السبت، 20 أبريل 2024

المتون العقدية لجماعات التكفير

 

جماعات التكفير


المتون العقدية لجماعات التكفير 


قامت جماعات التكفير بعملية إحيائية لنواقض الإيمان، وتفصيلها بشكل تم فيه الإفراط في استخدامها، وإضافة نواقض جديدة عليها، وبعدها كان لا بد من سردية للمتون العقدية، توضح الفروق بين التيار الإسلاموي على العموم، ما بين من يكفّر بالمعصية، ومن ينزل أحكام (الديار) على قاطنيها، ومن يعذر بالجهل والتأويل، ومن لا يعذر، ومن يحكم على أعوان الحاكم بالكفر والردة، ومن يحكم عليه بمفرده، ومن يكفّر الطوائف كالشيعة على العموم، ومن يقبل توبة المرتد ومن لا يقبلها.

كانت كل سردية في المتن، توصل إلى ما بعدها، إلا أنّها كلها في النهاية تؤدي إلى نتيجة واحدة.قسّمت هذه الجماعات الحكّام إلى مسلم، وهو الذي يحكم بالشريعة، وحاكم ظالم فاسق، وآخر كافر كفراً أصلياً، ومستبدل، وهو حاكم مسلم طرأ عليه الكفر لاستبداله أحكام الشريعة بالقوانين الوضعية، ثم أوجبوا قتال من يعاونه، وهو رأي عقدي مبني على كلام قديم لابن تيمية، ومن بعده كالمودودي وسيد قطب

في الكتاب المثير للجدل "الجامع في طلب العلم الشريف"، بنى مؤلفه سيد إمام فكرته على أنّ أعوان الحاكم "كفرة"، وهذا ما آمنت به داعش فيما بعد، لكن تنظيم القاعدة حذف جزءاً كبيراً من الكتاب ثم نشره تحت اسم آخر هو "الهادي إلى سبيل الرشاد في معالم الجهاد والاعتقاد"، وحينئذ نشبت المعركة الفكرية بين إمام ومعه قلة من تلامذته من جهة، وأيمن الظواهري، وبقية التنظيم من جهة أخرى.

عندما سئل أيمن الظواهري عن سبب حذفه لأكثر من نصف كتاب الجامع رغم أنّه أصدر كتابه "الحصاد المر" عن الإخوان، رغم معارضة أغلب أعضاء وقادة الجهاد، فقال: كتاب الحصاد ألفته على نفقتي الخاصة، معبراً عن رأيي الشخصي، ونشر باسمي، بينما كتاب الجامع صادر عن لجنة البحوث بتنظيم الجهاد، ليحمل فكر وعقيدة التنظيم، وتم الإنفاق عليه من مال التنظيم، وسيصدر باسم التنظيم، فلا بد أن يعبر عن رأي التنظيم

مع ذلك كله ظلّ كتاب "الجامع" و"العمدة في إعداد العدة"، هو أهم مرجعيات كل الحركات الجهادوية في العالم فيما بعد.بعد تكفير الحاكم وأعوانه، كان لا بد من تحريم أي وسيلة "وضعية" لتغيير هذا الحاكم، فظهرت الأدبيات التي تتحدث عن كفر الديمقراطية، وتحريم سلوك الحركات التي تنتهج العمل الحزبي، وتحريم جعل الانتخابات وسيلة للوصول للحكم.اعتبروا أنّ المشاركة في المجالس النيابية نوع من الشرك؛ لأن حق التشريع لله وحده، وأنّ دخول هذه القنوات فيه إهدار لمفاهيم إسلامية عظيمة (الحاكمية والموالاة والجهاد) وفيه إضفاء صفة إسلامية على وضع غير شرعي.

اختلفت فصائل الإسلامويين، وحدث التطور الاعتيادي، واعتقدت جماعة داعش في بيان سُمّيَ "بيان الهيئة الشرعية للدولة الإسلامية في العراق والشام حول الجبهة الإسلامية وقياداتها"، أنّ من يؤمن بالديمقراطية خارج عن الملة، وعرفّت الديمقراطية تعريفاً على هواها، حيث قالت: "ذلك من الثوابت عند أهل السنة والجماعة، أنّ الدعوة إلى إقامة حكومة "مدنية تعدّدية ديمقراطية"، عملٌ مخرجٌ من ملّة الإسلام، وإنْ صام دعاتها وصلّوا وحجّوا وزعموا أنّهم مسلمون؛ لأنّها تدعو لصرف التحاكم الذي هو حقّ محضٌ لله تعالى، إلى الطاغوت

لم تكن "داعش" وحدها التي جعلت الدعوة إلى حكومة "مدنية تعدّدية ديمقراطية" مناطاً شركيّاً مخرجاً من الملّة، وأنّ الدعوة إليها كفر مخرج من ملّة الإسلام، فقد كانت جماعات أخرى نشأت مثل أنصار الشريعة وأنصار الجهاد وغيرهم، تسير على نفس النهج[5].أعقب تكفير الديمقراطية طرح الوسيلة، التي سيتم الوصول بها لهرم السلطة، وأظهرت هذه التيارات المختلفة تنظيراً غريب الشكل، حيث رأى بعضهم، أنّ الدولة مسلمة، لكن قتالها واجب[6]، فاستهدفوا مراكز الشرطة، واغتالوا رجال السلطات القائمة في بعض الدول، ثم طرحوا السؤال "هل الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله يعذر بالجهل أم لا؟

استندوا في ذلك إلى فتوى قتال أبي بكر الصديق لمانعي الزكاة، وكيف أنّ جزءاً منهم كانوا مسلمين لكنه قاتلهم، كما استندوا لفقه دفع الصائل، لكن الغريب أنّ القتال لم يكن بهذا الفقه، لكنّه كان خليطاً من إستراتيجية وأيديولوجيا الجماعات التي لا تعذر بالجهل.بالنظر للأدبيات التي كانت يستندون إليها، سنجد أنّ كتاب "الفريضة الغائبة" لمحمد عبد السلام فرج يمثل الأيديولوجية الحقيقية لهذا التنظير؛ حيث طُرح فيه مبدأ إغفال الجهاد، وحدّد فيه حكم الدار، وقال إنّ أيّ دولة لا تحكم بالشريعة دار كفر، استرشاداً بفتوي لابن تيمية في الفتاوي الكبرى

"داعش" فيما بعد طرحت ما يسمى إنزال أحكام الديار على قاطنيها، أي كفر الديار يستتبع بالضرورة كفر العوام والسكان، كما قال أبو عمر البغدادي في كلمة "قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي": "نعتقد بأنّ الديار إذا عَلَتها شرائع الكفر، وكانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام فهي ديار كفر، ولا يلزم هذا أن نكفّر ساكني الديار، وبما أنّ الأحكام التي تعلو جميع ديار الإسلام اليوم هي أحكام الطاغوت وشريعته، فإننا نرى كفر وردة جميع حكام تلك الدول وجيوشها، وقتالهم أوجب من قتال المحتل الصليبي، لذا وجب التنبيه أننا سنقاتل أي قوات غازية لدولة الإسلام في العراق، وإن تسمت بأسماء عربية أو إسلامية"

محمد عبدالسلام ذكر في "الفريضة الغائبة" أنّ الخروج على الطائفة التي امتنعت عن الشريعة الإسلامية واجب، والإستراتيجية للخروج على الحاكم تتحدد وفق ذلك بمعيارين هما؛ تحديد العدو القريب والعدو البعيد، وأنّ القتال فرض، يقول فرج "إنّ هناك من يقول إنّ ميدان الجهاد اليوم هو تحرير القدس كأرض مقدسة، والحقيقة أن تحرير الأراضي المقدسة أمر شرعي واجب على كل مسلم، لكن يجب توضيح أنّ قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد"، وهو يقصد بالطبع الحكام


كانت الفصائل الإسلاموية بعد طرح القتال عن طريق الصائل والأعوان والطائقة، والحكم بالردة على الشعوب، ستصطدم بأخرى من الأهالي، من معارضيها، فطرحت ما يسمى التكفير بالموالاة، وظهرت دراسات عن "العذر بالجهل"، و"الموالاة"، وهما رد على جماعة التكفير والهجرة؛ حيث منعت الأولى تكفير المسلم بارتكابه الكفر لاحتمال أن يكون جاهلاً، ومن ثم لا يحكم بكفره إلا بعد قيام الحجة التي يكفر جاحدها، وتمثل هذه القاعدة قيداً كبيراً على عملية التكفير، وتم تقسيم الموالاة للكافرين إلى: ظاهرة لا يخرج صاحبها من الإسلام، وباطنة تخرج صاحبها من الإسلام، وهذا التقسيم يمنع إطلاق الكفر على الموالين للكفار بمجرد عمل ظاهر، إذ لا بد من إثبات الجانب القلبي، فالرجل الذي يتجسس على المسلمين للكفار


 وهو يبغض الكفار لا يكفر لأنّها موالاة ظاهرية، لكن جماعات أخرى أجازت التكفير بالموالاة، وقتل المدنيين، وعدم العذر بالجهل، ووفق نواقض الإيمان، تم تقسيم الناس إلى مدني وعسكري، رغم أنّه في كتب التراث، يوجد التقسيم: المقاتلة، وهم الرجال البالغون خمسة عشر عاماً فما فوق، وغير المقاتلة، وهم الأطفال دون البلوغ والنساء والشيوخ الطاعنون في السن والمرضى أمراضاً مزمنة، ورأوا أنّ المسلم الذي يُقتل بين الكفار هو غير معذور، في مخالفة لجماعات أخرى ترى أنه سيبعثه الله على قدر عمله يوم القيامة!

"داعش" ترى أنّ هناك إجماعاً من العلماء على جواز اقتحام المهالك في الجهاد، وجواز حمل الواحد على العدد الكثير من العدو في الجهاد وإن تيقّن الهلكة، وهي تتوافق مع القاعدة في ذلك، كما ترى خروج من قتل نفسه لمصلحة الدين عن النهي الوارد في قتل النفس، وكل هذا لا فرق بينه وبين ما تدين به التيارات الأخرى مثل تنظيم القاعدة، إلا أنّهم يقرّون بمشروعية قتل النفس أثناء الانغماس في فئة من الذين حكموا عليهم بالردة، على سبيل المثال كـ"جبهة النصرة"، حيث استدل صاحب كتاب، "مكتبة الدولة الإسلامية، أحكام الغارات الفدائية والتترس"، عبد المجيد عبدالماجد الأثري، من سلسلة بناء الشخصية المسلمة، على جواز إتلاف النفس لمصلحة إعزاز الدين وإظهاره، وهو نفس كلام الظواهري في كتابه (ريح الجنة) عن جواز إتلاف النفس لمصلحة الدين، عن طريق الاستدلال بما فعله الغلام في قصة أصحاب الأخدود، وقوله للملك: إنك إن قلت باسم الله رب الغلام قتلتني


رغم أنّ ما فعله الغلام في شرع ما قبلنا، إلا أنّهم عبّروا في كتبهم عن العمليات الفدائية وسمّوها الانغماس في الكفار وفي الفئة التي حكموا عليها بالردة، ونقل الأثري في ذات الكتاب إجماع العلماء على جواز اقتحام المهالك في الجهاد، وأنّ السلف أجازوا قتل المتترس فى حال الضرورة، لأنّ هناك نصوصاً تحثّ على الإقدام على العدو، وتثني على من اقتحم على العدو رغم تيقنه الموت فيها، بشرط أن تكون نيته خالصة لإعلاء كلمة الله، ووجه الشبه بين التترس والعمليات الاستشهادية، أنّه في كلا الحالتين تم إزهاق نفس مسلمة لمصلحة الدين، مما يخرجها عن أصل حرمة قتل النفس، ويجعلها ممدوحة مثني على فاعلها.


إن الذين أجازوا قتل المدنيين، رجعوا لمتون قديمة حول قتال أبي بكر لمانعي الزكاة، وفتوى ماردين لابن تيمية، أو ما يسمى فتوى التمترس، ورغم أنهم أجمعوا على هذا القتال، إلا أنهم اختلفوا؛ فبعضهم أجاز القتال دون تكفير، فهناك من الإسلامويين من يرى العذر ببعض الضوابط، مثل التأويل والإكراه، وهناك من يرى أنه لا عذر لطوائف دون غيرها مثل الشرطة والجيوش، وآخرون يرون بعدم العذر حتى للأعوان، أي كل الطوائف المعينة للحكام، لكن ما تطور في تلك المسائل الحكم بإنزال أحكام الديار على قاطنيها، فتعتبر "داعش"، في أقوال بعض شرعييها، أنّ كل الدول الآن هي دور كفر، وأنّه وجب الهجرة لدار الخلافة، وأنّ قاطني الديار كَفَرة إلا إذا ثبت إيمانهم، وهو نفس القول لجماعة التوقف والتبيّن بمصر، والجماعة الإسلامية المسلحة بالجزائر.


كل الجماعات السابقة انتقلت من الحديث حول قضية نواقض التوحيد المعاصرة، إلى الحديث عن القضية الخاصة بالجهاد؛ أي الانطلاق من الخصوص إلى العموم والمفاصلة مع من أطلق عليهم المرتدين.كان العمدة في ذلك كتاب (ملة إبراهيم)، للأردني "أبو محمد المقدسي" أحد أكبر منظري السلفية الجهادية، وكتاب (مسائل في فقه الجهاد) للمصري "أبو عبدالله المهاجر"، المنظر الأكبر لجماعة داعش، حيث ذكرا عدة مرتكزات فكرية هي:

1- الأولوية لدعوة الناس إلى التوحيد؛ الذي هو حق الله على العبيد، وشرح هذا التوحيد للناس، والتركيز على نواقض التوحيد المعاصرة، وهذا ما يطلق عليه بالحاكمية.

2- الولاء والبراء، هو من أوثق عرى التوحيد، وإنّ من أول الواجبات على الموحِّد أن يبرأ ويكفر بالأرباب المتفرقين والمسميات الكثيرة التي تعبد من دون الله، وتتمثل في زماننا بصورة الحكام والمشرعين وقوانينهم.

0 Comments: