يبدو أنّ الاضطرابات السياسية الناجمة عن الانقلابات المتكررة في غرب أفريقيا تمثل بيئة مواتية أمام جماعة الإخوان المسلمين لتعزيز نفوذها السياسي وتوسيع دوائر اقتصادها داخل الدول التي تشهد في الوقت الراهن قدراً من السيولة الأمنية والهشاشة السياسية.
وتحدثت مصادر مطلعة، قريبة من التنظيم عن نشاط مكثف لجماعة الإخوان داخل دول غرب أفريقيا، منها نيجيريا التي ينشط فيها التنظيم بشكل مكثف على مدار الأعوام الماضية، والنيجر التي شهدت انقلاباً عسكرياً قبل أسابيع، وكذلك مالي والسنغال وموريتانيا وغيرها.
وبحسب المصادر، تعتبر الجماعة دول الغرب الأفريقي ملاذاً آمناً للاستثمارات، ومؤخراً بدت ملاذاً آمناً لتعزيز النشاط الإخواني، خاصة في ضوء التوترات السياسية المتواصلة داخل تلك الدول، والتي تمثل بئية خصبة لنشاط التنظيم بعيداً عن المراقبة والضغوط الأمنية التي بدأت في مصر وبعض الدول العربية منذ أعوام، ووصلت مؤخراً إلى عدد من الدول الأوروبية.
توظيف الديموغرافيا
ويقول الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب عمرو فاروق الإخوان لديهم تواجد كبير في منطقة الغرب الأفريقي، ويحاولون توظيف ديموغرافيا تلك الدول، أو ما يتعلق بالتركيبة السكانية التي يغلب عليها الديانة المسيحية، وتوظيف الأمر للدعاية لأفكار التنظيم ومحاولة خلق مساحات خاصة بالجماعة تحت شعارات الإسلام، وهي العلة التي يعمل وفقاً لها الإخوان في غالبية الدول الأفريقية.
أسس الإخوان شعبة في نيجيريا في وقت مبكر جداً من عمر الجماعة، وتولت لجنة الشؤون الخارجية داخل التنظيم بعد ذلك تدشين أفرع للتنظيم في غالبية دول أفريقيا، وقد استغلت الجماعة الطلاب المبتعثين من دول أفريقيا للدراسة في الأزهر الشريف، وقامت بتجنيدهم وكلفتهم بتدشين أفرع التنظيم في دولهم.
وبحسب فاروق، ما تزال الجماعة تحاول استغلال عناصرها داخل جامعة الأزهر لتجنيد أكبر عدد من الطلاب الأفارقة الذين يعودون إلى بلادهم محملين بأفكار التنظيم ويعملون على نشرها، ممّا يوفر أرضية وانتشاراً واسعاً لجماعة الإخوان، تستغله في بناء حواضن شعبية لها داخل تلك الدول.
خارطة تواجد الإخوان غرب أفريقيا
يقول فاروق: إنّ الجماعة شرعت في تدشين فروعها غربي أفريقيا في وقت مبكر منذ عام 1944، بتوجيه من حسن البنا، وتشهد نيجيريا تواجداً إخوانياً واسعاً، وتُعدّ جماعة (تعاون مسلمي نيجيريا) أهم المراكز التابعة للإخوان، وتضم نحو (40) مؤسسة في مختلف الولايات، فضلاً عن المجلس الأعلى لتطبيق الشريعة الإسلامية، والمجلس الوطني للجمعيات الشبابية، وفي السنغال تأسست جماعة (عباد الرحمن) على نهج الإخوان عام 1978.
وفي موريتانيا تمثل (الجماعة الإسلامية) التيار الأبرز، ويُعدّ حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الذراع السياسية للإخوان داخل البلاد، أيضاً تمثل حركة الإصلاح الصومالية ذراع الإخوان السياسية في البلاد، كذلك يتواجد الإخوان كتيارات فكرية في غالبية الدول الأفريقية.
وحرّكت أزمة النيجر الأخيرة العديد من التساؤلات عن دور جماعة الإخوان في ضوء الانقلابات الأخيرة في هذه البقعة المشتعلة من القارة السمراء، خاصة في ضوء تقارير تحدثت عن محاولة تسلل الجماعة عبر الأزمات لفرض واقع سياسي بدول الأزمة، فضلاً عن محاولات توسيع النفوذ الاقتصادي وحماية استثمارات التنظيم.
وبحسب الباحث منتصر حمادة تشهد النيجر أيضاً حضوراً واسعاً للإخوان، ففي مطلع 2021، أعلنت منظمة (الدعوة الإسلامية)، ومقرها السودان، وتعتبر من أبرز أكبر أذرع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، أنّها ستنقل نشاطها ومقرها إلى النيجر، وفق ما جاء في بيان مؤرخ في 4 شباط (فبراير) 2021، وصدر عن الأمين العام للمنظمة عطا المنان بخيت، تنفيذاً لقرار لجنة "إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال بالسودان" التابعة لمجلس السيادة السوداني بحلها ومصادرة أموالها وممتلكاتها ومنقولاتها
توظيف الصراعات
بحسب فاروق، يحاول الإخوان دائماً توظيف الأزمة الاجتماعية والسياسية في الدول التي ينشطون فيها لصالح مشروعهم السياسي، لاختراق مساحات أكبر للنفوذ والسيطرة والانتشار، كذلك الوضع في منطقة غرب أفريقيا التي تسلل فيها التنظيم من خلال حالة الاحتقان الطائفي بين مواطنيها منذ أعوام، ويحاولون في الوقت الراهن توظيف أزمة الصراع السياسي أيضاً لصالح مشروع توسعي.
ويشير فاروق إلى أنّ عناصر التنظيم في تلك الدول يقدمون أنفسهم باعتبارهم الممثل الشرعي للدين والشريعة الإسلامية، ويحاولون تغذية الصراع الطائفي لصالح مشروع التنظيم، وهو أمر بالغ الخطورة، لأنّ الجماعة نجحت في توفير حاضنة دينية قوية لنشاطها.
ويقول فاروق: إنّ الإخوان، في نيجريا تحديداً، باعتبار أنّها تضم الثقل الأكبر للجماعة في دول غرب أفريقيا، لديهم اتصالات وتنسيقات مباشرة مع عناصر التنظيم في دول شرق أفريقيا، ممّا يساعدهم بشكل كبير على تبادل الخبرات وتنفيذ مشروعات كبيرة تخدم مصالح التنظيم الدولي.
مساحات خطرة
ينتقد فاروق اهتمام غالبية الدراسات والباحثين بمخاطر انتشار الإخوان في دول الشرق الأوسط، في حين المناطق الأكثر خطراً وكثافة من حيث التواجد الإخواني في الوقت الراهن تتمثل في دول آسيا وغرب أفريقيا، ويتواجد الإخوان في تلك الدول بشكل رسمي، ويمارسون أنشطتهم دون أدنى رقابة أو محاسبة؛ الأمر الذي جعلها ملاذات آمنة لعناصر التنظيم.
ويحاول الإخوان، بحسب فاروق، استغلال الظروف الاجتماعية، وارتفاع مستوى الفقر، وانهيار الوضع الأمني والسياسي، للانتشار سريعاً وتجنيد أكبر عدد من المواطنين بالمتاجرة بظروفهم الاجتماعية، والتسلل عبر الأوضاع الصعبة للسيطرة على الناس وتدشين مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة الرسمية تعبّر عن فكر التنظيم وتخدم مصالحه.
الجماعة توظف أيضاً مؤسسات الدولة لخدمة مصالحها، وتحصل على جزء من التمويلات الخارجية لخدمة مصالح التنظيم، ممّا يجعل الدولة ذراعاً للتنظيم الدولي للجماعة، وخادمة لأهدافه.
الأخطر من محاولة الاستغلال السياسي للأزمات في أفريقيا من جانب التنظيم، وفق فاروق، هو التناسق بين فكر التنظيم والميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية المنتشرة في دول أفريقيا الغربية، وأبرزها (داعش والقاعدة)، فلا يستبعد التنسيق المباشر بين الإخوان وتلك التنظيمات مقابل مصالح مشتركة.
0 Comments: