من قواعد الفكر الإخواني: ترويج الأوهام لاستلاب العقول
جرياً على نهج الازدواج لدى جماعة الإخوان المسلمين في المنطق والخطاب، لا يكاد الباحث يعدم الإشارات الدالة لدى الجماعة، في الحضّ على شيء ونقيضه في الوقت ذاته، في هذا السياق؛ تبرز بعض مقولات الجماعة التأسيسية التي تصنع أفكار أعضائها، ولعلّ رسالة التعاليم من أكثر الرسائل تأثيراً في مفاهيم الجماعة، حتى اليوم، بما أسماه حسن البنا "الأصول العشرين لركن الفهم"، أحد أركان البيعة العشرة لديه، التي يقسم الأعضاء على احترامها والعمل بها ما أمكن.
في أحد هذه الأصول، يقول البنا بوضوح، في الركن الثامن عشر: "والإسلام يحرّر العقل، ويحثّ على النظر في الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحّب بالصالح النافع من كلّ شيء، والحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها فهو أحقّ الناس بها".يبدو النصّ قاطعاً في إعطاء مكانة عظيمة للعقل، وتحريره من الأساطير والأوهام، تحت أيّ مسمّى، كما يبدو محتفياً بإنجازات العلم في كافة المجالات، يحثّ الأعضاء على تحرير هذا العقل من الأساطير والخرافات، وتعويده على التأمّل والتفكير، محتفياً بالعلم والعلماء؛ فهل كان انعكس ذلك على واقع الإخوان فعلاً؟
المدقق في أدبيات الجماعة نفسها، يجد أصلاً آخر من أصول الفهم، يبدو أنّ البنا وضعه عامداً، كي يفتح الطريق أمامه لتحييد عقول الأعضاء، لتحتل الأسطورة مكان العقل والمنطق، في تسييرهم وإقناعهم بكل ما يخالف مقتضيات العقل والمنطق.مَن يتابع كلّ محن الجماعة والمشاهد المتكررة من الفشل، يندهش كيف استطاع الإخوان الحفاظ على وجودهم كل تلك الأعوام! لكن يبدو أن ما ساهم في بقاء التنظيم، فضلاً عن المظلومية وأخطاء الحكومات في مواجهة الجماعة، يأتي عامل الأساطير، أو الأوهام التي تسلّلت إلى عقول وعواطف الأعضاء، عبر بعض القيادات، بدءاً من حسن البنا وحتى اليوم.
يقول البنا في رسالة "التعاليم"، في الأصل الثالث من أركان الفهم: "وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحلاوة، يقذفها الله في قلب مَن يشاء من عباده، لكنّ الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية، ولا تعدّ كذلك إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه".
تأمّلُ هذا النصّ جيداً يقود إلى أنّه يبدأ بمُسلّمة صحيحة: أنّ من ثمرات الإيمان الصادق والعبادة الصحيحة، أن يشعر المؤمن بحلاوة الإيمان، التي تعني نوعاً من الطمأنينة أو السعادة الداخلية، لكنه يلفت مباشرة إلى أمر أخطر يريده البنا من هذا الأصل؛ هو أنّ الإلهام والخواطر والكشف، وهو مصطلح صوفيّ، يعني أن يكشف الله لك الحجب، فترى ما لا يراه الناس من غيب، صحيح أنّها ليست من أدلة الأحكام الشرعية، بمعنى أنّها لن تحلّل حراماً ولن تحرّم حلالاً، الأمر الذي يبقى من عمل النصوص قطعية الثبوت والدلالة، لكنّه يطرح، في المقابل، سياقاً آخر تتحول فيه الرؤى والأحلام والكشف إلى أدلة معتبرة، باعثة على بعض الخيارات في حركة الجماعة السياسية وتسييرها للأعضاء.
النصّ، قرآناً وسنّة، لم يتعرض لشكل الحياة السياسية أو الخيارات أو الثورة، أو استخدام العنف في العملية السياسية، أو شكل الدولة، ومن ثم تصبح خيارات القيادة التي تتوسّل بالرؤى والأحلام الطريق لتقديس القيادة، واعتبارها ملهمة، لا يأتيها الباطل من يديها أو خلفها، كما في وصف التلمساني للبنا بالملهم الموهوب، وكيف كان يقول إنّه بين يديه كالميت بين يديّ مغسّله، معتبراً أنّ هذا هو السياق الصحيح للعلاقة بين العضو والقيادة.
إلهام وموهبة هي القيادة، وبالتالي هي مؤهلة لأن تأمر الأعضاء بأي شيء متوسّلة بالرؤى، التي هي رؤى الصالحين، التي ليست من أدلة الأحكام الشرعية، لكنها في مساحات الحياة الواسعة ستصنع القرار حتى لو خالفت العقل والمنطق.يحكي بعض قدامى الإخوان؛ أنّ أحد قيادات الجماعة كان متزوجاً من سيدة لا تنجب، وهمّ بطلاقها، فذهب ليستشير حسن البنا، فقابله على سلّم مكتب الإرشاد، وقبل أن ينطق الرجل بشيء، بادره البنا قائلاً: "يا حسن، أمسك عليك زوجك"، فالتقط الرجل الإشارة الربانية التي حملها منطق البنا، وأمسك زوجته، فلم يطلّقها، فأنجبت له غلاماً بعدها!
يروي الرجل الحكاية، وتتداولها ألسنة الإخوان، كي تحوّل القيادة إلى شخصية مقدّسة، لا يوحَى إليها نعم، لكنّها موصولة بالله، لها مرتبة الولاية، ومن ثمّ فهي ترزق بالكشف والرؤى والأحلام.هذا الأمر أحد ميكانزمات الجماعة في الحفاظ على التماسك التنظيمي في المفاصل الأهم من تاريخها، فحين تتواتر أدلة الواقع لترشد الجماعة إلى طريق لا تريده القيادة، تتكفل الرؤى والأحلام بإقناعهم بطريق آخر.
يروي أحد سجناء الإخوان؛ أنّ سجيناً من جماعته كان يؤدّي خطبة الجمعة للمصلّين من زملائه الإخوان، وعطف في خطبته على قصة سراقة بن مالك؛ الذي خذله فرسه فتعثّر، وهو يطارد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في رحلة الهجرة، طمعاً في الجائزة المالية التي رصدتها قريش لذلك، ولما أيقن فشله، وعده الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، بسواري كسرى، إن عاد أدراجه، وتحقّق الوعد بعد أعوام في عهد عمر، رضي الله عنه؛ فقد فتح المسلمون بلاد فارس.
0 Comments: