أزمة الإخوان التحديات والتداعيات
لا يمكن حجب أو إخفاء أزمة جماعة الإخوان المسلمين، خلف التصريحات النافية لها، أو المقللة من أمرها، فلم تتوقف الخلافات عند هوية الجهة القيادية المفوضة، بل إنّها أصبحت تمس صميم الفكر الإخواني التقليدي والأعراف الراسخة التي قامت عليها الجماعة، من حيث الولاء للحزب والتعهد بالعمل على تحقيق أهدافه بالإضافة إلى ركن السمع والطاعة الذي يعتبر من أهم مبادئ الإخوان.
خلال الأعوام الماضية واجهت جماعة الإخوان المسلمين عدة أزمات، بين الانقسام والتشرذم، والانحسار في دول معينة ودوائر ضيقة، هذا إلى جانب الضغوط الكبيرة المفروضة عليها من قبل الكثير من الحكومات العربية والغربية، التي جعلت منها بعيدة كل البعد عن الحياة السياسية، وتنتهج مبدأ التحريض، ونشر الشائعات والأخبار الكاذبة حول الأنظمة العربية، وبالطبع مصر من أكثر الدول التي تواجه تلك الحروب الإعلامية، لما تحمله الجماعة من ضغينة على النظام الذي أقصاهم من سدة الحكم في إحدى أكبر الدول العربية وأهمها.
ونتطرق في هذا التقرير إلى التحديات الداخلية المتزايدة التي تواجهها جماعة الإخوان، والتحولات التي طرأت على إيديولوجية الجماعة وهيكلها التنظيمي.وفق دراسة لمعهد واشنطن نُشرت عبر موقعه الإلكتروني، فإنّ الإخفاقات التنظيمية الداخلية كانت بارزة في جميع الأزمات التي مرت بها الجماعة. ومع سعيها لتقلد مكانة حركة دولية، ازداد الوضع سوءاً، حيث واجهت الجماعة صعوبات في التعامل مع الحكومات الوطنية.
الدول العربية
وأضاف المعهد أنّ الدول العربية، وأهمّها مصر، تتبنّى سياسة ممتدة لمكافحة التنظيم عبر تمديد تصنيفه كياناً إرهابياً، وهي سياسة تقوم على أنّ وجود الحركة يمثل تهديداً للدولة ومصدراً للتطرف، وتزييفاً للوعي الاجتماعي على مدى (90) عاماً.
وأضافت الدراسة أنّ الجماعة تعثرت أيضاً بسبب الانشقاقات الداخلية، فبعد عام 2013، انزلقت الجماعة في أزمة تنظيمية نتيجة الإطاحة بها من السلطة، وهو ما ترتب عليه حدوث انقسامات داخلية بلغت ذروتها في عام 2021، فقد انقسمت الجماعة إلى تيارين أساسيين ومجموعات صغيرة أخرى. ومع انتقال قيادة الجماعة إلى الخارج، انكشف عدم لياقة نظامها الداخلي للوضع الجديد، وبدأت تعاني من مأزقين؛ يتمثل الأول في ارتباط النزاع بين الفِرق المختلفة حول صلاحيات المجالس في إسناد القيادة، والثاني حيث تواجه الجماعة تنسيقاً أمنياً إقليمياً يحول دون تكاملها التنظيمي، وفي ظل هذه الأوضاع استمر الخلاف حول ملء الفراغ التمثيلي للجماعة يشكّل مشكلة دائمة.
وتابع المركز أنّ مكانة القيم داخل جماعة الإخوان تراجعت، فعلى الرغم من رسوخ مبدأ السمع والطاعة داخل الجماعة، وتصوير مخالفته نوعاً من العصيان والفساد الأخلاقي، لم يطرأ أيّ تحسن على الاستقرار الداخلي داخل جماعة الإخوان المسلمين.
إيديولوجية الجماعة
وأوضح المركز أنّه بما يتعلق بإيديولوجية الجماعة، وبشكل عام، استخدمت الجماعة حجج مفكريها المركزيين مثل حسن البنا وسيد قطب، حيث ركنت الجماعة، منذ نشأتها، إلى إرشادات حسن البنا في نسختها الأولية عن السلطة والحكم والدولة، وذلك رغم عدم كفايتها للتعامل مع التغيرات المتواترة في النظام العالمي والدولة القومية، ومن خلال استخدام خطاب قطب صارت جماعة الإخوان أكثر اقتناعاَ بأنّ العالم الخارجي هو المخطئ، حيث اعتبر قطب أنّ مشكلة الإسلام تكمن في جهل المجتمع والعداء العالمي، فيما يسلّم منطقياً بصلاح فئة العصبة المؤمنة لحمل عبء الدعوة.
وأوضحت الدراسة أنّ أيّ محاولة لإعادة تقييم مهمة الجماعة وأهدافها لن يتوفر لديها أيّ خيار سوى البدء من الصفر. وتشير البيانات المختلفة إلى أنّ الإطار التنظيمي للجماعة لا يتضمن نظرية إطار فكري واضح يسهم في تقديم حلول، لكنّه يعمل على تجنب النقاش حول المسؤولية والعلاقات السببية في تقييم المآل السياسي والتنظيمي. وقد أسهمت هذه القناعات في تعطيل المسارات الإصلاحية، كما منعت الاجتهاد والتكيف مع الظروف، وتفسير الفشل في عدم تحقيق مشروع الدولة الإسلامية، وعدم مبارحة مرحلة الفرد في المجتمع.
وتابعت الدراسة أنّ الأزمة الداخلية في جماعة الإخوان تمثل تبديداً لرأس المال الاجتماعي، حيث تعاني الجماعة باستمرار من تآكل النخبة القيادية وتسرب الأعضاء. وتكشف تجربة المنفى هذا الميل للانقسام، حيث كان من المفترض أن تساعد حرية العمل من الخارج على تجميع وتوحيد قدراتها، ولكن على العكس من ذلك، دخلت في انقسامات متتالية. وفي حين يكافح التنظيم للسيطرة على فروعه المتعددة، إلّا أنّ قدراته الإيديولوجية المحدودة جعلت البحث عن مسارات للخروج من الأزمة شبه مستحيلة.
افتقار جماعة الإخوان إلى النفوذ الاقتصادي
ومن التحديات أيضاً، وفقاً للمعهد، افتقار جماعة الإخوان إلى النفوذ الاقتصادي، فخلال الأعوام الماضية لم يظهر لها تأثير في السياسات النقدية أو المالية، ولم تتمكن من تكوين شبكات للتأثير على الاستثمار العربي أو الأجنبي المباشر.
ومع تداخل الأزمات الإيديولوجية والاجتماعية والتنظيمية والاقتصادية لجماعة الإخوان، تتحول الحركة إلى جيوب معزولة ذات جماهير محدودة، وهي حالة لا تسمح لها بتوفير الجاذبية والثقل السياسي.
وفي الإطار ذاته، عن متخصص في الجماعات الإسلامية ومراقبين، أنّ محاولات التنظيم المستميتة للحفاظ على البنية التاريخية وتقوية شوكته في مواجهة الأزمة، باءت بالفشل، ولم تنجح في الحفاظ عليها أو منحها قوة في مواجهة الأزمة والتصدي للتحديات الداخلية والخارجية، المفروضة عليها في كل أنحاء العالم.
هذا، ويواجه تنظيم الإخوان المسلمين داخل أوروبا إجراءات غير مسبوقة، تستهدف الحدّ من نشاطه، وتتبع مصادر تمويله وتقليصها، وكشف خفاياه، وإعادة تطوير المنظومة التشريعية لتتناسب مع آليات المواجهة.
أنشطته المتطرفة والإرهابية
ويواجه التنظيم أيضاً العديد من التحقيقات والتدقيق داخل أروقة البرلمانات حول أنشطته المتطرفة والإرهابية، لدفع الحكومات إلى اتخاذ قرار بحظر جماعات الإسلام السياسي وتنظيم الإخوان المسلمين والمنظمات الخيرية التابعة له في البلاد، وهذه أيضاً تُعتبر من أكبر التحديات، حيث كانت الجماعة تعتبر أوروبا الحديقة الخلفية لها، والملاذ والمهرب، معتمدة على المؤسسات النافذة التي أقامتها في الكثير من الدول، والتي توفر لها الحصانة.
ووفق ما أورده المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فقد أثبتت تقارير اللجان المتخصصة والمعلومات الأمنية المخاطر التي تهدد البلاد الأوروبية من جراء هذا التنظيم الذي ينتهج أجندة سرية تخدم الإرهاب والتطرف.
فرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى
وأضاف المركز، في دراسة نشرها عبر موقعه الإلكتروني، أنّ هذه التحقيقات تظل في الكثير من الأحيان، خاصة في بريطانيا، حبيسة الأدراج، بحكم علاقات الحكومة البريطانية الممتدة إلى الأيام الأولى لتكوين جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لكنّها تدفع حكومات أخرى باتخاذ إجراءات لمواجهة الجماعة، كما فعلت فرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى.
وقد شددت تلك الدول في سياستها بشكل أكبر على تجفيف منابع تمويل الإخوان، رغم أنّ العلاقة بين الجماعة والمنظمات التي تعمل تحت واجهات اقتصادية، وربما إنسانية، صعّب من مهام الأجهزة الاستخباراتية في أوروبا.
وفي النهاية، تبقى جماعة الإخوان، المصنفة في الكثير من الدول العربية والغربية تنظيماً إرهابياً، تحاول تجميع أشلائها، لكنّها منذ أعوام فشلت في مهامها، ويوماً بعد يوم تتفاقم أزماتها، في إشارة إلى موتها السريري، واقتراب نهايتها، بعدما استنفدت الفرص من الدول الراعية لها، والتي ظهر تبدل مواقفها في تعاملها مع إعلاميّي الإخوان ومؤسساتهم.
0 Comments: