ما هي نقطة ضعف الذكاء الاصطناعي في سوق الوظائف؟
أصبح تأثير الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، حقيقة لا يمكن إنكارها، حيث يخشى قسمٌ كبيرٌ من العاملين في جميع أنحاء العالم، من أن تحل هذه التكنولوجيا مكانهم، فالمخاوف من سيطرة الروبوتات على وظائف البشر، تكررت بشكل كثيف في الأشهر الأخيرة، بعد ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي وهو الجيل الأحدث من هذه التكنولوجيا.
وبينما يتعمق العالم في هذا الموضوع المهم، ويحاول استكشاف المشهد المستقبلي الوشيك، لتأثير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على التوظيف البشري في سوق العمل، برزت في الساعات الأخيرة، دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، قدم من خلالها وجهة نظر مطمئنة للبشر، الخائفين من توسع نفوذ الآلة في سوق الوظائف.
فمن استمع في 2023 إلى المسؤولين التنفيذيين في وادي السيليكون، وهم يتحدثون عن القدرات التي باتت تتمتع بها أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة، قد يعتقد أن الإجابة عن سؤال، "هل يمكن للآلة أن تحل مكان البشر في الوظائف؟" هي حتماً "نعم، وقريباً جداً"، ولكن دراسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المؤلفة من 45 صفحة، تحت عنوان "ما بعد ظهور الذكاء الاصطناعي"، أكدت أن التخوف من الدور الذي سيلعبه الذكاء الاصطناعي، في إعادة تشكيل عالم العمل، مبالغ فيه، وأن هذه التكنولوجيا، لا يمكنها أن تحل محل غالبية الوظائف، بطرق فعالة من حيث التكلفة في الوقت الحاضر، فتوظيف البشر أرخص من توظيف الذكاء الاصطناعي، في الغالبية العظمى من الأعمال.
وتقول الدراسة التي أشرف عليها خمسة باحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والمتعلقة بسوق العمل في أميركا، إنه من الناحية العملية، فمعظم الوظائف حالياً مكلفة للغاية، في حال تمت أتمتتها باستخدام الذكاء الاصطناعي، وبالتالي فإن نسبة التكلفة إلى الفائدة، تكون أكثر ملاءمة عند توظيف البشر، مشيرة إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي ليحل محل البشر حالياً، أمر مربح فقط في عدد قليل من القطاعات، مثل البيع بالتجزئة والنقل والتخزين والرعاية الصحية.
فعالية الذكاء الاصطناعي ستستغرق عقوداً
وبحسب دراسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فإنه في الوقت الحالي، يمكن أتمتة 3 بالمئة فقط من المهام الوظيفية بكفاءة من ناحية الكلفة، لكن هذه النسبة قد ترتفع إلى 40 بالمئة بحلول عام 2030 إذا انخفضت التكاليف التشغيلية وتحسنت دقة الذكاء الاصطناعي.
ومن المثير للدهشة أن الباحثين وجدوا أن ما يوازي 23 بالمئة فقط من أجور العمال، يمكن استبدالها بالذكاء الاصطناعي بشكل فعال من حيث التكلفة، فحتى مع انخفاض تكلفة تشغيل هذه التكنولوجيا في السنوات المقبلة، فإن تحوّل الذكاء الاصطناعي لأداة فعالة اقتصادياً للشركات سيستغرق عقوداً.
كما أشارت الدراسة إلى أنه حتى مع انخفاض التكلفة السنوية، لتشغيل الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2042، ستظل هناك مهامٌ يكون للعمل البشري فيها الأفضلية من حيث الكلفة الأقل.
وتأتي النتائج "المستغربة" لهذه الدراسة، بعد أيام من تحذير صندوق النقد الدولي، من أن الذكاء الاصطناعي، قد يؤثر على قرابة 40 بالمئة من الوظائف حول العالم، داعياً صناع السياسات إلى الموازنة بعناية، بين إمكانات الذكاء الاصطناعي وتداعياته السلبية، في حين ركزت العديد من المناقشات التي شهدها المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لعام 2024، على تأثير الذكاء الاصطناعي في سوق العمل والقوى العاملة.
وكان مصرف غولدمان ساكس قد حذّر في 2023، من أن نحو 300 مليون وظيفة حول العالم، معرضة للانتقال من يد الانسان الى أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي خلال عشر سنوات، وهذا ما عزز مخاوف الموظفين من أن تأخذ الآلة مكانهم في العمل.
ويقول الخبير في التحول الرقمي ردوي شوشاني، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن دراسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أظهرت أن الكلفة المرتفعة لتبني ودمج وتخصيص برامج الذكاء الاصطناعي في عالم الأعمال، بحسب توجه كل شركة هو أمر مكلف جداً، فـ 97 بالمئة من الوظائف لا يمكن أتمتتها حتى الساعة، وتحويلها للذكاء الاصطناعي، وذلك لسببين الأول هو الكلفة المالية التشغيلية المرتفعة، والتي تضاهي كلفة رواتب الموظفين البشر، أما السبب الثاني فهو لهامش الخطأ المرتفع الذي لا يزال ينتج عن هذه البرامج وهو أمر ستكون له انعكاسات سلبية جداً، على نتائج أعمال الشركات، وبالتالي يتبين أن الاحتفاظ بالموظفين البشر في الوقت الراهن هو أمر محتم.
سوق الوظائف في أميركا
وبحسب شوشاني، فإن دراسة ماساتشوستس تناولت سوق الوظائف في أميركا، حيث الرواتب مرتفعة، ولذلك فإنه عند دراسة أسواق الوظائف في الدول النامية، حيث الرواتب منخفضة ستكون النتيجة بالتأكيد لصالح البشر، وذلك كون كلفة رواتبهم ستكون أقل بكثير من الكلفة المالية، لتشغيل برامج الذكاء الاصطناعي، لافتاً إلى أن ما يجهله الكثير من الأشخاص، أن كلفة تطوير الشركات لبرامج خاصة بها، تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، هو أمر يحتاج للكثير من الأموال، وذلك بسبب العتاد الذي تحتاجه لهذه العملية، مثل الرقائق المتطورة والتي قد تصل تكلفتها إلى مئات الآلاف من الدولارات، إضافة لحجم الطاقة المستهلكة، وهذا ما يجعل مثلاً شركة مثل "أوبن أيه آي" تتكلف الكثير من الأموال على كل عملية يقوم بها المستخدمون عبر برنامجها "شات جي بي تي".
وتوقع شوشاني أن يبدأ التأثير الفعلي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي على سوق العمل، بالظهور في عام 2026 وما بعده، وحتى ذلك الوقت ستكون الكلمة الفصل في سوق العمل للبشر.
من جهته، يقول المطور التكنولوجي فادي حيمور، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن دراسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أتت لتقول إن الذكاء الاصطناعي لن يحل مكان البشر في أي وقت قريب، لأنه مكلف للغاية، وهذا أمر طبيعي لأي تكنولوجيا جديدة، فالدراسة وجدت بعد جمعها معلومات عن ما يقرب من 1000 مهمة وظيفية في 800 مهنة، أن تثبيت أنظمة الذكاء الاصطناعي وصيانتها، أكثر تكلفة من قيام الإنسان بنفس المهام، ولذلك يمكن للبشر أن يطمئنوا من أن الذكاء الاصطناعي، لن يتمكن من سرقة وظائفهم في الوقت الحالي.
لماذا الكلفة المرتفعة؟
ويشرح حيمور أن الذكاء الاصطناعي، يعاني بالفعل مشكلة استهلاك الطاقة بشكل هائل، حيث تكافح الشركات من أجل إيجاد حل لهذه المعضلة التي ترفع فاتورتها، إذ أشارت إحدى الدراسات إلى أنه بحلول عام 2027، ستكون شركة إنفيديا قد شحنت نحو 1.5 مليون خادم، يعمل بالذكاء الاصطناعي التي وعند العمل بكامل طاقتها، ستستهلك ما لا يقل عن 85.4 تيراواط/ساعة من الكهرباء سنوياً، أي أكثر مما تستخدمه العديد من الدول الصغيرة في عام واحد، هذا إضافة إلى تكاليف التركيب والصيانة الهائلة، فبرامج الذكاء الاصطناعي التوليدي لا تزال جديدة نوعاً ما، وتعاني من أعطال دائمة، كما أنها تحتاج لمتابعة دقيقة وفريق عمل كبير يراقب حسن سير الأعمال، وبطبيعة الحال فإن تأخير تبني هذه البرامج والاعتماد على البشر، هو أفضل حل في المدى المنظور، في انتظار ما ستحمله السنوات المقبلة على صعيد تطوير هذه البرامج، لتصبح أقل كلفة على جميع الأصعدة.
وشدد حيمور على ضرورة عدم اطمئنان كل البشر لهذه النتيجة، فصحيح أن الإنسان يتفوق على الذكاء الاصطناعي في المهام التي تتطلب الحدس، والشعور الغريزي، والمعرفة الضمنية، والتي غالباً ما ستظل سمات غير قابلة للاستبدال في سوق العمل المتطور، إلا أن الذكاء الاصطناعي سيصبح خارق الأداء في غضون 50 عاماً، ولذلك يجب على الانسان الاستفادة من نتيجة هذه الدراسة، لكسب مزيد من الوقت وتطوير قدراته الوظيفية، بما يتأقلم مع التوجه الجديد في سوق العمل، وما يسمح له بالعمل إلى جانب الآلة.
0 Comments: