ندوة العطر في الأدب العماني تعكس استخدامات متنوعة للعطور بين السطور
تتابعت لليوم التالي على التوالي فعاليات "العطر في عمان" الذي ينظمه النادي الثقافي، بحضور لفيف من الشعراء والأدباء والفنانين والخبراء في العطر العماني.
وفي الندوة الثانية التي أقيمت في مقر النادي الثقافي وحملت عنوان: "العطر في الأدب العماني" وأدارتها الإعلامية سندس البادرية، تناولت الدكتورة فاطمة الشيدية في ورقتها الشعر كعنصر في ظل زمن الرقمنة والعزلة، يعيدنا إلى جوهر الإنسانية، مبينة أن الشعر هو العطر الذي يحيي توهج الروح، وتضيف: "في زمن يميل فيه الشعر إلى الجفاف، يظل العطر هو الجسر الذي يربطنا بمشاعرنا الأعمق". فالعطر جزء لا يتجزأ من العملية الشعرية، حيث لا يعتبر مجرد صورة جمالية، بل وسيلة لاستحضار الحواس والتفاعل مع النص حيث تصف الشيدية كل قصيدة على أنها "نفحة عطر تنثر روح الشاعر على الكون"، مما يعمق النص ويمنحه توهجا أكبر، ويصبح الشعر أكثر حيوية واتصالا بالإنسانية.
وأوضح محمد الشحري في ورقته حول العطور في الرواية العمانية، أنها تمثل أكثر من مجرد عنصر جمالي؛ فهي تعكس تفاعل الرواية مع بيئتها الثقافية، والعطور في الروايات العمانية تعبر عن مناسبات اجتماعية ومكانة الشخصيات، وأحيانا تكون رمزا للذكريات أو الحنين، مؤكدا أن العطور ليست مجرد جزء من الثقافة العمانية، بل تمتد إلى الأدب حيث تظهر بقوة في النصوص السردية، وخاصة في الرواية والشعر العماني.
ويستشهد الشحري برواية "فراشات الروحاني" للكاتب محمود الرحبي، حيث يبرز العطر كوسيلة للتعبير عن أناقة الشخصيات وإغواء النساء، مضيفا طبقات جديدة من المعاني إلى السرد، كما يلفت الانتباه إلى رواية "تغريبة القافر" للكاتب زهران القاسمي، حيث يرمز العطر إلى الذاكرة والحنين وفي هذه الرواية، تسترجع الشخصيات مشاعرها وذكرياتها من خلال روائح الآس والعود، مما يعزز الأبعاد النفسية للسرد. وفي روايته "موشكا"، يقدم العطر كوسيلة علاجية وأداة للخداع في البلاط الفرعوني، مما يبرز قوة العطر في السرد الأدبي وتحوله إلى رمز متعدد الوظائف والمعاني.
وتناول يونس البوسعيدي في ورقته التي حملت عنوان " صورة العطر في مدونة الأدب العُماني القديم" الشعر العماني قبل عام 1970، مركزا على استخدام مفردة "العطر" في العديد من القصائد ويوضح أن العطر في تلك الفترة غالبا ما كان يظهر في سياقات غزلية أو مدائحية أو رثائية، مشيرا إلى أن الشعراء العمانيين كانوا نادرا ما يتطرقون للعطر في سياقات مرتبطة بالحدائق، على عكس الشعر الأندلسي.
ويضيف البوسعيدي أن الشاعر العماني كان يستلهم من بيئته الطبيعية وروائح الأزهار التي كانت جزءا من وجدانه، كما أن هذه الروائح كانت تفوح بعطورها في قصائد الشعراء، مما يعكس ارتباط الإنسان ببيئته ويضيف عمقا روحانيا إلى النص الشعري.
ويتابع بأن الأدب العماني القديم شعره ونثره ذكر العطر بكل مفرداته الموحية إليه، وبالعديد من العطور التي تعطرت بها تلك المدونة، واختلف إيراد العطر ونفحاته باختلاف المواضع، فجاء هدية للمدوح يزجى في مدونات المدح والإخوانيات، وجاء تغزلا بعطر المحبوبة، وتشوقا إليها تسوقه رياح النسيم والصبا وغيرها في الصد والهجران والغربة، أو تذكرا لخصال المتوفي في مدونات الرثاء، ومع غالبية الصورة الإيجابية العطرة للعطر، إلا أنه جاء بصورة شبيهة بعطر منشم كذلك، أي بالصورة السلبية، فنجد العطر في مقام الوعظ، كالتذكير بعطر الكافور في الأكفان، وجاء في مقام الذم الذي يدل على الفعل الخبيث، وجاء العطر كذلك بصورته الدهنية دواء للمريض في المدونة الطبية العمانية، وتنوعت هذه المدونة الأدبية بين الشعر والنثر، وتنوعت مدونة النثر بين الرسائل والمقامات الأدبية، والخطب، أو النصوص الفقهية التي استقصاها الباحث من باب تقصي صورة العطر في عموم مدونة النثر الأدبي العماني.
متتبعا العطر بألفاظه الدالة عليه، كألفاظ الروائح كالرائحة، الشذا، والضوع، والنشر، والنفح، والفوح الأريج، والريا، والعبق، وغيرها، وبالأفعال الموحية له مثل يتعطر، يتضمخ، يدهن، يبخ، وكذلك أسماء العطور الشائعة الذكر في الأدب العماني القديم كعطور الورد، واللبان، والزبادي، والريحان، والآس، والفل، والمسك، والصندل والعود، والكاذي، والياسمين والخزامى والعنبر، والعبير، والند، والرند والخزامى والفواغي وغيرها.
كما تحدث سماء عيسى عن العلاقة بين العطور وعلم الفلك العماني التقليدي، وأشار إلى أن استخدام الأشجار العطرية مثل اللبان والصندل كان جزءا من الممارسات الثقافية والروحانية المرتبطة بالأجرام السماوية. وأوضح أن العمانيين كانوا يتمتعون بتراث فلكي متوارث، حيث استخدموا النجوم لتحديد المواسم والزراعة والسفر، ومن ضمن تلك التقاليد، ارتبطت الأشجار العطرية مثل البخور ببعض المناسبات المهمة مثل رؤية الهلال وبداية الأشهر القمرية، وكان يعتقد أن الروائح تعمل على تنقية الأجواء الروحانية وتساعد في تحضير الذهن للتأمل في السماء والنجوم.
من جانب آخر، أقيمت مساء أمس الفعاليات المصاحبة لندوة "تاريخ العطر في عُمان"، بأمسية شعرية شارك فيها نخبة من الشعراء العمانيين؛ من بينهم الدكتورة سعيدة خاطر، والشاعر عبد الرزاق الربيعي، والشاعر حسن المطروشي، والشاعر هشام الصقري. وقدم الشعراء مجموعة متنوعة من القصائد الشعرية بين الشعر في حب الوطن، وأدارت الأمسية أشواق العمرية، كما صاحبت الأمسية مقطوعات موسيقية متنوعة شارك فيها الموسيقيان يوسف الفوري وزيانة الراجحية.
وشهدت قاعات النادي الثقافي تنظيم حلقة تدريبية "صناعة البخور" قدمتها الحرفية ماوية الجابرية، حيث تعرّف الحضور على أساسيات وفنون صناعة البخور بأنواعه المختلفة، وقدم أحمد الصقري حلقة عمل عن "تقطير الورد بين الحديث والتقليد" تعرّف الحضور من خلالها على فنون تقطير الورد وطرق استخراج العطور باستخدام الأساليب التقليدية والحديثة، فضلا عن تقديم أساليب مبتكرة تجمع بين الأصالة والحداثة. وقدمت الفنانة أفنان العامرية حلقة فنية بعنوان "صناعة المجامر"، وتعرّف الحضور على فنون الفخار وأسرار تصميم المجامر التقليدية والحديثة في رحلة إبداعية لصناعة قطع فنية بلمسات أصيلة، فيما قدم محمود الزدجالي حلقة عمل عن "صناعة العطور" سلط الضوء على أسرار مزج المكونات العطرية الفريدة وكيفية صناعة العطور الخاصة بطريقة احترافية، كاشفًا لهم فنون العطور التقليدية والحديثة وكيفية اختيار المواد العطرية وتصميم الروائح المميزة، بالإضافة إلى عرض لوحات تشكيلية في معرضين للفنانين التشكيليين سعيد الرويضي وأفراح المعمرية.
0 Comments: