وسط تخبط التنظيم وانهيار بنيته هل فقد شباب الإخوان بوصلتهم؟
يعيش شباب جماعة الإخوان حالة من التخبط لا تنفصل عن واقع التنظيم المشتت على إثر أزماته المحتدمة منذ أعوام، لعل أبرزها الصراع المحتدم بين جبهتيه في لندن بقيادة صلاح عبد الحق، وإسطنبول بقيادة محمود حسين، ويبدو أنّ التنظيم الذي فقد قدرته المركزية على قيادة الشباب، لم يعد قادراً على التمسك ببنيته التنظيمية لوقت أطول وبدا منهاراً، خاصة في ضوء الانشقاقات المستمرة عن الجماعة بين صفوف الشباب، الذين ربما صدموا من سلوك قاداتهم وأفكار جماعتهم في الآونة الأخيرة.
العديد من التقارير تحدثت مؤخراً عن حالة الانفصام التي يعيشها شباب التنظيم بين محاولة التمسك بالجماعة فكرياً وتنظيمياً، والسعي نحو فك الارتباط مع قادة التنظيم المتهمين بالفساد المالي والإداري، وأيضاً بالتخلي عن الشباب في الداخل والخارج، وعدم الالتزام بتعهداتهم الخاصة بتوفير مصادر رزق للشباب الفارين من مصر عقب عام 2013، ممّا دفع بعضهم للانتحار هرباً من ضيق الحال وانصراف القيادات عن مساعدتهم.
الشباب ورقة رابحة في صراع الجبهات
على الرغم من أنّ حدة الخلافات التنظيمية بين جبهتي لندن وإسطنبول فترت مؤخراً، وقررت كلّ منهما أن تمضي في طريقها، وأن تتصرف باعتبارها جماعة مستقلة، إلا أنّ التنافس بينهما للاستحواذ على مقدرات وموارد الإخوان بقي قائماً؛ لأنّ كل جبهة تسعى لتسويق نفسها لأتباعها وللدوائر الأخرى على أنّها الممثل الشرعي للجماعة. وانطلاقاً من مبدأ التنافس بين الطرفين، تحاول جبهتا الإخوان المتصارعتان أن تجتذبا شباب الجماعة والكوادر الذين خرجوا منها لأسباب تنظيمية منذ أزمة عام 2015 وما بعدها، بحسب ما أوردته دراسة حديثة صادرة عن (المركز العربي لدراسات التطرف).
واستطاعت جبهة لندن، وفق الدراسة، أن تخطو خطوات حثيثة في هذا الصدد لأسباب عدة؛ منها أنّها طرحت نفسها منذ بداية الخلاف على أنّها تطمح لتطوير عمل جماعة الإخوان، وتدارك الأخطاء والخطايا التنظيمية والقيادية التي أوصلتها إلى حالة عدم الفاعلية، وطرحت فكرة مراجعة الاستراتيجيات مرة أخرى، وهي الفكرة التي تبنّاها من قبل أتباع جبهة المكتب العام التي تحولت للعمل باسم "تيار التغيير"، لكنّ مشروع التيار الأخير توقف بعد أن أجرى دراستين شاملتين ضمن خطة المراجعات نتيجة اعتبارات عديدة، أهمها تقويض بنيته التنظيمية بفعل حملة الملاحقة الأمنية في مصر، وحملة الملاحقة التنظيمية التي قادها محمود حسين وحلفاؤه، والتي أسفرت عن فصل العديد من قادة التيار/ جبهة المكتب العام من الإخوان، قبل أعوام.
صلاح عبد الحق ومهمة لم الشمل
بدأ صلاح عبد الحق، القائم الحالي بأعمال مرشد الإخوان، جبهة لندن، بالتواصل مع جبهة المكتب العام/ تيار التغيير، ومعظمها من الشباب، وأعاد طرح مسألة عودتهم إلى الجماعة مرة أُخرى، لكنّه فُوجئ بردود أفعال متباينة من قبل كوادر المكتب العام، أو ما يعرف باسم تيار التغيير.
وقد اختارت الكتلة الكبرى من جبهة المكتب العام ألّا تنغمس في الصراع بين جبهتي لندن وإسطنبول، وأن تبقى في إطار الجماعة كتيار له قيادته ممثلة في المكتب التنفيذي (بديلاً عن مكتب الإرشاد) وعلى رأسه محمد منتصر، المتحدث الرسمي باسم الإخوان سابقاً، الذي كان مقرباً من محمد كمال في أزمة 2015، بينما ظل محمود الجمال (اسم حركي) يشغل منصب الأمين العام للتيار، ولذا تحولت جبهة المكتب العام إلى العمل باسم "تيار التغيير" مؤخراً، بحسب ما أوردته الدراسة.
ووفق المعلومات المتوافرة، فإنّ تيار التغيير قرر أن يعترف بشرعية القائم بأعمال المرشد العام للإخوان، جبهة لندن، صلاح عبد الحق، وهو ما يُعدّ تطوراً ملحوظاً في التقارب بين الطرفين، بينما أبقى التيار على عدائه لمحمود حسين القائم بأعمال المرشد، جبهة إسطنبول، بسبب الخلافات القديمة بينهما، لكنّ الأخير استطاع اجتذاب قيادات شبابية من المحسوبين على جبهة لندن، وتولى بعضهم مناصب قيادية داخل جبهة إسطنبول، ومن هؤلاء القيادي أحمد عاطف مسؤول ملف الشباب في الجبهة.
وقد آثر جزء آخر ممّن كانوا في تيار التغيير أن ينضم رسمياً لجبهة لندن، بعد وساطة أحمد رامي الحوفي المتحدث السابق باسم حزب الحرية والعدالة، الذي تفاوض مع عدد من شباب الإخوان وأقنعهم بالانضمام إلى الجبهة، وطلب منهم السعي لإقناع آخرين للالتحاق بصلاح عبد الحق، ووعدهم بمشاركتهم بدور مهم في إدارة شؤون الجماعة في الفترة المقبلة.
وحرص القائم بأعمال المرشد العام في جبهة لندن أن يُدلل على صدق المساعي الرامية لجذب شباب الإخوان، سواء ممّن كانوا في تيار التغيير أو ممّن جمدوا عضويتهم واعتزلوا الصراع التنظيمي من قبل؛ وذلك بتولية عدد من الشباب مناصب قيادية، ومن هؤلاء الشباب عبد الله عبد القادر، الذي يشغل عضوية إحدى اللجان الإدارية المساعدة لصلاح عبد الحق، وأحمد ماضي الذي يشغل عضوية اللجنة الإعلامية، وغيرهم.
هل يرضخ شباب التنظيم مجدداً لمطالب قادته؟
تعمل جبهة لندن على بناء الجسور المشتركة مع تيار الشباب أملاً في أن تستفيد منهم في تحقيق زخم تنظيمي وزيادة فاعلية عملها، ومع أنّها نجحت في استقطاب العديد من الشباب والكوادر الإخوانية التي جمدت عضويتها أو استقالت من الجماعة، في أعوام الأزمة الجماعاتية التي ما تزال ممتدة، إلا أنّها تواجه العديد من المعوقات؛ ومنها رغبة كوادر بارزة في الابتعاد عن دائرة العمل التنظيمي، وفقدان آخرين الثقة في القيادات التاريخية للجماعة، التي استلمت دفتها منذ إعادة تأسيس الإخوان، أو ما يُعرف بالتأسيس الثاني في سبيعنات القرن الماضي، فضلاً عن عوامل أخرى منها ما يتعلق بالعمل الحركي، ومنها ما يتعلق بطبيعة الظروف السياسية التي تمر بها مصر والمنطقة العربية، وفق الدراسة.
وحتى الآن، لا يمكن الجزم بما إذا كان التنافس التنظيمي وما تضمنه من تولية قيادات شبابية مناصب مهمة داخل البناء التنظيمي للإخوان في جبهتي لندن وإسطنبول، يعبّر عن تحول استراتيجي في العقلية القيادية المسيطرة على الجماعة؛ إذ إنّ التطورات الأخيرة قد تكون مجرد التفاتة تكتيكية فرضتها ظروف التنافس بين قادة جبهتي لندن وإسطنبول. ومن ثم، فإنّ استمرارها يبقى أمراً مرهوناً بحسابات أخرى في المستقبل، وهو ما لا يمكن استبعاده بالنظر إلى التاريخ الطويل للتدافع داخل الإخوان المسلمين.
ماذا يريد شباب الإخوان؟
كان شباب ينتمون للجماعة ويدينون بالولاء لجبهة لندن قد طالبوا قيادات الجبهة بتنفيذ عدة مطالب لهم لضمان عودة الجماعة إلى سابق عهدها، موجهين حديثهم لصلاح عبد الحق القيادي بالجبهة، الذي يبدو أنّه من يديرها فعلياً.
وفي رسالتهم لعبد الحق طالب الشباب قيادات الجبهة بخطة واضحة لتنفيذ هذه المطالب التي وصفها البعض بالجوهرية، فيما رأتها القيادات تعجيزية، وتتضمن العمل الحثيث لإخراج المعتقلين من السجون المصرية، وتكوين مكتب إرشاد ببرنامج معروف عن طريق انتخابات، وتكوين مجلس شورى مستقل عن الإرشاد له حق المراقبة والمحاسبة للمكتب ومراجعته وتقويمه، يرشح فيه من المنتظمين والعاملين من له برنامج معروض، وتوافق عليه عمومية الإخوان.
وطالب الشباب، بحسب تقرير بإعداد اللائحة التي تسهل العمل وتنظمه، ولا تجامل فئة على حساب أخرى، وتضع حلولاً للمشاكل الداخلية، كما دعوا إلى إعداد اللجنة الشرعية للعمل على ما وصفوه لتأصيل العمل الجماعي، وأن تكون مستقلة ومن العلماء العاملين، وتؤسس عن طريق الانتخاب.
وقد كانت المفاجأة الأخرى في مطالب الشباب هي تكوين فريق مخابرات لحماية القيادات ومراقبة أفعال النظام المصري ومحاصرته على حدّ تعبيرهم في الداخل والخارج، وتضمنت المطالب إعادة كل الإخوان المفصولين منذ العام 2013 إلى صفوف الجماعة، وردّ اعتبارهم وحفظ كرامتهم واستغلال طاقتهم وتوظيف كفاءاتهم، ودعت جبهة الشباب إلى حصر أموال الجماعة وتقنينها رسمياً، ممّا لا يدع مجالاً لإيداعها مع أفراد بعينهم، واتخاذ المسار الثوري ضد النظام في مصر مساراً للجماعة لا تحيد عنه، وهددت بإبعاد هذه القيادات إذا لم يتم تنفيذ مطالبها، لكنّ كافة هذه المطالب لم تحظَ باستجابة من جانب قيادات التنظيم.
0 Comments: