الساحلية، وشغل خطة مستشار مقرر عام بإدارة نزاعات الدولة بوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية.وهو حاصل على شهادة الأستاذية في الحقوق من كلية العلوم القانونية بسوسة وحاصل على شهادة ختم الدروس بالمعهد الأعلى للقضاء، وأيضا على شهادة الكفاءة لمهنة المحاماة.

وبالنسبة إلى سفيان بن الصادق، الذي تمّ تعيينه كاتب دولة لدى وزير الداخلية مكلفا بالأمن الوطني، فهو في الأصل قاض من الرتبة الثانية وعضو في لجنة المتابعة في الوكالة الفنية للاتّصالات بوزارة تكنولوجيا الاتصال.أما وزير الشؤون الاجتماعية الجديد كمال المدوري، فقد شغل منصب مدير عام للصندوق الوطني للتأمين على المرض.

الأربعاء، 29 مايو 2024

انخفاض حِدة خطاب الحرب والكراهية.... هل وعى الإخوان الدرس أم غيروا تكتيكاتهم؟

 

السودان


انخفاض حِدة خطاب الحرب والكراهية.... هل وعى الإخوان الدرس أم غيروا تكتيكاتهم؟


قبل اندلاع حرب الخامس من نيسان (أبريل) 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التابعة له، شرع الإخوان المسلمون ممثلين في ذراعهم السياسية (حزب المؤتمر الوطني) والحركة الإسلامية السودانية، بقيادة المتطرف علي أحمد كرتي أحد مؤسسي الميليشيات الإخوانية المسلحة التي تقاتل بجانب الجيش في الحرب الراهنة، شرعوا في إنتاج خطاب شديد العداء موجه ضد قوات الدعم السريع، وقوى إعلان الحرية والتغيير (قحت)، وهي تحالف واسع لأحزاب سياسية ونقابات ومجتمع مدني وفصائل من حركات الكفاح المسلحة التي كانت تقاتل نظام الإخوان في أطراف السودان المختلفة. 

ولم تكتفِ الجماعة بذلك، وإنّما أحدثت فتنة قبلية كبرى في شرق السودان (الآمن نسبياً)، وكادت تعصف به ويصبح جغرافيا للحرب والموت كما حدث في دارفور (غرب) وجنوب السودان الذي قررت شعوبه الاستقلال عن الوطن الأم الذي أصبح بؤرة للحروب الأهلية والأزمات العنصرية والقبلية وجرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية. 



الآن، وبعد مرور أكثر من عام على الحرب، ومع الانتصارات المتتالية التي حققتها قوات الدعم السريع على الجيش والميليشيات الإخوانية والسلفية والداعشية التي تقاتل معه تحت عناوين مختلفة، بدأ خطاب الحرب والكراهية ينحسر تدريجياً في إعلام الجماعة الموجه إلى التحريض باستمرار الحرب. 



ويرى مراقبون أنّ ذلك يعود إلى حالة الإحباط الشديد التي عمّت أنصار الجماعة ومقاتليها، خصوصاً بعد سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة الاستراتيجية وذات الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية الكبيرة، وعاصمتها مدينة (ود مدني) وسط السودان في كانون الأول (ديسمبر) من العام المنصرم، وفشل الجيش في استعادتها عدة مرات، وتعرّضه لهزائم ساحقة في جميع محاولاته، وجاء بعد ذلك فشله الذريع في طرد قوات الدعم السريع من مصفاة الجيلي للنفط، (70) كيلومتراً شمال العاصمة الخرطوم، حيث تكبد الجيش والميليشيات المتحالفة معه خسائر فادحة في آخر المعارك التي دارت هناك خلال شهر أيار (مايو)؛ ممّا اضطره إلى قصف المصفاة بالطيران وتدمير أجزاء واسعة منها، دون أن يؤثر ذلك على سيطرة قوات الدعم السريع على المنطقة، إذ ما يزال موجوداً فيها. 

كما ألحقت قوات الدعم السريع خلال الشهر نفسه خسائر بالجيش في منطقتي أُم روّابة وجبل كردفان بإقليم شمال كردفان (جنوب) ودمرت متحركاً عسكرياً كاملاً واستولت على معدات وآليات وقتلت وأسرت المئات من أفراد الجيش بينهم ضباط كبار.  وخلال عام كامل من الحرب لم يتمكن الجيش من تحقيق أيّ انتصارات، ما عدا تقدماً محدوداً في بعض أحياء أم درمان يقع في أحدها مبنى الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون التابعة للحكومة.



هذا الوضع أحدث انقسامات بين قادة الجيش أنفسهم، خصوصاً بين نائب القائد العام الفريق أول شمس الدين الكباشي، ومساعد القائد العام الفريق أول ياسر العطا، ففيما يحاول الأول إظهار رغبته في التفاوض وإنهاء الحرب على الطاولة، وظل ينتهز الفرص ليوجه انتقادات حادة للميليشيات الإخوانية والمقاومة الشعبية، ويحذر من مغبة حمل السلاح خارج إطار الجيش، يتفرغ الثاني لإرسال التهديدات يمنة ويسرة ويتوعد القوى المدنية بسوء المآل والخاتمة، واتهامها بالخيانة والارتزاق والعمالة للأجنبي، فضلاً عن توعد قوات الدعم السريع بالفناء، "قريباً إن شاء الله"، كما اعتاد أن يُردد بعد كل هزيمة. 



إلّا أنّ الفريق أول ياسر العطا عاد مؤخراً، شأنه شأن الكثير من الإخوان، بينهم رؤساء تحرير صحف سياسية سابقون من المؤيدين للحرب، وهم من المنتمين إلى الجماعة أو من المقربين منها، عاد إلى قوله إنّه يوافق على التفاوض بشروط، ممّا يشير إلى أنّ قناعته بإمكانية حسم الحرب عسكرياً قد اهتزت كثيراً. 



رغم التصريحات المختلفة نسبياً للمنتمين إلى الجماعة التي يُعتقد على نطاق واسع أنّها هي التي أشعلت الحرب من خلال سيطرتها على قيادة الجيش التي يتحكم فيها ضباط إخوان، خصوصاً الاستخبارات العسكرية والتصنيع الحربي والمؤسسات الاقتصادية التابعة للجيش، إلا أنّ مراقبين آخرين يعتقدون أنّ الجماعة تحاول الالتفاف عبر هذا السلوك (تخفيف حدة الخطاب العدائي) وإظهار النزوع نحو السلام على الوضع الماثل ومهادنته والتخفيف من حدة المعارك، ريثما تتمكن من جلب أسلحة جدية وذخيرة من روسيا أو الصين، وفي هذا الصدد كان وفد روسي قد زار مدينة بورتسودان الساحلية التي يتخذها قادة الجيش عاصمة بديلة لهم، لإبرام اتفاق تمنح بموجبه روسيا "نقطة تزويد" بالإمداد على البحر الأحمر، مقابل الحصول على أسلحة وذخائر


 فإلى ذلك الحين عليهم أن يتحلوا بالحذر، وأولى علاماته إظهار رغبة زائفة في الجلوس إلى مفاوضات السلام، ثم مواصلة الحرب عقب ذلك، وللجماعة باع طويل وخبرات متراكمة في هذا النوع من الخداع، ولديهم فتوى سابقة يعتقد أنّها صادرة عن شيخهم وعرّابهم الراحل حسن عبد الله الترابي، الذي تُنسب إليه عبارة "الكذب في سبيل الدعوة حلال"، وهذا التحول تكتيكي من أجل الحصول على السلاح، وخفض سياسة العداء والمواجهة مع المجتمعين الإقليمي والدولي، الأمر الذي أفضى إلى فشل دبلوماسي كبير بجانب الفشل الميداني على أرض المعركة.

الثلاثاء، 28 مايو 2024

الخلافات تتصاعد في صفوف إخوان الجزائر بسبب رئاسيات 2024.. ما الجديد؟

 

الجزائر

الخلافات تتصاعد في صفوف إخوان الجزائر بسبب رئاسيات 2024.. ما الجديد؟


في مؤشر جديد على وجود خلافات بينه وبين القيادة الحالية حول المشاركة في الانتخابات، فجّرت تصريحات الرئيس السابق لحركة "مجتمع السلم" الإخوانية في الجزائر عبد الرزاق مقري، جدلاً وانقسامًا بعدما أبدى رفضه لترشح خلفه عبد العالي حساني، لانتخابات الرئاسة المقررة في أيلول/سبتمبر المقبل.

وبعد يوم واحد من إعلان حركة مجتمع السلم المحسوبة على التيار الإخواني في الجزائر مشاركتها في الانتخابات الرئاسية بترشيح رئيس الحركة عبد العالي حساني، للسباق، خرج مقري ليوضح، قائلا إن "الحسم في الترشح للرئاسيات داخل الحزب كان مغلقًا"، مبديًا رغبته في الترشح عندما تتاح الظروف لذلك مستقبلاً.

وأوضح مقري في بيان له نشر عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك"،  تعقيبًا على الجدل الذي أحدثه قرار مجلس شورى "حمس" بترشيح عبد العالي حساني شريف: "منذ إعلان حمس قرارها بخصوص الانتخابات الرئاسية والاتصال بي لا يتوقف، للسؤال عن عدم ترشحي، وبعض التحليلات والتعليقات في الوسائط الاجتماعية ذهبت بعيدًا في شرح الموقف ودوري فيه بما لا علاقة له بالواقع وبما يتصادم مع مبادئي وأخلاقي وقناعاتي السياسية".


ولتصحيح المفاهيم، ذكر رئيس الحزب الإسلامي السابق: "أؤكد ما قلته منذ البداية بأن لدي الرغبة في قيادة البلد، وأنني قادر على ذلك بما يحقق تنميته ونهوضه بين الأمم، غير أنني لا أتحكم في الفرصة التي تملكها مؤسسات الحركة وتتحكم فيها السلطات".وأضاف: "لقد علمت مبكرًا بأن الحسم داخل الحركة سيكون حسمًا تنظيميًا لا تتاح فيه الفرصة للمنافسة السياسية بين الرجال والأفكار"،

وأردف: "لم أترشح، ولم أطلب من أحد، ولم اتصل بأحد، ولم أجتمع بأي كان لدعم ترشحي، رغم الاتصالات الحثيثة من العديد من الأطراف، ومن المواطنين حيثما ذهبت".وتابع منشوره: "لو علمت بأن المنافسة مفتوحة داخل الحركة لقبلت الترشح"، مؤكدًا مواصلة النضال للترشح لمنصب رئاسة الجمهورية متى توافرت الظروف.

وهذه المرة الأولى التي تشارك فيها حركة "حمس" في الانتخابات الرئاسية منذ 1995، عندما خاضت وقتها المعترك الانتخابي بمؤسسها ورئيسها الراحل محفوظ نحناح، الذي حل ثانيًا بعد الجنرال الرئيس اليامين زروال، قبل أن تعلن مساندتها لترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، في انتخابات 1999، و2004 و2009، لتقاطع بعدها الانتخابات الرئاسية عامي 2014، و2019.