الجمعة، 13 ديسمبر 2024

سلطنة عمان والمملكة تؤكدان عزمهما تعزيز التكامل والتعاون في شتى المجالات

 

سلطنة عمان

سلطنة عمان والمملكة تؤكدان عزمهما تعزيز التكامل والتعاون في شتى المجالات  


عُقد بمحافظة العُلا في المملكة العربية السعودية اليوم الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق العُماني السعودي برئاسة مشتركة بين معالي السّيد بدر بن حمد البوسعيدي، وزير الخارجية، وصاحب السُّموّ الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، وزير خارجية المملكة العربية السعودية.


وأكّد معالي السّيد وزير الخارجية في كلمته خلال الاجتماع على أنّ مجلس التنسيق العُماني السعودي يمثّل منصة استراتيجية تُجسّد إرادة القيادتين الحكيمتين لتعزيز التعاون الثنائي، مشيرًا إلى التقدّم الملحوظ الذي شهدته العلاقات بين البلدين منذ انعقاد الدورة الأولى للمجلس في مسقط.


وأشار معاليه إلى أنّ المجلس أسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي وزيادة التجارة البينية والاستثمارات المشتركة، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة، والثقافة، والسياحة، والتنسيق السياسي إزاء القضايا الإقليمية والدولية.


وبيّن معاليه أنّ تعزيز التعاون بين البلدين لا يقتصر على خدمة مصالحهما المشتركة، بل يمتد ليُسهم في تحقيق الاستقرار والازدهار الإقليمي، خاصة في ظل التحدّيات الراهنة التي تستدعي تكثيف التنسيق الدبلوماسي والاقتصادي.


وأعرب معاليه عن تهنئته للمملكة العربية السعودية بفوزها باستضافة النسخة الخامسة والعشرين من بطولة كأس العالم لكرة القدم 2034، وحصولها على أعلى تقييم فني في تاريخ المونديال من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) مؤكّدًا أنّ هذا الإنجاز يعكس رؤية طموحة وثابة لإنجاح البطولة، مضيفًا بذلك إنجازًا عالميًّا جديدًا للمملكة يُعزز سجلها الحافل بالإنجازات المشرّفة على الصعيدين الإقليمي والدولي.


من جانبه، أشاد صاحب السُّمو الأمير فيصل بن فرحان آل سعود بالجهود المبذولة لتعزيز العلاقات السعودية العُمانية، والتي تحظى برعاية واهتمام قيادتي البلدين، مؤكدًا على دورها في ترسيخ التعاون وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة بما يحقق تطلعات الشعبين.


وأشار سموه إلى أنّ الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق السعودي العُماني يأتي امتدادًا للاجتماع الأول الذي عُقد في سلطنة عُمان في 13 نوفمبر 2023، حيث أُطلقت النسخة الأولى من 55 مبادرة للجان المنبثقة عن المجلس.


وأشاد سموه بالجهود المبذولة في متابعة تنفيذ هذه المبادرات وما أثمرت عنه اجتماعات اللجان من نتائج إيجابية تُسهم في تعزيز التعاون والتكامل بين البلدين، مع التأكيد على أهمية استمرار تطوير عمل المجلس ولجانه لتحقيق المزيد من الإنجازات.


وفي ختام الاجتماع، أكّد رئيسا المجلس على أهمية دعم وتطوير عمل المجلس ولجانه، وتكثيف التنسيق الدائم بين الجانبين لتعزيز دوره كمظلة مؤسسية للتعاون الثنائي. معبرين عن شكرهما للجهود المبذولة من اللجان والأمانة العامة في تسهيل عمل المجلس.


وشارك في الاجتماع رؤساء وأعضاء اللجان المنبثقة عن المجلس، إلى جانب الأمانة العامة للمجلس بحضور عدد من كبار المسؤولين في مختلف القطاعات من الجانبين.ويأتي الاجتماع تأكيدًا على الروابط التاريخية الوثيقة بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية، وتنفيذًا للتوجيهات السّامية لقيادتي البلدين.

الأحد، 3 نوفمبر 2024

"الدفاع" تشارك بمعرض مراكش الدولي للطيران

 

الدفاع

"الدفاع" تشارك بمعرض مراكش الدولي للطيران 

 شارك وفدٌ من وزارة الدفاع وقوات السُّلطان المسلّحة في معرض مرّاكش الدولي للطيران 2024م بالمملكة المغربية في نسخته السابعة الذي اختتمت فعالياته اليوم.


وقد تجول وفد وزارة الدفاع وقوات السُّلطان المسلحة في أروقة المعرض، كما زار الوفد عددًا من الشركات المختصة في الصناعة العسكرية وتعرّف على أهم المعدات والمشاريع والحلول القائمة والمستقبلية في الصناعات والتقنيات العسكرية.


وعلى هامش فعاليات المعرض التقى وفد وزارة الدفاع وقوات السُّلطان المسلحة بالفريق جوي محمد كديح، مفتش القوات الجوية الملكية المغربية، حيث جرى خلال اللقاء تبادل الأحاديث الودية ومناقشة عدد من مجالات التعاون بين الجانبين.

الجمعة، 14 يونيو 2024

الإسلاميون والدولة: صراع على الحكم وليس لخدمة الدين

 

الإسلاميون


الإسلاميون والدولة: صراع على الحكم وليس لخدمة الدين

يشكل كتاب "مرجعيات الإسلام السياسي"، للمفكر التونسي الدكتور عبد المجيد الشرفي، جزءاً مهماً ضمن مساهماته النقدية، في فهم ظاهرة الإسلام السياسي، في المجتمعات العربية، وعلاقة الدين بالدولة، ومشكلة تحديث الفكر والوعي الديني، في مواجهة التراث، وحكم الفقهاء، واستبداد السلاطين.

وقد دأب الشرفي، طوال مسيرته الأكاديمية، على تتبع ظاهرة الجماعات الدينية المختلفة، وتكويناتها المتعددة، بهدف تفكيك أدبياتها، والأفكار التي روجت لها، ورصد الحوادث التي رافقتها، لتحديد صلاتها وارتباطها العضوي، بالتاريخ والثقافة التي تنتمي لهما، من ناحية، وتحليل شروط انبعاثها الراهن، وفق سياقاتها الزمنية الحديثة، من ناحية أخرى.

ويبدو أنّ الكتاب الصادر عن دار التنوير، في العام 2014، استئناف لجهود عديدة سبقته، يعيد الشرفي بلورتها وصياغتها، بشكل مكثف وسريع ومقتضب، مدفوعاً بمخلفات ثورات "الربيع العربي" التي اجتاحت عدة عواصم عربية، وقد شهدت خلالها، بزوغاً لنجم الإسلام السياسي، بصورة مؤثرة، واقعياً، سواء في الصراع السياسي، والمنافسة البراغماتية على الحكم والسلطة، أو في الجدال الثقافي والفكري، الذي احتدم مع خصومهم التاريخيين، من التيارات الليبرالية والعلمانية واليسارية.

يقر صاحب "الإسلام بين الرسالة والتاريخ"، أنّ دولة الخلافة، التي يتهافت على استدعائها الإسلاميون، لا تعدو كونها، نموذجاً للحكم، لا يختلف عن غيره، ممن كان سائداً، في ذلك التاريخ، والحضارات القديمة، التي تشكلت حوله؛ مثل الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية، وبالشكل الذي اقتضته رهانات تلك المرحلة، سواء من الناحية السياسية والاقتصادية، وكذا، مصالحها الطبقية والاجتماعية.

ومن ثم، فإنّ الصلة بين الإسلام والدولة، لا تقوم على ضرورة حتمية، وارتباط عضوي، إذ إنّ الدولة ليست هي المسؤولة عن نشر الإسلام، فكما انتشر الاسلام بفضل الفتوحات، لكنه في الآن نفسه، اعتنقته شعوب في أقاصي آسيا، عبر نشاط التجار والمتصوفة، كما هو الحال، في أندونيسيا، التي تعد أكبر دولة إسلامية، من حيث عدد سكانها.

إذاً، يتبنى الشرفي، فرضية مهمة، وهي أنّ المركزية الجامعة بين الإسلام والدولة، التي تحمل العقيدة، في بنيتها السياسية، وتستلهم من خلالها الشرعية في الحكم، كانت مرتبطة بظرف تاريخي معين، اقتضى معه مأسسة الدين. لكن ذلك، لم يؤد إلى اختلاط في الوظائف، بين السلطتين الدينية والسياسية، حيث كان كل منهما يعتمد على الآخر، في تعيين دوره وممارسة مهامه ووظائفه.

ويوضح صاحب "الإسلام والحداثة"، أن المجتمعات الإسلامية والعربية، كانت فقيرة سياسياً، على المستوى النظري، في ما يتعلق بفلسفة السلطة والحكم، بعكس بما أنتجه الفكر اليوناني القديم، على هذا الصعيد، ومن ثم، كان السلطان بحاجة إلى المشروعية الدينية، كما أنّ الممثل الديني "الإمام"، كان يستعين بالسلطة السياسية، لتنفيذ مهامه المجتمعية.

ولئن شهدت الدول والإمبراطوريات، التي تكونت في عهد الخلفاء الراشدين، أو في عهد الدولة الأموية والعباسية، تفككها وتحولها إلى دويلات مستقلة؛ حيث بدأت مع الأدارسة، في المغرب الأقصى، والأغالبة في تونس، وصولاً إلى بغداد، التي كانت مركز الخلافة العباسية، وقد سقطت، في القرن الرابع الهجري، في أيدي البويهيين، ثم السلاجقة، فإنّ النواة الصلبة، التي ظلت تجمع المواطنين وأفرد الأمة، وتحتفظ بتماسكها، هي جملة العقائد والممارسات والطقوس الدينية، التي تميز المسلم عن غيره، حتى خارج مظلة وهيمنة الحكم الذي سقط.


طرح الشرفي آراء العديد من المفكرين والمصلحين العرب، خلال القرنين الماضيين، ممن تناوبوا على بحث قضية العلاقة، بين الإسلام والدولة، واشتبكوا مع عوامل وأسباب الردة التاريخية، تحت وطأة الانسحاق للفكر الماضوي، وتأبيد سلطة التراث وتقديس السلف.

ومن بين الذين بعث المفكر التونسي دورهم، وكشف عن إسهاماتهم الفكرية، كان رفاعة الطهطاوي الذي حدد أنّ الدولة تقوم على ركيزتين؛ القوة الحاكمة، التي تضمن الأمن، وتنتظم عبر أطرها القانونية، نظام الحياة الاجتماعية، وهو ما يحتاج برأي الطهطاوي، إلى مواثيق قانونية ودستورية، يؤسس لها الفكر السياسي المحض، بدون المرجعية الدينية، ومن ثم، أقر بضرورة الفصل بين السلطات، واعتبر الأمة مصدرها.


وفي السياق ذاته، أشار إلى خير الدين التونسي، الذي أخذ خطوة أكثر جرأة، ورأى بضرورة استلهام الحداثة السياسية ونظامها في الغرب، وقال بأنّ "خلاص الأمة الإسلامية، متوقف على البدء بتغير نظام الحكم فيها، والانتقال بها، تدريجياً، نحو النموذج الغربي".

كما كان الإمام محمد عبده، أحد هؤلاء الذين أقروا بـ "مدنية" الحكم في الإسلام، ورفض الحكم الديني، وأكد على رفضه نظرية الحكم الإلهي، ومقولة أنّ "الخليفة هو ظل الله على الأرض"، بما يؤسس لاستبداد سياسي على أسس دينية، وصرح بأنّ نماذج الحكم، التي عرفها التاريخ الإسلامي، غير ملزمة للمسلمين في العصر الحديث.

ومثلهما، كان الشيخ الأزهري، علي عبد الرازق، مؤلف كتاب "الإسلام وأصول الحكم"، الذي يتفق مع الرأيين السالفين، معتبراً أنه ليس ثمة ما يمنع المسلمون، من تطوير نظم حكمهم، على غرار ما يحدث في الغرب.




وبينما كانت معركة الخلافة محتدمة، بعد تحولها إلى مجرد سلطة روحية، عقب سقوطها، على يد مصطفى كمال أتاتورك، في عشرينيات القرن الماضي، واجه تلميذ الإمام محمد رشيد رضا، تلك التحولات والدعوات المؤيدة، وتصدى لها؛ حيث طالب بإحياء الخلافة الإسلامية، والتي كانت أحد المدخلات الرئيسية، والعوامل المفتاحية، لنشوء تنظيم الإخوان المسلمين، بعد أربعة أعوام من سقوط الخلافة في الاستانة.


ويوضح الشرفي، أنه إبان وفاة الرسول، عليه السلام، اندلعت الصراعات حول من يمثل الحكم، ويحتل موقع الخلافة، عقب وفاة الرسول، عليه السلام، والتي تسببت فيها العصبيات القبلية والعربية، وخلق توترات عديدة، وفتح دوائر عنف طويلة، في التاريخ الإسلامي، نتج عنها ذلك التصدع الذي دشنه ظهور مرجعيتين دينيتين؛ السنة والشيعة، والانحياز لنظم حكم مختلفة عن الآخر.

وإلى ذلك، فإنّ نشأة الإسلام السياسي، يتحتم أن توضع في إطار الظرف السياسي والثقافي الذي تمخضت عنه، حتى يمكن فهم وتعيين، وضعها الواقعي، في المجتمعات العربية؛ إذ إنها تنتمي إلى نشأة الدولة الحديثة، في المنطقة العربية، بكل معطياتها التاريخية.

فقد ظهرت الجماعة الأم "الإخوان المسلمين"، في فترة ما بين الحربين العالميتين، العام 1928، والتي تعد أحد ردود الفعل، على سقوط الخلافة، في العام 1924، من ناحية، ونشوء الدولة الوطنية، من ناحية أخرى، والتي لها حدود جغرافية ثابتة، أو شبه ثابته. لكنها، على كل حال، لا تنتمي إلى واقع الامبراطوريات القديمة.


وبحسب الشرفي، فإنّ إخفاق مشروع التحديث في الوطن العربي، أدى إلى القطيعة مع الأفكار التقدمية والحداثية، ما ساهم في تمرير الفكر المحافظ، سياسياً وفكرياً، ووفر الشروط والمناخ، ما سمح بتمدد التيارات الأصولية. وهي الحالة التي تتقاسمها تونس ومصر، كما يشير الشرفي الذي يرى أنّ الأيديولوجيات المحافظة، في كليهما تهيمن بصورة ملحوظة، تحت مسمى تطبيق الشريعة، التي هي، بالأساس، أحكام فقهية، نسبية، ومخرجات بشرية، لضرورات عملية، فرضتها الحوادث التاريخية لحظتها.ويعود ذلك، لعامل رئيسي؛ هو غياب أي بعد ثقافي ونقدي، منذ ظهر الإسلام السياسي، قبل نصف قرن، والذي كرس للنظام القبلي.


وثمة تناقض يحمله الإسلامويون، يكشف عن رؤيتين، ليست إحداهما مع الدين والأخرى ضده، كما يروجون، لكن، نتج عن الشرط التاريخي، الذي أدى إلى تطور فلسفة الحكم ونظريات السياسة، ونشوء الدولة، كمفهوم حديث ومتطور، نجمت عنه صورة مغايرة في الحكم، بخلاف الواقع التقليدي والقديم، فأضحت الدولة تمثل القوة، التي تمارس الحكم بالقانون والدستور، ويخضع لها المواطنون، ومن ثم، لا يمكن لها أن تنفذ أحكاماً عشائرية، باتت متهالكة، وفقدت صلاحيتها التاريخية، كمثل القصاص، وتأخذ بالثأر، عوضاً عن بنود القانون وأحكامه، وهو نفس الأمر، الذي فرض على الإخوان المسلمين، القبول بزي للمرأة مثل؛ البنطال، وقد كانت ترفضه وتحرمه، قبل عقود.

الخميس، 13 يونيو 2024

بعد أن أبصرت النور في 2011.. هل تعود حركة النهضة الإخوانية إلى السرية؟

 

حركة النهضة

بعد أن أبصرت النور في 2011.. هل تعود حركة النهضة الإخوانية إلى السرية؟


بينما تقبع أغلب قياداتها وعلى رأسهم زعيمهم راشد الغنوشي في السجون بتهم مختلفة تراوحت بين الإرهاب والفساد المالي والتآمر على أمن الدولة واستمرار غلق مقارها المركزية وسط تصاعد الرفض الشعبي لها، يرجح متابعون للشأن التونسي أن تعود حركة النهضة الإخوانية إلى النشاط السري في خضم الانقسامات التي عصفت بوحدتها الداخلية.



وترفض أغلبية المجتمع فكرة عودة الإخوان حتى إن حاولت النهضة ادعاء إجراء تغييرات جذرية وفكرية، وتغيير مسمى التنظيم، للإيهام بوجود مراجعات أيديولوجية ونقد ذاتي.يذكر أن حركة النهضة عملت في السر لمدة 12 عاماً بين أعوام 1969 و1981، ثم أعلنت وجودها في مؤتمر صحافي في يونيو (حزيران) 1981، لتبدأ السلطات الأمنية في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ملاحقة قادتها. 


وبعد قرارات 25 تموز/ يوليو، حظرت السلطات التونسية أنشطة الحركة في مختلف مناطق البلاد وكذلك نشاط "جبهة الخلاص الوطني"، مستفيدة من نفور أغلب التونسيين من الأحزاب، وبخاصة تلك التي جثمت على الحكم لسنوات من دون تحقيق أي إنجازات اقتصادية واجتماعية، ومع سجن أغلب قياداتها، تجد حركة النهضة نفسها عالقة بالفعل بين خيارين أحلاهما مر، إما العودة إلى النشاط السري أو محاولة الظهور بثوب آخر.


في السياق، يقول الباحث السياسي بوبكر الصغير إن "حركة النهضة تمضي نحو الاضمحلال بما أنها جزء من الإسلام السياسي، ما وقع في الـ25 من يوليو (تموز) 2021 شكل غلقاً لقوس الإسلام السياسي في تونس، لذلك لا أستبعد عودة الحركة إلى النشاط السري فهو سيناريو مطروح خصوصاً بعد غلق مقارها".


وأردف الصغير أن "النهضة استنفذت كل إمكاناتها ومشاريعها، فهي دخلت مرحلة السرية في وقت سابق وأسست على فكرة عقائدية دينية، وحاولت أن تظهر كحزب مدني ليبرالي واستغلت مرحلة تاريخية عاشتها تونس منذ 2011 وتمكنت من الحكم وكرست نفسها كسلطة وخاضت تجربة الحكم والسلطة لكنها فشلت ولم تحقق منجزاً واحداً".


وشدد على أن "الحركة تعيش الآن تخبطاً في قيادتها في مرحلة ما، وقد تسعى إلى تغيير اسمها وجلدتها من أجل تحقيق ولادة ثانية وفي مرحلة أخرى تتعاطى بصور مختلفة السياسة، لكنها تلعب في الوقت الضائع، لأن الإسلام السياسي انتهى والعالم دخل في مرحلة جديدة".
وأوضح الصغير "أعتقد أن النهضة نفسها تدرك أنها دخلت في مرحلة مخاض صعب وتبحث عن ولادة جديدة وهي أمر صعب، لأنه ليس لها مشروع تقدمه للتونسيين ولا صيغة يمكن أن تظهر بها، وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي، إذ لم يعد لها أية شعبية وحتى فكرة المظلومية لم تعد تعطي أكلها".


وتكرر قوى سياسية تونسية مطالبها للرئيس قيس سعيد باتخاذ إجراءات عاجلة في ملف المحاسبات القضائية الخاصة بتمويل الإرهاب والفساد، مؤكدين على ضرورة حل كافة الأحزاب التي تقع تحت طائلة التمويلات الخارجية وفي مقدمتها حركة النهضة.
ويشير، في هذا الشأن، المحلل السياسي التونسي نزار الجليدي، في تصريح  إلى تورط حركة النهضة في عشرات القضايا التي تجعلها منبوذة من الشارع، وفقدت أي مصداقية أو شعبية لها، لعل أبرزها، الفساد المالي والسياسي في البلاد، والولاءات الخارجية، فضلاً عن التلاعب بالمؤسسات القضائية ومحاولة اختراقها واستغلالها إبان فترة حكمها للبلاد، وتعمد إخفاء نحو 60 ألف ملف تتعلق بقضايا الاغتيالات السياسية والجهاز السري للتنظيم، باعتباره أخطر الخلايا المسلحة التي تمارس العنف في البلاد.


من جانبه، قال زياد القاسمي أستاذ القانون والمحلل السياسي التونسي: "بإمكان القضاء حل حزب النهضة بعد تقييمه لأفعاله عن طريق إدانة مجموعة منتمية له، بارتكاب أفعال إرهابية أو ممارسة العنف، وهو ما يحصل حاليا".


وأكد لـ"العين الإخبارية"، أنه "في حال كانت الأفعال فردية، يستثنى الحزب من الإدانة، لكن في حال ثبوت تورط ذلك الحزب وثبوت التهم ضده وإدانته قضائيا، بالإمكان حله".وأشار إلى أن قضية "لوبيينغ" (اللوبيات) "ستعصف بأحلام حزب الإخوان خاصة بعد التأكد من تلقي النهضة مالا أجنبيا في الانتخابات التشريعية لعام 2014".

ومؤخرا، قررت الدائرة "الجناحية" المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس حجز ملف قضية "اللوبيات" للنطق بالحكم يوم 1 فبراير/شباط المقبل.والقضية تشمل رئيس حركة النهضة الإخوانية، راشد الغنوشي، وصهره رفيق عبدالسلام، وتتعلق باتهام حركة النهضة بقبول تمويل مباشر صادر عن جهة أجنبية.

وفي تقريرها العام حول نتائج مراقبة تمويل الحملات الدعائية للانتخابات الرئاسية السابقة والتشريعية لعام 2019، رصدت محكمة المحاسبات أن حركة النّهضة "تعاقدت في 2014 مع شركة الدعاية والضغط BCW الأمريكية لمدّة 4 سنوات بمبلغ قدره 285 ألف دولار".


وكان قرار محكمة تونسية بسجن زعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي ثلاث سنوات في قضية تلقي حزبه تمويلات أجنبية قد أثار تكهنات بأن يكون ذلك تمهيداً لحل الحركة، خصوصاً أنها تواجه تهماً عدة.


ويقبع الغنوشي في السجن منذ أبريل (نيسان) الماضي بعد تحريك دعوى ضده إثر حديثه عن أن "تونس من دون إسلام سياسي أو يسار أو غيرهما من الأطياف السياسية هي مشروع حرب أهلية"، مما عدته السلطات تحريضاً على الانزلاق نحو الفوضى في البلاد.
ويرى مراقبون أن حركة النهضة لا يمكن أن تستمر بالدعم الخارجي في ظل غياب رئيسها راشد الغنوشي، والحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وهو الذي كان كلمة السر التي تفتح له غرف القرار في العواصم الداعمة لجماعة الإخوان.


من جانبه، أشار الباحث في شؤون التيارات المتشددة والقضايا الاستراتيجية في تونس الدكتور علية العلاني إلى أن حركة النهضة تواجه الآن تحقيقات قضائية تتعلق بالخروقات والتسريبات الانتخابية، بالإضافة إلى قضية تسفير آلاف الشباب التونسيين للقتال مع إرهابيين في الخارج. 

وقال العلاني في تصريح  إن المطالبة بحل وحظر حركة النهضة يحتاج إلى حكم قضائي، لافتاً إلى أن الغالبية العظمى من الشعب التونسي أصبحت تلفظ التنظيم بعد اتهام قياداته وأعضائه في العديد من القضايا، ما يؤثر على مستقبل الحركة، بعد أن أصبحت أقلية غير مؤثرة بالمشهد السياسي، وفقدت الكثير من مواقعها.

يُذكر أن الغنوشي بقي الرّجل المهيمن على النّهضة لأنّه المتصرّف في ماليتها”. ويقول مقربون من الحركة إن الغنوشي يستعمل ورقة الأموال لإخافة الغاضبين من سياساته، خاصة أن هناك المئات من قيادات مختلفة، عليا ووسطى ومحلية، متفرغين بشكل كامل للعمل التنظيمي.

محمد الحبيب الأسود القيادي السابق يقول إن استبداد الغنوشي بالحركة و”تمكنه من تمثيل هوية الحركة بمفرده، وفي كونه الشخصية الوحيدة من كل أبناء الحركة، الذي له حضور دولي وصيت عالمي، يعود إلى أسباب أغلبها خارجية وفيها تناغم مع أجندات أجنبية”.

الثلاثاء، 11 يونيو 2024

الذكاء الاصطناعي... التنظيمات الإرهابية تسعى لإقامة "الخلافة الإلكترونية"

 

الذكاء الاصطناعي


الذكاء الاصطناعي... التنظيمات الإرهابية تسعى لإقامة "الخلافة الإلكترونية"

تمثّل التكنولوجيا أحد أهم الأسلحة المعاصرة في أيدي الجماعات الجهادية والإرهابية، ممّا يشكل تهديداً كبيراً في كافة أنحاء العالم. 

وقد عرض تنظيم (داعش) الإرهابي أحد الفيديوهات له في 18 أيار (مايو) الماضي، وأثبتت صحيفة (واشنطن بوست) ومجموعة (سايت إنتليجنس) أنّ هذا المقطع جاء من خلال برنامج للذكاء الاصطناعي دشّنه تنظيم (داعش) لخدمة أغراضه، ممّا أثار الخوف والتساؤل عن مدى الخطر الذي يمثّله امتلاك (داعش) للذكاء الاصطناعي، وقدرته على تغيير قوانين اللعبة

ووفق تقرير لمنصة (الحل)، فإنّ المعهود عن الجماعات الإرهابية إدراكها لقيمة التكنولوجيا ودورها، وتسعى عادة إلى تطوير نفسها وقدراتها التكنولوجية والإعلامية، وهذا ما أوضحه تقرير أصدره المؤشر العالمي للفتوى عن الذكاء الاصطناعي في خدمة التنظيمات الإرهابية، كما أوضح حضور الذكاء الاصطناعي ضمن الأدوات والآليات المطروحة في خطة عمل تنظيم (القاعدة)  الإرهابي، ممّا يعنيه هذا من خطر محدق يجب الانتباه إليه، لما يملكه الذكاء الاصطناعي من إمكانيات هائلة، وتطوّر سريع غير مضمونة عواقبه.

ويأتي خطاب الجماعات الإرهابية عن الذكاء الاصطناعي في إطار تأسيس قواعد وأنظمة من خلاله، توحي بمساعٍ نحو قيام "خلافة إلكترونية" تكون أكثر قدرة على التواصل والانتشار وعلى تطوير نفسها، خاصة أنّه حسب التقرير المقدّم من (سايت إنتليجنس) أنّ تنظيم (داعش) الإرهابي يستخدم الذكاء الاصطناعي في عمليات التجنيد منذ آذار (مارس) الماضي. وحسب ما يطرحه تنظيم (القاعدة) وتاريخه المعهود، فإنّه يسعى كذلك لاستخدام الذكاء الاصطناعي، ويقدّم فتاوى تحثّ على استخدامه.

ويعرف تنظيم (القاعدة) أهمية التكنولوجيا، وكان لها دور كبير في  مسار التنظيم وشعبيته، فتنظيم (القاعدة) عمل على بناء شعبية له منذ عام 2007 عبر التكنولوجيا، مستخدماً في ذلك شرائط الكاسيت وتسجيلات مصورة، وأنشأ (3) مؤسسات لرسم الملامح الإعلامية للتنظيم وإدارتها، وهي حسب ما جاء في تقرير المؤشر العالمي للفتوى: "مؤسسة الملاحم، والفرقان، والسحاب للإنتاج الإعلامي"، وكانت المواد عبارة عن تسجيلات صوتية وفيديوهات لقيادات التنظيم، وأهمهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.

ورغم انهيار الخلافة المكانية وتشتت مقاتليها، وعودة العديد من عوائل المقاتلين والهروب من معاقل (داعش)، إلا أنّها تسعى للتواجد مرة أخرى، وتعمل على ترتيب صفوفها مرة أخرى بكل السبل الممكنة.

وحسب استناد التنظيم إلى هذه الأدوات في هذه المرحلة، فإنّه كان يعرف أفق المرحلة وهو مطّلع على التكنولوجيا المتاحة، لهذا جاء أكثر تطوراً بعد ذلك وخاض مضمار الإنترنت، وأنشأ منتديات تابعة له يعمل من خلالها على تجنيد العديد من الأفراد، وتقديم رؤيته وبناء قاعدة شعبية له. ومن بين هذه المنتديات منتدى "الساحات السياسية"، وشبكة "الحسبة"، وشبكة "الإخلاص"، و"القلعة"، وشبكة "أنا المسلم"، واختصت جميعها بنشر تفاصيل عمليات التنظيم، وعرض آرائه وأحكامه الدينية، ودعواته إلى الجهاد، ومساعيه نحو تكوين وتقديم الذات الإسلامية.

وحسب ما يفيد تقرير الإفتاء الذي نشر عبر موقع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، فإنّ كل ولاية من ولايات التنظيم لها موقع إلكتروني خاص بها، تنشر من خلاله أخبارها والتعليمات التي تأتيها من قيادة التنظيم، ويبلغ عدد هذه المواقع (12) موقعاً. وأهم هذه المواقع "موقع النداء" الذي أصبح الموقع الرسمي للتنظيم بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001.

وبين التقرير أنّ للجماعات الإرهابية باعاً طويلاً في صناعة المواقع الإلكترونية، واختراق الأنظمة الإلكترونية، وتطلق على عمليات هجومها الإلكتروني اسم "الغزوات الإلكترونية"، وهي عبارة عن عمليات اختراق للمؤسسات الأمنية والسياسية والإدارية، وحالات "الجهاد الفيسبوكي" التي تعمل على انتشار أفكارهم بسرعة كبيرة. ورغبتها ومساعيها نحو استخدام الذكاء الاصطناعي يدل على معرفتها بأهميته، واهتمامها بتطوير أدواتها واتساع نطاق سيطرتها.

وقدّم تقرير الإفتاء تحليلاً لخطاب الجماعات الإرهابية حول الذكاء الاصطناعي، وحسب الإحصائيات جاء الخطاب في التّخفي الإلكتروني وحماية البيانات في الصدارة بنسبة 30% ويليه خطاب استخدام الذكاء الاصطناعي في استقطاب الأتباع وتجنيد مجاهدين بنسبة 27%.  

وتأتي بعد ذلك ألعاب الميتافيرس والتدريب على العمليات الإرهابية بنسبة 18%، والغزوات الإلكترونية بنسبة 15%، ثم يأتي في آخر القائمة الذكاء الاصطناعي لتسهيل العمليات الإرهابية بنسبة 10%.    

ووجود الذكاء الاصطناعي في خطاب الجماعات الإرهابية بهذا الترتيب يوحي بمعرفتهم بالذكاء الاصطناعي وإمكانياته، والاهتمام بتنظيم عملية استخدامه، فهذه الجماعات بوصفها جماعات غير مشروعة ومطلوبة على المستوى المحلي والدولي، يصبح أول اهتماماتها "التّخفي"، وتشفير المعلومات والبيانات، وتعرف ثورة الذكاء الاصطناعي وتسعى لاستخدامه في هذه المهام.

وبحسب مركز (الحل)، فإنّ الجماعات لن تتنازل عن دور الذكاء الاصطناعي في تجنيد المجاهدين واستقطاب الأفراد، وهذا ما يجعلها تهتم به ويأتي بعد التأمين والتّخفي.

ومن المخاوف المطروحة أيضاً محاولتها لإقامة "الخلافة الإلكترونية"، التي ستمكّن كافة أفراد العالم من الانضمام إليها وهم في منازلهم، وهي أقلّ تكلفة وأوسع انتشاراً وأكثر أمناً من الخلافة المكانية.

وفي تصريح للكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الإرهاب هشام النجار، قال: موضوع الخلافة الإلكترونية قديم، وليس جديداً بالنسبة إلى تنظيم (داعش)، وقد ظهر هذا البديل الافتراضي إثر انتهاء الخلافة المكانية، وتم الترويج له كثيراً سواء عن طريق الترويج من قبل تنظيم (داعش) الإرهابي، أو عن طريق التقارير الأمنية الأوروبية، وهناك محاولة لإقامة خلافة إلكترونية بديلة للخلافة المنهارة على الأرض، وتتواصل من خلالها وتعمل على لمّ بقايا التنظيم.

والواقع أنّ الاستراتيجية الدعائية للجماعات المتطرفة تنبني على الفيديو والصورة في المقام الأول، وفق ما أورد (مركز تريندز للبحوث والاستشارات).

وإذا كانت محاولة تنظيم (داعش) لإقامة "الخلافة الإلكترونية" قديمة حسب ما يذكر النجار، فإنّ طرحها من قِبل تنظيم (القاعدة) وباقي التنظيمات الإرهابية جديد، خاصة أنّه يتم طرحه ضمن خطاب استخدام الذكاء الاصطناعي، الذي يعطيهم بادرة أمل للتواجد بشكل أقوى وأكثر أماناً حسب التحليلات التي قدمت لخطابهم.

وأضاف النجار أنّه إذا تم توفير كوادر قادرة على توظيف الذكاء الاصطناعي باحترافية وتطويره، فهنا تكمن الخطورة، فإذا تم في هذه المرحلة استخدام هذا المجال باحترافية، فهم سيلعبون بشكل كبير؛ من خلال خلق أحداث غير موجودة، وسهولة العمليات الإرهابية من خلال هذه التكنولوجيا، وسهولة التواصل وسرّيته... وغيرها من التطورات المهولة في هذا المجال. ويُعدّ الفضاء الإلكتروني متنفساً للتيارات الإرهابية، ويوفر لهم الإيواء والقدرة، لأنّهم شبه عاجزين على الأرض بسبب المطاردات والملاحقات الأمنية والتضييق الأمني، خاصة في أوروبا في الفترات الأخيرة، فكلما ضاقت بهم الأرض، سعوا إلى الفضاء الإلكتروني. 

ويذكر أنّه بعد (4) أيام من هجوم تنظيم (داعش) على حفل موسيقي في روسيا في آذار (مارس) الماضي، جرى تداول مقطع فيديو مدته (92) ثانية على منصة خاصة تابعة لتنظيم داعش الإرهابي، يظهر مذيع أخبار يرتدي خوذة وزياً عسكرياً، ويقول: إنّ الهجوم كان جزءاً من "السياق الطبيعي للحرب المشتعلة بين التنظيم والدول التي تحارب الإسلام، بحسب ما أورده تقرير نشر في (واشنطن بوست).

ويكشف التقرير أنّ المذيع كان "مزيفاً"، فقد تم إنشاؤه بوساطة الذكاء الاصطناعي، عبر برنامج يُسمّى "نيوز هارفست".قدّم البرنامج رسائل فيديو شبه أسبوعية حول عمليات تنظيم (داعش) في جميع أنحاء العالم. وقالت ريتا كاتز المؤسسة المشاركة: إنّ البرنامج الذي تم تصميمه ليشبه بثاً إخبارياً، وهو برنامج -لم يتم الإبلاغ عنه من قبل- يمثل ظهور الذكاء الاصطناعي كأداة دعاية قوية، وإعادة بناء العمليات الإعلامية للجماعة.

السبت، 8 يونيو 2024

الجندية عند الإخوان المسلمين: مصائر الطاعة العمياء

 

الإخوان المسلمين


الجندية عند الإخوان المسلمين: مصائر الطاعة العمياء

من يقرأ كتاب "رسالة التعاليم" لحسن البنا، يشعر كأنّ الرجل يخاطب جنوداً، ويؤهلهم لأدوار عسكرية، بشكل يناقض تماماً الصورة التي ترسمها جماعة الإخوان عن نفسها كجماعة دينية دعوية؛ إذ إنّ الدعوة الدينية لا تتطلب الإعداد البدني والتدريب الشبيه بالعسكري.

قبل تتبع فكرة الجندية أو تدريب أعضاء الإخوان كجنود، سواء فيما يتعلق بمبادئ الجندية من السمع والطاعة والولاء والتراتبية الهرمية، أو الإعداد البدني المؤهل لاستخدام السلاح وقت الحاجة، تجدر العودة إلى مرحلة ظهور هذه الفكرة عند حسن البنا.

في مقدمة كتاب رسالة التعاليم كتب البنا "هذه رسالتي إلى الإخوان  المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا في سبيلها، إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات، وهي ليست دروساً تُحفظ، ولكنها تعليمات تُنفذ، فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون."

ثم كتب موضحاً "أما غير هؤلاء فلهم دروس ومحاضرات، وكتب ومقالات، ومظاهر وإداريات، ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات، وكلا وعد الله الحسنى".

يقول الباحث في  الفكر الإسلامي، هاني عمارة، إنّ رسالة التعاليم كانت موجهة للنظام الخاص فقط، وهم من قصدهم البنا بقوله "الإخوان المجاهدون من الإخوان المسلمين"، لأنّه قسم الإخوان إلى؛ الخصوص، وهم من وجه لهم رسالة التعاليم وطبق عليهم مفهوم الجندية، والعموم ممن خصص لهم الدروس والمحاضرات والأمور التنظيمية العامة وغير ذلك.


وأضاف بأنّه بعد مقتل البنا حَوّل الإخوان رسالة التعاليم من الخاصة إلى العموم، وأصبح كل منتسب للجماعة يتعامل معها على أنّها الكتاب المقدس للإخوان.

يستشهد عمارة من واقع تجاربه الشخصية مع عدد من قدامي أعضاء جماعة الإخوان بأنّ هؤلاء أُطلق عليهم مسمى "الإخوان الكبار" وهم من عاصروا حسن البنا، والتحقوا بالإخوان لكن لم يُكملوا في التنظيم، ومع ذلك ظل لهم وضعهم بين الجماعة. وتابع بأنّ هؤلاء كانوا يتحدثون عن الإخوان كأنها جماعة خيرية، ويفخرون بدورهم الخيري وقت انتسابهم للجماعة، لكنهم لم يكونوا على علم بكتاب رسالة التعاليم، ولم يقرأوا لسيد قطب أو تنظيرات الإخوان.

حين قُتل البنا عام 1949 كان عمر جماعة الإخوان 21 عاماً، وهو وقت كاف لإعداد كوادر شبابية، تولت لاحقاً قيادة الجماعة، وكان لها دور في تعميم طابع التنظيم الخاص على عموم الجماعة، خصوصاً بعد مقتل البنا وإعدام سيد قطب.

جعل البنا من الجندية إحدى صفات المسلم، كتب "الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً، فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء".

 يعلق الباحث هاني عمارة بأنّ مفهوم الجندية من أخطر الأفكار عند الاخوان؛ لأنّهم يربون الأفراد على الاستعداد للقتال والتضحية والطاعة. ولفت إلى أنّ البنا جعل فكرة الجندية ركناً أساسياً في تكوين المسلم، بالمخالفة للسائد في الفقه الإسلامي، الذي ينظر لمسألة الجيوش كما تفعل الدولة الحديثة اليوم.

كتب البنا موجهاً حديثه للتنظيم الخاص "أركان بيعتنا عشرة فأحفظوها؛ الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوّة والثقة".

ويظهر أنّ البنا كتب "رسالة التعاليم" بعد تلقي البيعة الأولى من المجموعة الخاصة التي وصفها بالمجاهدين، ولهذا كتب "وأنت بانضمامك إلى هذه الكتيبة، وتقبلك لهذه الرسالة، وتعهدك بالبيعة، تكون في الدور الثاني، وبالقرب من الدور الثالث".


في مواطن عدة من "رسالة التعاليم" جاءت لفظة الجندية والكتيبة، وتوجيهات عديدة تتعلق بالطاعة وتنفيذ الأوامر، ومن ذلك "أريد بالثقة اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئناناً عميقاً ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة". وفي موضع آخر "على قدر الثقة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها ونجاحها في الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات".

أما تحت عنوان "واجبات الأخ العامل" فذكر البنا "أن تعرف أعضاء كتيبتك فرداً فرداً معرفةً تامة، وتُعرّفهم نفسك معرفة تامة كذلك"، وكتب أيضاً "أنّ تعتبر نفسك دائماً جندياً في الثكنة تنتظر الأوامر".

وبعد تفصيل أركان البيعة، كتب البنا "هذا مجمل لدعوتك، وبيان موجز لفكرتك، وتستطيع أن تجمع هذه المبادئ في خمس كلمات: الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن شرعتنا، والجهاد سبيلنا، والشهادة أمنيتنا." وأن تجمع مظاهرها في خمس كلمات أخرى "البساطة والتلاوة والصلاة والجندية والخلق".

جدير بالذكر أنّ هذا الشعار انتقل من التنظيم الخاص إلى شعار عام لكل فرد من جماعة الإخوان المسلمين، وذلك مع سقوط الحد الفاصل بين التنظيم الخاص والجماعة. ولهذا فكما أثبت الواقع أنّ النزوع نحو العنف بنية أساسية في تكوين جماعة الإخوان المسلمين.

في مذكرات حسن البنا بعنوان "مذكرات الدعوة والداعية"، كتب بعد انضمام عدد من طلاب جامعات للإخوان "نهنئ هيئة الإخوان بانضمام هذه الكوكبة المؤيدة إلى كتيبة رجالها العاملين". وكدلالة على هيمنة فكرة التكوين العسكري على فكر البنا، كان من بين مقررات المؤتمر الثالث للجماعة، تحت عنوان "منهاج الإخوان المسلمين" ما يلي: "كل أخ لا يلتزم بهذه المبادئ لنائب الدائرة أن يتخذ معه العقوبة التي تتناسب مع مخالفته، وتعيده إلى التزام حدود المنهاج، وعلى حضرات النواب أن يهتموا بذلك فإنّ الغاية هي تربية الإخوان قبل كل شيء". أما قبول ذلك التأديب فكتب البنا عنه بأنّ من واجبات الأخ العامل "قبول مناصفات الإخوان التأديبية".

أما في نهاية المؤتمر العام الثالث، فجاء في الكتاب "وكان مسك الختام أن بايع حضرات الإخوان فضيلة المرشد العام على الثقة التامة والسمع والطاعة في المنشط والمكره"، وهي نفس البيعة التي تتبعها الجماعات المصنفة إرهابياً مثل داعش والقاعدة.

وجاء في الكتاب تفاصيل عديدة حول التدريب البدني، منها تحت عنوان "مظاهر النشاط الأسبوعي"، ما يلي؛ ليلة الكتيبة، يوم المعسكر. ويشمل يوم المعسكر التالي: "الجندية، التدريب، الاستعداد للجهاد المقدس، ذلك هو ما يعني به الإخوان المسلمون كل العناية، فيه يتكون الجيش الإسلامي وبه يستطيع أن يحق الأمل ويرفع اللواء عالياً. نرجو أن يكون لهذه الناحية أكبر قسط من اهتمام الإخوان فيعطون لأنفسهم كل أسبوع عرضاً عسكرياً يتدربون فيه".

تُذكر تلك الفقرة بالعرض العسكري لطلاب الإخوان المسلمين في جامعة الأزهر في مصر عام 2006، ما يدل على تطبيق الجماعة لتلك التعاليم بشكل منتظم، حتى تصنيفها جماعة إرهابية في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013.

أما في قسم الرحلات الصيفية، فجاء "الغرض من هذه الرحلات التدريب العسكري والتعارف ونشر الدعوة في ضواحي القاهرة. ويشترط أن يكون لدى الأخ لباس الجوالة أو التدريب العسكري." تلك المعسكرات أطلق البنا على رئيسها مصطلح "حكمدار" وهو رتبة في إدارة الشرطة في مصر إبان العهد الملكي.


يقول الباحث في الفكر الديني، هاني عمارة، بأنّ فرق الكشافة كانت الستار لتدريبات الإخوان، وكذلك فعلت الجماعة الإسلامية في السبعينيات، حتى تدخلت الحكومة لضبط ذلك. وذكر عمارة بأنّ أهم من نّظر لمفهوم الجندية بعد حسن البنا، هو محمد السيد الوكيل (ت 2002) وله كتاب بعنوان "القيادة والجندية في الإسلام".

لئن كان حسن البنا أسس التنظيم الخاص الذي ارتكب أعمال عنف واغتيالات بحق قيادات في الدولة المصرية في العهد الملكي ودبر محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فإنّ الجماعة من بعده طبقت مبادئ الجندية بشكل عام على جميع المنتسبين للجماعة. لهذا يوجد خيط رفيع بين المنتسب وتحوله إلى العنف حين تصدر له الأوامر، كما حدث في مصر بعد ثورة يونيو 2013.

تلك المفاهيم وغيرها تثبت ادعاءات الإخوان المسلمين بأنّهم جماعة إصلاحية تهدف لخير المجتمع أو تؤمن بقيم الديمقراطية والحرية وتداول السلطة، فمثل تلك الطاعة العمياء لا تحمل أياً من قيم الحرية أو الديمقراطية أو السلم.