تسليح الأطفال والمدنيين ... الجيش السوداني يتبنى فكرة الإخوان
يثير توزيع الجيش السوداني السلاح على المواطنين مخاوف واسعة وخشية كبيرة وسط المدنيين والعسكريين المحترفين، فضلاً عن حكومات وشعوب الدول المجاورة للسودان التي تخشى من تضرر أمنها القومي إذا استمرت عمليات تسليح المدنيين السودانيين، لا سيّما الأطفال والمراهقين منهم، خصوصاً مع عدم رغبة قادة الجيش في إنهاء الحرب الدائرة منذ 15 نيسان (أبريل) في البلاد.
وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ووزير الدفاع ياسين إبراهيم قد أطلقا دعوتين علنيتين للمواطنين بضرورة حمل السلاح لحماية أنفسهم وممتلكاتهم، بعد أن فشلا في وقف تقدّم قوات الدعم السريع نحو المدن والبلدات الكبيرة في وسط وغرب البلاد.
ووفقاً لتقارير صحفية متطابقة، فإنّ فكرة تسليح المواطنين ابتدعتها وروجت لها جماعة الإخوان المسلمين التي تساند الجيش السوداني سياسياً وميدانياً في حربه على قوات الدعم السريع عبر انخراط ميليشياتها في القتال الدائر، إمّا تحت عناوين صريحة؛ مثل ميليشيات البراء بن مالك، وقوات الاحتياط (الدفاع الشعبي سابقاً)، والاحتياطي المركزي، وقوات العمل الخاص (هيئة العمليات سابقاً)، وإمّا تحت عناوين ضمنية مُضللة؛ مثل كتائب المُستنفَرين، قبل أن يتم دمجها في كيان واحد تحت اسم (المقاومة الشعبية) نتيجة لفشلها في ترجيح كفة الجيش، وتوطئة لرفدها بمسلحين غير مؤدلجين بعقيدة الإخوان المسلمين في محاولة لنفي علاقتها بالجماعة والإيحاء بقوميتها.
فكرة قديمة متجددة
بالنسبة إلى مراقبين ومحللين، فإنّ فكرة تسليح (الشعب)، وإن كانت قديمة بالنسبة إلى العقلية العسكرية السودانية، لكنّ قادة الجيش المحترفين ظلوا مترددين في تنفيذها، ما خلا في بعض أعوام الحروب الأهلية وبحذر شديد، إلى أن انقلبت الجبهة الإسلامية القومية (إخوان) بقيادة حسن عبد الله الترابي على الحكومة المدنية التي كان يترأسها الصادق المهدي في أواخر حزيران (يونيو) 1989، عبر كوادرها من ضباط الجيش بقيادة عمر البشير، فلم تتوانَ في تفكيك الجيش وحرفه عن مهنيته وتغيير عقيدته العسكرية، فتناسلت الميليشيات ذات الطابع الديني والقبلي والجهوي، وكانت أبرزها قوات الدعم السريع نفسها التي تحولت إلى جيش موازٍ بعد أن حققت انتصارات ساحقة على حركتي العدل والمساواة (إخوان) وحركة جيش تحرير السودان (ذات توجه علماني)، وهما اللتان كانتا تقاتلان الحكومة المركزية في إقليم دارفور منذ عام 2003.
وفي الحرب الدائرة الآن استدعى الإخوان ميليشياتهم الكامنة، وعمدت قيادة الجيش السوداني إلى تسليح المواطنين بمن فيهم الأطفال، وقد نشرت صحيفة (ذي تليغراف) البريطانية تقريراً ضافياً في هذا الصدد، كشفت خلاله عن شروع الجيش بتسليح الأطفال، الأمر الذي يدفع بالبلاد إلى حرب أهلية شاملة، وأشار التقرير نفسه إلى أنّ صِبية تتراوح أعمارهم بين (12- 15) عاماً، حصلوا على بنادق آلية و(300) طلقة لكل واحد منهم، في ولاية نهر النيل بشمال البلاد، التي أعلن حاكمها المعيّن من قبل قائد الجيش في كانون الأول (ديسمبر) الماضي استعداده لتسليح كل من يستطيع حمل السلاح، قبل أن تُظهر صور ومقاطع فيديو أطفالاً يرتدون زياً عسكرياً وصبية يستلمون بنادق كلاشنكوف وجنوداً يضعون ألغاماً أرضية.
مخاطر إضافية
وفيما يأتي تجنيد الأطفال من قبل الجيش السوداني لسدّ النقص الذي يعاني منه، ينضم صبية يافعون إلى قوات الدعم السريع للحصول على مكافآت مالية في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد جراء الحرب بجانب إغلاق المدارس وجميع أوجه الأنشطة التجارية والاقتصادية، كما أنّ الدعاية الإعلامية الإخوانية التي تصف جنود قوات الدعم السريع بالغزاة الأجانب المحتلين تجعل الشبان والصبية الذين ينتمون عرقياً إلى الجماعات نفسها التي ينتمي إليها قادة الدعم السريع يسارعون إلى الانضمام للقوات واعتبار الحرب الدائرة مهدداً وجودياً لهم.
إنّ استخدام الأطفال كجنود وقرابين لحروب الكبار ليس جديداً في أفريقيا، فقد حدث في نيجيريا إبّان الحرب الأهلية، وفي سيراليون والكونغو وجنوب السودان والصومال والسودان نفسه في أوقات سابقة والآن؛ خصوصاً عقب سيطرة قوات الدعم السريع على (4) من عواصم ولايات إقليم دارفور (غرب) الـ (5)، بجانب أجزاء واسعة من العاصمة الخرطوم، وإقليم كردفان (غرب وجنوب)، وولاية الجزيرة (وسط)، وانتقال البرهان وحكومته الى بورتسودان، على البحر الأحمر (شرق) التي اتخذها عاصمة جديدة للسودان.
ويُخشى على نطاق واسع من أنّ الأطفال المجندين بين طرفي الحرب السودانية، ربما، وهذا ما حدث في جميع الحالات المماثلة، يتعرضون للاستغلال الجنسي وللسخرة في الأعمال المنزلية من نظافة وطبخ وغسيل لدى كبار القادة أو الجنود الناضجين، مقابل الحصول على وضع آمن نسبياً باستثنائهم من خوض الحرب مباشرة، إلّا في حالات استثنائية.
الإرهاب يتربص
لكنّ الخشية الكبرى، وفقاً لمراقبين، تأتي ممّا يُتوقع أن ينجم مستقبلاً من عمليات التجنيد واسعة النطاق للأطفال، بجانب عمليات توزيع السلاح على المواطنين، والتي لا يوجد قانون واضح لدى طرفي الصراع يقنن طُرق توزيعها وإعادة جمعها عندما تضع الحرب أوزارها، وفي كثير من الأحيان يُضطر معظم المجندين من هاتين الفئتين؛ الأطفال والمدنيين الراشدين، إلى بيع ما يحصلون عليه من بنادق آلية وذخائر للحصول على بعض المال من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية، ممّا يهدد بتسربها إلى الجماعات الإرهابية الكامنة والنائمة داخل البلاد وفي محيطها الإقليمي؛ الأمر الذي يهدد الأمن القومي لدول الجوار وغالبيتها تعيش أوضاعاً أمنية بالغة الهشاشة والضعف، وقد انعدم توفر معظم هؤلاء المُجندين المدنيين على معرفة وخبرة كافيتين في ما يتعلق باستخدام السلاح؛ وهذا ما يعرّضهم لمخاطر إضافية.
0 Comments: