الأربعاء، 5 يونيو 2024

لماذا صعّدت فرنسا نبرتها فجأة تجاه تنظيم الإخوان الإرهابي؟

 




صحيح أنّ الدوائر الإخوانية في فرنسا بدأت تفقد نفوذها بشدّة في السنوات الأخيرة، خاصة بعد حظر الجمعيات الدينية التابعة للتنظيم الإرهابي وطرد دُعاة التطرّف والتشدّد ومُراقبة الدعم المالي له، إلا أنّه يُمكننا بسهولة أن نستشعر في خطاب الحكومة الفرنسية مؤخراً نبرة جديدة بشأن التصدّي الشامل لجماعة الإخوان.

وطرح الوعد الذي أطلقه قبل أيّام، وزير الداخلية جيرالد دارمانين بشنّ هجوم كبير ضدّ نفوذ جماعة الإخوان الإرهابية في فرنسا، الكثير من التساؤلات حول دوافع هذا التصعيد المُفاجئ خاصة بعد التلميح لاستلهام النموذج النمساوي في حظر الإخوان، وسط تشكيك بعض القانونيين المُتخصصين وترحيب العديد من السياسيين وصُنّاع القرار، بينما تتغير شبكة التحليل حول دوافع ذلك بسرعة كبيرة.

وبناءً على طلب رئيس  الجمهورية إيمانويل ماكرون، أطلق دارمانين شعار "وقف التهديد الخبيث لحركة الغزو"، للتعرّف على شبكات الإخوان في فرنسا وبالتالي وضع آليات الردّ المُناسبة، مُحذّراً من أنّ تنظيم الإخوان يعمل بشكل شرعي وله مظهر سلس للغاية ويتكيّف باستمرار حيث يُخفي أجنداته الحقيقية، داعياً إلى توعية من شأنها تثقيف البلاد بضرورة الكفاح ضدّ جماعة الإخوان.


وحسب الكاتب والمحلل السياسي قسطنطين جاشينارد، فإنّ تعقّب هذه الجماعة  الإرهابية أمر بالغ الصعوبة، حيث لا يدّعي الانتماء لها علناً إلا أقلية ضئيلة من المنظمات أو الأفراد، كما أنّ بعض الفرنسيين، وحتى الجهات العامة، يتعاونون مع الإخوان من دون أن يعرفوا ذلك.

ومن جهته، حاول الخبير في الأمن الداخلي إريك ديلبيك تفسير تبدّل النبرة الفرنسية الحكومية تجاه الإخوان، بالقول إنّه "إذا نظرنا إلى هذا التحوّل على عجل، فإنّه بدأ يتصاعد منذ هجوم موسكو الإرهابي في مارس (آذار) الماضي، بالإضافة إلى استمرارية استثمار الحرب الإسرائيلية على غزة من جانب جماعات الإسلام السياسي وخاصة الإخوان".

كما تصاعدت المخاوف الفرنسية بعد تظاهرة "الخلافة هي الحل" في مدينة هامبورغ في ألمانيا مؤخراً، والتي تبيّن أنّ الجهة المُنظّمة لها جماعة "مسلم إنتركتيف" قريبة جداً من حزب التحرير الإسلامي، المنظمة العابرة للحدود التي تنبثق من جماعة الإخوان.


ويُمكن كذلك ربط الموقف الفرنسي المُتشدد تجاه الإخوان، بدورة الألعاب الأولمبية في باريس التي تنطلق نهاية يوليو (تموز) المقبل، أو حتى جعل التصعيد ضدّ التنظيم الإرهابي كعلامة على نوع من التماسك في المجال السيادي للدولة.

وحذّر ديلبيك من أنّ التهديد الإرهابي لأولمبياد باريس حقيقي لكنّه غير واضح بعد، ومن أنّ عقيدة الإخوان المسلمين هي العدو الرئيس لفرنسا. وأضاف أنّه "وفي مواجهة الطبيعة المراوغة للإرهاب الإسلاموي دعونا لا ننسى درساً أساسياً: أنّ إيديولوجية الإخوان هي أصل الشر".

ولكنّ المعلومات الاستخباراتية الأوّلية تؤكد، أنّه في الوقت نفسه لا يوجد مشروع إرهابي ملموس يُهدّد أولمبياد باريس على وجه التحديد، أو بشكل أكثر دقة، فإنّ الدولة الفرنسية ليس لديها أيّ مؤشر في هذا الاتجاه، وأنّ الخطر الجهادي يُثقل كاهلها بشدة.

ومع ذلك، يرى الخبير الأمني الفرنسي، أنّ هذا ليس سوى تناقض ظاهري، إذ لا يوجد اختلاف في الواقع، وهذا يعني ببساطة وجود خطر إرهابي حقيقي قادم لكنّه غير واضح بعد.


وأكد أوليفييه كريستن، المدعي العام الجديد لمكافحة الإرهاب في باريس، أنّ وزارة الداخلية والسلطة القضائية تُراقبان التهديد الإرهابي خلال الألعاب الأولمبية. وقال: "نحن نعلم أنّ التهديد الإرهابي يكون دائماً سهل الاختراق بالنسبة للأحداث الجارية والسياق الجيوسياسي الذي أصبح حادّاً بشكل خاص في الآونة الأخيرة".

وقال في تصريحات صحافية له "لا نزال نشعر بالقلق في المقام الأول بشأن التهديد الجهادي. لقد تبيّن أنّ هناك تنظيمات إرهابية تتشكل من جديد خارج حدودنا، ولها قُدرة على تنظيم نفسها والاستعداد والتحرّك". كما وينصب الاهتمام كذلك على أولئك الذين يُغادرون السجن، حيث يتم إطلاق سراح حوالي 75 شخصاً مُداناً بالإرهاب كل عام بعد قضاء مدة العقوبة.


وعلى الرغم من رفض الرئيس الفرنسي التحاور مع "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، الذي يُسيطر عليه تنظيم الإخوان الإرهابي، بعد أن استبدلهم عام 2022 بـِ "مُنتدى الإسلام في فرنسا" المُعتدل، إلا أنّ المجلس الإخواني المذكور الذي تمّ إنشاؤه في عام 2003، لا زال يستميت لمُحاولة تمثيل المسلمين في فرنسا بعد أن شارف من قبل على الاعتراف بموته فعلياً.

ويدعو أكاديميون فرنسيون إلى ضرورة إيجاد كيانات بديلة للإخوان تُمثّل بشكل صحيح الجاليات المُسلمة، وليست لديها أي أطماع أو طموحات سياسية، وبحيث يُمكن للحكومة الفرنسية التعامل معها، منعاً لأي حوار مع جماعات الإخوان، ولمصلحة إدماج أبناء الجاليات المُسلمة بشكل صحيح في المُجتمع في إطار العلمانية وقيم الجمهورية.


ويُطالب العديد من النشطاء الفرنسيين عبر منصّات التواصل الاجتماعي، الجمعية الوطنية الفرنسية (مجلس الشيوخ والبرلمان)، بسنّ قانون جديد لمكافحة الإرهاب على غرار المعمول به في النمسا منذ يوليو (تموز) 2021، والذي جعل منها أوّل دولة أوروبية تحظر جماعة الإخوان.

وسنّ القانون النمساوي عقوبات بالسجن والغرامة على المؤيدين لفكر الإخوان، كما نصّ على حظر إظهار كافة الشعارات السياسية والأعلام الخاصة بجماعة الإخوان في الشوارع والأماكن العامة.

وكانت عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، جاكلين أوستاش برينيو، قد دعت إلى وجوب التحرّك بسرعة حيث تتأثر غالبية مناطق فرنسا اليوم بأفكار الإسلام السياسي المتشددة، مُحذّرة من قيام بعض المناطق والأحياء بنزعات انفصالية عن الجمهورية في غضون عدّة أعوام.

وأطلقت شخصيات سياسية وبرلمانية وإعلامية ومُجتمعية ومنظمات غير حكومية فرنسية، دعوات وحملات تهدف إلى حظر نهائي لجماعة الإخوان المسلمين في فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي وتصنيفها كتنظيم إرهابي، بالإضافة إلى حلّ جميع الجمعيات المُرتبطة بالإخوان، مُحذّرين من قُدرة الجماعة على إشعال نيران الفتنة في الضواحي الفرنسية في أيّ وقت.

وعبر منصّاته في وسائل التواصل الاجتماعي، تساءل ستيفان رافير، عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، "هل ستحلّون جماعة الإخوان المسلمين؟ هل ستضعون هذا الطابور الخامس بعيداً عن الأذى؟ الغرغرينا موجودة بالفعل في كل مكان بيننا، وهي إمّا أن نقضي عليها أو نموت!".