عندما وصلت إلى العاصمة الفنلندية هلسنكي كان الطقس باردا والجليد يكسو الأرصفة، وكنت متدثرة بملابس ثقيلة اتقاء للبرد وأرتدي قفازات وقبعة وشالا. ثم توجهت إلى محطة القطارات ودخلت إلى متاجر وأكشاك عديدة بحثا عن بطاقة للهاتف.
ثم أدركت في الطريق أنني نسيت القبعة في مكان ما وعدت أدراجي لأبحث عنها في المتاجر، وأخيرا لمحتها فوق شجرة عيد الميلاد الصغيرة فوق طاولة بأحد الأكشاك.
ومنذ تلك اللحظة، كان الانطباع الذي استقر في ذهني عن الفنلنديين أنهم أمناء، واكتشفت بعدها أن المجتمع الفنلندي يقدر الأمانة إلى أبعد حد، ويعدها أساسا للتعامل مع الآخرين. إذ يفترض الفنلنديون أن جميع الناس أمناء دائما ويثقون في الآخرين ثقة مطلقة لا تقبل الشك ما لم يثبت العكس.
يقول جوهان كانانين، المحاضر بكلية العلوم السويدية بجامعة هلسنكي:"الأمانة هي إحدى السمات التي تميز الثقافة الفنلندية، إذا قورنت على الأقل بالثقافات الأخرى. وهناك مثل إنجليزي يقول إن الصدق سلعة نفيسة ينبغي أن نقتصد في استخدامها. لكن في فنلندا، يلتزم الناس الصدق في جميع أقوالهم".
ويبدو أن المفقودات تعرف دائما طريقها لأصحابها في فنلندا. وتقول ناتالي غوديت، التي تعمل في جامعة آلتو، إن "الأطفال يفقدون عادة قفازاتهم، واعتاد الفنلنديون على تعليق القفازات التي يعثرون عليها على أي شجرة قريبة حتى يجدها من فقدها إذا عاد من نفس الطريق". والجميع يعلم أن هذه المفقودات لن يأخذها إلا صاحبها في هذا البلد الذي لا يشكك فيه أحد في أمانة الآخرين.
0 Comments: