الاثنين، 21 أغسطس 2023

أزمة وجودية تلاحق الإخوان كل الطرق مغلقة

 

الإخوان المسلمين

تعاني جماعة الإخوان من أزمة هيكلية وبنيوية، لم تعد خفيّة، بينما تبدو الشروخ والتصدعات التنظيمية واضحة ومباشرة، فضلاً عن الصراعات بين الأجنحة وبعضها (تلاشي الثقة والولاء بين القواعد والقيادات، والصراع الجيلي). فيما بات واقع التنظيم، المعتم والغامض، الذي يضغط على مستقبله ومآلاته السياسية والأيديولوجية، أمام تحديات جمّة، فيحتاج لمراجعة مركبة، تبدأ من الهوية، مروراً بالارتباطات بين الأعضاء، وحتى موقعه في المجال العام الذي يعكس أزمة شرعية عنيفة.


انعطافة تركيا، التي شكلت مع غيرها أحد الملاذات الآمنة (والمؤقتة) لجماعة الإخوان، إلى مصر والإمارات والسعودية، في ظل التحولات، الجيوسياسية والبراغماتية، فرضت أزمة وجودية على الجماعة، الأمر الذي يتجاوز فكرة الشعور بالشتات، والبحث عن هروب جديد، ومنافٍ بعيدة. فالجماعة لم تعد كتلة سياسية أو تنظيمية منسجمة، وتبدو أدوارها الوظيفية هشّة، ثم تحولت إلى عبء يمكن التخلص أو بالأحرى التنازل عنه لحساب علاقات استراتيجية كما حدث بين القاهرة وأنقرة، ومحاولات الأخيرة التودد للحكومة المصرية.


مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، لمحت إلى تقارب تركي مع مصر، وكذا مع دول الخليج، منها السعودية والإمارات، بما جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يراجع حساباته السياسية تجاه الإخوان، خاصة مع وجود رؤية ومقاربة مشتركة بين الدول الثلاث الأولى ترى في الجماعة الأم للتيارات الإسلاموية تهديداً مباشراً لمصالحها. وفي مقال للكاتبة والمراسلة في المجلة الأمريكية أنشال فوهرا، أوضحت أنّ العلاقات التي تجمع أردوغان مع جماعة الإخوان المسلمين وفروعها هي التي شكّلت بداية انهيار العلاقات مع دول عربية منذ أكثر من عقد خلال بداية الانتفاضات في العالم العربي


 لافتة إلى أنّ السعودية والإمارات ومصر رأت أنّ الجماعة تمثل تهديداً في المنطقة بسبب أفكارها المتشددة، في حين كان أردوغان يأمل في أن يستغل نجاح الإخوان المسلمين الانتخابي في تونس ومصر، بين عامي 2011 و 2012، قبل فشلهم لتعويض السعودية كزعيم فعلي للعالم الإسلامي السنّي، وقالت إنّ أهم بادرة حسن نية تفكر فيها أنقرة للتهدئة مع الدول العربية الـ (3) هي تحولها عن دعم الجماعة الإسلاموية المثيرة للجدل. وفعلاً، حدث الانفراج التركي مع الدول الـ (3) بالتزمن مع تقييد حركة الإخوان المسلمين وأنشطتها، خاصة ظهورها الإعلامي.

أزمة تاريخية

إذاً، تعاني جماعه الإخوان من "أزمه تاريخية" غير مسبوقة، على حد تعبير مدير المركز العربي للبحوث والدراسات بالقاهرة، الدكتور هاني سليمان، الذي أكد في حديثه لـ"حفريات"، أنّ هذه الأزمة تختلف كلياً وفي تفاصيلها عن أيّ مرحله في تاريخ الجماعة الممتد لتسعة عقود.


فمرحله التعثر والإخفاق التي تعيش فيها الجماعة، الآن، يمكن توصيفها على أنّها "أزمه وجودية؛ حيث إنّ كيان وتنظيم الإخوان لا يجد مقاربة لإنهاء وضعه المأزوم. بالتالي فقد إمكانية الاستمرار والبقاء على قيد الحياة. وفي هذا التوقيت الصعب والمعقد بالنسبة للجماعة تتزايد الضغوط والانقسامات، بما يضاعف معضلاتها على سائر المستويات السياسية والحركية، ناهيك عن ارتباطاتها الإقليمية"، حسبما يقول سليمان.


كما تقع الجماعة في الفترة الحالية تحت وطأة إشكاليات رئيسية، بحسب المصدر ذاته، منّها "تراجع وانحسار الدور الوظيفي للإخوان من الناحية السياسية أو الإقليمية. فهذه الورقة التي كانت بالنسبة للفاعلين الإقليميين والدوليين وسيلة قصوى، يتم توظيفها للضغط على الأنظمة، أو لتحقيق بعض التوازنات في العملية السياسية والعلاقات الدولية، تشهد تباينات عديدة ولم تعد كما في السابق وبما يخدم مركزية الإخوان السياسية والتنظيمية".


ويردف: "يمكن القول إنّ التعويل أو الرهان على قوه هذه الورقة بات ضعيفاً، ولم يعد مهماً بالنسبه للأنظمة التي استخدمته في السابق؛ إذ إنّ نتائج هذا الدور المشبوه والفاتورة السياسية له باهظة. وتنظيم الإخوان أصبح عبئاً على كثير من الجهات الخارجية، والفاعلين الإقليميين".


ويقول مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، إنّ أزمة الإخوان تتمثل في غياب إمكانيات العودة، مرة أخرى، لاحتلال أي مساحات سياسية، مثلاً، في القاهرة، الأمر الذي يبدو "مستحيلاً ويفتقد لأدنى شروطه". ويتابع: "جميع القنوات التي كان من الممكن للإخوان المرور عبرها تكاد لا تختلف عن واقعهم ومستقبلهم الذي يعاني الانسداد والانغلاق".

عقبة كبيرة بمسار المفاوضات والعلاقات الدولية

وأوضحت المجلة الأمريكية القيود التي فرضتها تركيا على الإخوان، فطلبت من القنوات التلفزيونية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين تقليل التغطية التي تنتقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وتزامنت زيارة أردوغان إلى جدة العام الماضي مع إغلاق قناة (مكمّلين) الفضائية التابعة للجماعة بعد نحو (8) أعوام من البث في إسطنبول. كما رفضت تركيا تجديد الإقامة لأعضاء الجماعة أو المرتبطين بها، في محاولة لتشجيعهم على المغادرة، وقيل إنّها ألقت القبض على بعض القادة، وتفكر في ترحيل كثيرين آخرين طلبهم الرئيس المصري، ربما إلى دولة ثالثة.

كما أشارت إلى أنّ أردوغان قرر إلغاء عضوية بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من المواطنين الأتراك في حزب العدالة والتنمية الحاكم.وذكرت الكاتبة والمراسلة في المجلة الأمريكية بمقالها أنّ جماعة الإخوان المسلمين تمر بأزمة وجودية يعتقد الكثيرون أنّها لن تخرج منها سالمة، لكن ما تزال لديها بعض جيوب النفوذ في المنطقة.

وقال الزميل في مؤسسة (القرن) والخبير في الشؤون السورية (آرون لوند): "لم تضيّق تركيا الخناق على جماعة الإخوان السورية بالطريقة نفسها التي اعتمدتها مع الأعضاء المصريين". وتابع: "أظن أنّ جماعة الإخوان أداة مهمة للغاية في سياسة تركيا تجاه سوريا، بحيث لا يمكن التخلص منها ببساطة. لكن إذا تقدّم التقارب بين دمشق وأنقرة، فمن المحتمل أن يواجه المعارضون السوريون شكلاً من أشكال الضغط والقيود".

ويعقّب الدكتور هاني سليمان مدير المركز العربي للبحوث والدراسات بالقاهرة،  أنّ الإخوان تحولت إلى "عقبة كبيرة في مسار المفاوضات الدولية والعلاقات بين الفاعلين الإقليميين. فدولة مثل قطر أو تركيا ربما لم تعد قادرة على الدفاع، بنفس النهج القديم والتقليدي، عن التنظيم الدولي للإخوان. بالتالي أصبحت الأخيرة عقبة في طريق عوده العلاقات الطبيعية مع مصر وغيرها من الأنظمه الأخرى في الخليج مثل الإمارات".

0 Comments: