الذكاء الاصطناعي... التنظيمات الإرهابية تسعى لإقامة "الخلافة الإلكترونية"
تمثّل التكنولوجيا أحد أهم الأسلحة المعاصرة في أيدي الجماعات الجهادية والإرهابية، ممّا يشكل تهديداً كبيراً في كافة أنحاء العالم.
وقد عرض تنظيم (داعش) الإرهابي أحد الفيديوهات له في 18 أيار (مايو) الماضي، وأثبتت صحيفة (واشنطن بوست) ومجموعة (سايت إنتليجنس) أنّ هذا المقطع جاء من خلال برنامج للذكاء الاصطناعي دشّنه تنظيم (داعش) لخدمة أغراضه، ممّا أثار الخوف والتساؤل عن مدى الخطر الذي يمثّله امتلاك (داعش) للذكاء الاصطناعي، وقدرته على تغيير قوانين اللعبة
ووفق تقرير لمنصة (الحل)، فإنّ المعهود عن الجماعات الإرهابية إدراكها لقيمة التكنولوجيا ودورها، وتسعى عادة إلى تطوير نفسها وقدراتها التكنولوجية والإعلامية، وهذا ما أوضحه تقرير أصدره المؤشر العالمي للفتوى عن الذكاء الاصطناعي في خدمة التنظيمات الإرهابية، كما أوضح حضور الذكاء الاصطناعي ضمن الأدوات والآليات المطروحة في خطة عمل تنظيم (القاعدة) الإرهابي، ممّا يعنيه هذا من خطر محدق يجب الانتباه إليه، لما يملكه الذكاء الاصطناعي من إمكانيات هائلة، وتطوّر سريع غير مضمونة عواقبه.
ويأتي خطاب الجماعات الإرهابية عن الذكاء الاصطناعي في إطار تأسيس قواعد وأنظمة من خلاله، توحي بمساعٍ نحو قيام "خلافة إلكترونية" تكون أكثر قدرة على التواصل والانتشار وعلى تطوير نفسها، خاصة أنّه حسب التقرير المقدّم من (سايت إنتليجنس) أنّ تنظيم (داعش) الإرهابي يستخدم الذكاء الاصطناعي في عمليات التجنيد منذ آذار (مارس) الماضي. وحسب ما يطرحه تنظيم (القاعدة) وتاريخه المعهود، فإنّه يسعى كذلك لاستخدام الذكاء الاصطناعي، ويقدّم فتاوى تحثّ على استخدامه.
ويعرف تنظيم (القاعدة) أهمية التكنولوجيا، وكان لها دور كبير في مسار التنظيم وشعبيته، فتنظيم (القاعدة) عمل على بناء شعبية له منذ عام 2007 عبر التكنولوجيا، مستخدماً في ذلك شرائط الكاسيت وتسجيلات مصورة، وأنشأ (3) مؤسسات لرسم الملامح الإعلامية للتنظيم وإدارتها، وهي حسب ما جاء في تقرير المؤشر العالمي للفتوى: "مؤسسة الملاحم، والفرقان، والسحاب للإنتاج الإعلامي"، وكانت المواد عبارة عن تسجيلات صوتية وفيديوهات لقيادات التنظيم، وأهمهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
ورغم انهيار الخلافة المكانية وتشتت مقاتليها، وعودة العديد من عوائل المقاتلين والهروب من معاقل (داعش)، إلا أنّها تسعى للتواجد مرة أخرى، وتعمل على ترتيب صفوفها مرة أخرى بكل السبل الممكنة.
وحسب استناد التنظيم إلى هذه الأدوات في هذه المرحلة، فإنّه كان يعرف أفق المرحلة وهو مطّلع على التكنولوجيا المتاحة، لهذا جاء أكثر تطوراً بعد ذلك وخاض مضمار الإنترنت، وأنشأ منتديات تابعة له يعمل من خلالها على تجنيد العديد من الأفراد، وتقديم رؤيته وبناء قاعدة شعبية له. ومن بين هذه المنتديات منتدى "الساحات السياسية"، وشبكة "الحسبة"، وشبكة "الإخلاص"، و"القلعة"، وشبكة "أنا المسلم"، واختصت جميعها بنشر تفاصيل عمليات التنظيم، وعرض آرائه وأحكامه الدينية، ودعواته إلى الجهاد، ومساعيه نحو تكوين وتقديم الذات الإسلامية.
وحسب ما يفيد تقرير الإفتاء الذي نشر عبر موقع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، فإنّ كل ولاية من ولايات التنظيم لها موقع إلكتروني خاص بها، تنشر من خلاله أخبارها والتعليمات التي تأتيها من قيادة التنظيم، ويبلغ عدد هذه المواقع (12) موقعاً. وأهم هذه المواقع "موقع النداء" الذي أصبح الموقع الرسمي للتنظيم بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001.
وبين التقرير أنّ للجماعات الإرهابية باعاً طويلاً في صناعة المواقع الإلكترونية، واختراق الأنظمة الإلكترونية، وتطلق على عمليات هجومها الإلكتروني اسم "الغزوات الإلكترونية"، وهي عبارة عن عمليات اختراق للمؤسسات الأمنية والسياسية والإدارية، وحالات "الجهاد الفيسبوكي" التي تعمل على انتشار أفكارهم بسرعة كبيرة. ورغبتها ومساعيها نحو استخدام الذكاء الاصطناعي يدل على معرفتها بأهميته، واهتمامها بتطوير أدواتها واتساع نطاق سيطرتها.
وقدّم تقرير الإفتاء تحليلاً لخطاب الجماعات الإرهابية حول الذكاء الاصطناعي، وحسب الإحصائيات جاء الخطاب في التّخفي الإلكتروني وحماية البيانات في الصدارة بنسبة 30% ويليه خطاب استخدام الذكاء الاصطناعي في استقطاب الأتباع وتجنيد مجاهدين بنسبة 27%.
وتأتي بعد ذلك ألعاب الميتافيرس والتدريب على العمليات الإرهابية بنسبة 18%، والغزوات الإلكترونية بنسبة 15%، ثم يأتي في آخر القائمة الذكاء الاصطناعي لتسهيل العمليات الإرهابية بنسبة 10%.
ووجود الذكاء الاصطناعي في خطاب الجماعات الإرهابية بهذا الترتيب يوحي بمعرفتهم بالذكاء الاصطناعي وإمكانياته، والاهتمام بتنظيم عملية استخدامه، فهذه الجماعات بوصفها جماعات غير مشروعة ومطلوبة على المستوى المحلي والدولي، يصبح أول اهتماماتها "التّخفي"، وتشفير المعلومات والبيانات، وتعرف ثورة الذكاء الاصطناعي وتسعى لاستخدامه في هذه المهام.
وبحسب مركز (الحل)، فإنّ الجماعات لن تتنازل عن دور الذكاء الاصطناعي في تجنيد المجاهدين واستقطاب الأفراد، وهذا ما يجعلها تهتم به ويأتي بعد التأمين والتّخفي.
ومن المخاوف المطروحة أيضاً محاولتها لإقامة "الخلافة الإلكترونية"، التي ستمكّن كافة أفراد العالم من الانضمام إليها وهم في منازلهم، وهي أقلّ تكلفة وأوسع انتشاراً وأكثر أمناً من الخلافة المكانية.
وفي تصريح للكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الإرهاب هشام النجار، قال: موضوع الخلافة الإلكترونية قديم، وليس جديداً بالنسبة إلى تنظيم (داعش)، وقد ظهر هذا البديل الافتراضي إثر انتهاء الخلافة المكانية، وتم الترويج له كثيراً سواء عن طريق الترويج من قبل تنظيم (داعش) الإرهابي، أو عن طريق التقارير الأمنية الأوروبية، وهناك محاولة لإقامة خلافة إلكترونية بديلة للخلافة المنهارة على الأرض، وتتواصل من خلالها وتعمل على لمّ بقايا التنظيم.
والواقع أنّ الاستراتيجية الدعائية للجماعات المتطرفة تنبني على الفيديو والصورة في المقام الأول، وفق ما أورد (مركز تريندز للبحوث والاستشارات).
وإذا كانت محاولة تنظيم (داعش) لإقامة "الخلافة الإلكترونية" قديمة حسب ما يذكر النجار، فإنّ طرحها من قِبل تنظيم (القاعدة) وباقي التنظيمات الإرهابية جديد، خاصة أنّه يتم طرحه ضمن خطاب استخدام الذكاء الاصطناعي، الذي يعطيهم بادرة أمل للتواجد بشكل أقوى وأكثر أماناً حسب التحليلات التي قدمت لخطابهم.
وأضاف النجار أنّه إذا تم توفير كوادر قادرة على توظيف الذكاء الاصطناعي باحترافية وتطويره، فهنا تكمن الخطورة، فإذا تم في هذه المرحلة استخدام هذا المجال باحترافية، فهم سيلعبون بشكل كبير؛ من خلال خلق أحداث غير موجودة، وسهولة العمليات الإرهابية من خلال هذه التكنولوجيا، وسهولة التواصل وسرّيته... وغيرها من التطورات المهولة في هذا المجال. ويُعدّ الفضاء الإلكتروني متنفساً للتيارات الإرهابية، ويوفر لهم الإيواء والقدرة، لأنّهم شبه عاجزين على الأرض بسبب المطاردات والملاحقات الأمنية والتضييق الأمني، خاصة في أوروبا في الفترات الأخيرة، فكلما ضاقت بهم الأرض، سعوا إلى الفضاء الإلكتروني.
ويذكر أنّه بعد (4) أيام من هجوم تنظيم (داعش) على حفل موسيقي في روسيا في آذار (مارس) الماضي، جرى تداول مقطع فيديو مدته (92) ثانية على منصة خاصة تابعة لتنظيم داعش الإرهابي، يظهر مذيع أخبار يرتدي خوذة وزياً عسكرياً، ويقول: إنّ الهجوم كان جزءاً من "السياق الطبيعي للحرب المشتعلة بين التنظيم والدول التي تحارب الإسلام، بحسب ما أورده تقرير نشر في (واشنطن بوست).
ويكشف التقرير أنّ المذيع كان "مزيفاً"، فقد تم إنشاؤه بوساطة الذكاء الاصطناعي، عبر برنامج يُسمّى "نيوز هارفست".قدّم البرنامج رسائل فيديو شبه أسبوعية حول عمليات تنظيم (داعش) في جميع أنحاء العالم. وقالت ريتا كاتز المؤسسة المشاركة: إنّ البرنامج الذي تم تصميمه ليشبه بثاً إخبارياً، وهو برنامج -لم يتم الإبلاغ عنه من قبل- يمثل ظهور الذكاء الاصطناعي كأداة دعاية قوية، وإعادة بناء العمليات الإعلامية للجماعة.
0 Comments: