الاثنين، 27 مايو 2024

خارطة نفوذ الإرهاب في دول الساحل الأفريقي

 

افريقيا


خارطة نفوذ الإرهاب في دول الساحل الأفريقي

تنشط في منطقة الساحل الأفريقي في الوقت الحالي مجموعة من الجماعات الإرهابية، تتوزع ولاءاتها بين معسكرين رئيسيين، هما تنظيما (القاعدة) و(داعش)، المعسكر الأوّل يضم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، ويقودها الجزائري أبو عبيدة يوسف العنابي، وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين، و"إمارة منطقة الصحراء الكبرى".

يضم معسكر (داعش) في منطقة الساحل الأفريقي تنظيم " داعش في غرب أفريقيا"، وهو الذي نشأ في آب (أغسطس) 2016، بعد انشقاق حدث داخل جماعة "بوكو حرام" النيجيرية، عندما أعلن تعيين النيجيري أبو مصعب البرناوي، نجل مؤسس "بوكو حرام" محمد يوسف، خليفة لقائد "بوكو حرام" وقتها، النيجيري أبوبكر شيكاو، الذي رفض ذلك، وأعلن أنّه ما زال قائداً لـ "بوكو حرام، وقتل البرناوي في تشرين الأول (أكتوبر) 2021 على يد الجيش النيجيري، وعيّن مالام باكو خليفة له، قبل أن يقتل على يد الجيش النيجيري في الشهر نفسه، في ضربة موجعة للتنظيم.

ويتقاسم (داعش) مع (القاعدة)، وفق الكاتب سامي جولال في تصريح إعلامي، مناطق سيطرتهما الخاصة، لكنّهما يتقاطعان في بعض المناطق، من بينها مثلث الرعب" المتمثل في بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، ويدخلان في مواجهات وصراعات حول النفوذ.

ومن أهم القيادات العليا في تنظيم (داعش) يوسف ولد شعيب، زعيم داعش في الصحراء الكبرى، وقائد العمليات العسكرية وقاضي الجماعة في ولاية مينكا، أمية أغ البكاي، قائد العمليات العسكرية للجماعة في منطقة أربندا في "تيسي" و "إنتللت" بولاية غاوا، الذي تم إطلاق سراحه في أواخر حزيران (يونيو) 2023 في صفقة سرية بين مالي وتنظيم الدولة، واندين اغ المنير، وكنيته (أبو هريرة)، من أصول طوارقية، وهو مطلوب حاليّاً من قبل بوركينا فاسو، ووضعت مكافأة مالية للقبض عليه قدرها (100) مليون سيفا، وهو حاليّاً في منطقة تاندجدجورن في منطقة تيسي.


وفي دراسة لمركز (أبعاد) للدراسات أنّ تنظيم (داعش) بدول الساحل ينتشر في المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، ومن أهمّ المناطق ليبتاكو جورما وفي حوض بحيرة تشاد، وحول مدينة ميناكا في منطقة غاو في مالي حتى منطقة موبتي، ومنطقة تيلابيري في النيجر بالقرب من قرية تونغو، على طول الحدود مع مالي إضافة إلى منطقة جورما وشرق بوركينا فاسو.

وينشط التنظيم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، في المنطقة المعروفة بالمثلّث الحدودي، وقد سيطر التنظيم على مدينة "تيديرميني" إحدى أبرز مدن ولاية ميناكا شرق مالي، ويحاصر مدينة ميناكا ذاتها -مركز الولاية.

ومن الناحية العسكرية تركزت تحركات التنظيم في عام 2023 بمناطق "فتلي" و"هورارا" و"تادنجدجورن" في منطقة "تيسي" قرب الحدود مع النيجر، المعروف بـ "مثلث الموت"، وسيطر على أغلب دوائر ولاية مينكا خصوصاً في مناطق "تاملت" و"إنشنانن" و"أضرنبوكار" و"إنيكر" وغيرها، كما تمدد حتى وصل إلى منطقة "انتديني intadayne" التي تبعد عن الحدود الجزائرية (207) كيلو مترات، وذلك بتاريخ 25 نيسان (أبريل) 2023.

كما تتزايد أنشطة تنظيم الدولة العنيفة في أنسونغو وأودالان وسينو وغاو في الصحراء الكبرى، ويفرض (الضرائب) القسرية وينخرط في سرقة الماشية من أجل تحقيق الإيرادات، لذا ظهر التنافُس بينه وبين القاعدة في هذه المناطق بديناميات التنافس القَبَليّ، في ظل اعتماد كلّ من التنظيمين على تحالفات إثنية وقَبَليّة تتداخل فيها العوامل الاجتماعية مع العوامل التنظيمية، حيث تنتشر -بشكل أساسي- جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، والتي تنفذ معظم هجماتها في مالي، وتعمل على التقارب مع المجتمعات المحلية بهدف كسب دعمها إلى جانب حركة تحرير ماسينا.

قال: إنّ تنظيم (داعش) يتوغل في منطقة أودالان البوركينية، الواقعة على الحدود مع مالي والنيجر، ويتنافس معه مسلحو جبهة تحرير ماسينا، فضلاً عن فلول أنصار الإسلام، إضافة إلى منطقة بام ولوروم ونامنتينجا وسانماتنجا وياتينجا، وفي المناطق الحدودية بين بوركينا فاسو ومالي وساحل العاج حيث توجد شبكات راسخة لتهريب الأسلحة والأغذية ومواقع أنشطة تعدين الذهب.

أمّا (جماعة أنصار الإسلام، وجبهة تحرير ماسينا، والمرابطون والتوحيد والجهاد)، الذين شكّلوا جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في تحالف عام 2017، وحتى الآن بقيادة إياد أغ غالي، فوفق الكاتب كولين بي كلارك في مقال له بمعهد LAW FARE للدراسات يقول: إنّهم يتواجدون في منطقة، ليبتاكو - غورما الواقعة في أجزاء من شمال مالي وبوركينا فاسو والنيجر حيث قبائل الفولاني، وشعوب الطوارق والغورما، وأصبحت هذه المنطقة بؤرة لجماعة أنصار الإسلام البوركينانية، وجبهة تحرير ماسينا، وتمثل المقاطعات الـ (5): أنسونغو، وغاو، وأودالان، وسوم، وسينو ما يقرب من ربع حوادث العنف المرتبطة بالجهاديين الإسلامويين المتشددين.

وقد توغلت (جماعة نصرة الإسلام) في قبيلة الطوارق، ومجتمعات العرب والفولاني والسونغاي والبمبارا، وشملت جاذبيتها مجموعات عرقية أخرى مثل الدوجون، وسهل سينو جوندو، ومينيانكا في منطقة سيكاسو، ومور وبيسا في أجزاء مختلفة من بوركينا فاسو، وانعكست هذه المجموعات العرقية على خطابها الإعلامي، ومن أجل أن تتجاوز مجموع مكوناتها، وبين منتصف عام 2020 حتى نهاية عام 2023 قامت بمجموعة من الإصلاحات وإعادة الهيكلة استجابة لنمو التوترات بينها وبين إمارة الصحراء الكبرى، حيث اندلع قبلها بأعوام الصراع بين المجموعتين.


كما تمكنت نصرة الإسلام من النجاح وتوحيد صفوفها وأخرجت داعش من معاقلها، وطورت نظاماً يحافظ على المستوى الداخلي والتماسك من خلال تحقيق توازن أكثر فعالية بين الاستقلال والاعتماد المتبادل بين مختلف فصائله، ويسمح هذا الهيكل الجديد للفصائل الفردية بالحفاظ على درجة الاستقلال مع الاستمرار في التعاون وتنسيق جهودهم مع الفصائل الأخرى داخل التنظيم.

وقسّمت الجماعة المستوى المحلي إلى التسلسل الهرمي للقيادة على نطاق واسع إلى (3) طبقات، وهي: مجموعة القيادة المركزية (مجلس الشورى)، والقادة الإقليميون (أمراء المناطق) المشرفون على العمليات في مناطقهم المحددة، وقادة المناطق (أمراء المركز) على المستوى المحلي، وضمنت القيادة التوجه الاستراتيجي العام، والتماسك بين مختلف الأطراف والفصائل، والتنسيق مع المنظمات الأم والشريكة، مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وغيره من الجماعات، ومن أجل زيادة نفوذها على المجتمعات المعزولة، تحاول هي والجماعات المنضوية تحتها استغلال حدود النيجر مع مالي وبوركينا فاسو ومناطق تيليا وأولام وبانيبانغو.

وتعمل نصرة الإسلام وفق معهد الأمن الأفريقي في مقاطعتي غوثيي وتورودي في غرب النيجر، التي تقع على الحدود مع بوركينا فاسو، حيث قادت حملة قوية باستخدام المتنزهات والمحميات الطبيعية كملاذ، كما تعمل في منطقة الحدود الثلاثية التي تغطي أجزاءً من شمال مالي، وفي ليبتاكو غورما حيث تقاتل العديد من الجماعات المسلحة، وفي كايا، العاصمة الإقليمية وخامس أكبر مركز حضري في بوركينا فاسو، وهذه المنطقة هي الأخرى تُعدّ منطقة مناجم ذهب ضخمة، بما في ذلك (3) مناجم صناعية على الأقل وعشرات المناجم الحرفية المسجلة، حيث تسعى الجماعات المتشددة للسيطرة على هذه المواقع كمصدر رئيسي للدخل.

وأصبحت المقاطعات الـ (5) في هذه المنطقة، وهي: أي بام، ولوروم، ونامينتينغا، وسانمينتنغا، وياتنغا، موقعاً رئيسيّاً لتوسع جبهة تحرير ماسينا (FLM) وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) في بوركينا فاسو، وأيضاً جوثي وتورودي، وهما المنطقتان الوحيدتان حيث يعمل تحالف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في غرب النيجر.

وفي دراسة لمركز (أفريقيا للدراسات)، أنّ وسط مالي أصبح معقلاً لـ (حركة تحرير السودان)، بما في ذلك باندياجارا وبانكاس وجيني ودوينتزا وكورو وموبتي، وأيضاً جبهة تحرير الكونغو التي أحكمت قبضتها على منطقة دوينتزا، وفي شرق بوركينا فاسو على طول الحدود مع النيجر بمنطقة جورما، وفي المتنزهات الطبيعية الممتدة إلى النيجر وبنين في بولغو وكولبيلوغو على حدود غانا إلى توغو حيث تجار الذهب، فضلاً عن العصابات الإجرامية وعصابات الصيد على طرق التجار.

ويتواجد (تنظيم بوكو حرام وداعش - ولاية غرب أفريقيا) في نيجيريا وتشاد جنوب ووسط ولايتي بورنو ويوبي، بالإضافة إلى وجود الولاية في جميع دول منطقة بُحيرة تشاد، وتشير تقديرات حديثة إلى أنّ "ولاية غرب أفريقيا" ضاهت "بوكوحرام" من حيث النفوذ بل تفوقت عليه، إذ قدّر مجلس الأمن الدولي قوات "الولاية" في 23 شباط (فبراير) 2021 بحوالي (5) آلاف مُقاتل، بينما قُدرت قوات "بوكوحرام" بحوالي (2000) مُقاتل، ويلاحظ أنّ هجمات الفصيل الداعشي تصاعدت خلال عام 2023 بصورة أكبر، ووصلت إلى (482) عملية مقابل (385).



وترغب ولاية غرب أفريقيا في التوسع، وتتبع جماعة بوكو حرام استراتيجية مُعاكسة تقوم على "إعادة الانتشار"، كما يعمل تنظيم داعش على نسج علاقات قوية مع عصابات الإجرام لتوحيد صفوفه وتعويض ما فقده من عناصر، الأمر الذي يشير إلى أنّ الصدام والتنافس بين الفصيلين قد يتصاعد مرة أخرى خلال الأعوام المقبلة، وخلال العام الماضي حاول "تنظيم داعش في غرب أفريقيا" الظهور بمظهر الحريص على حياة المدنيين في الكاميرون من خلال مهاجمة الجيش فقط، وهو أمر نراه بالفعل في مناطق أخرى من أجل كسب التعاطف.

وحسب مؤشر الإرهاب العالمي، فإنّ التنظيم غيّر في تكتيكاته المستخدمة في العمليات الإرهابية، فلم يعد يركز ـ كما في السابق ـ على التفجيرات، التي شكلت 7% فقط من الهجمات الإرهابية لعام 2022، بل يركز على الهجوم المسلح (40% من هجماته) واحتجاز الرهائن (36%)، ويجيء في المرتبة الأولى إرهابيّاً، فقد أسقط بهجماته (4188) ضحية، والعدد التقريبي لأعضاء التنظيم (3500) إرهابي، ويستهدف الكاميرون وتشاد ونيجيريا والنيجر.

ويثبت مركز (المستقبل للدراسات) في إحدى دراساته أنّ (داعش بالصحراء الكبرى) اتجه إلى توسيع نطاق نشاطه في مناطق مختلفة داخل دول منطقة الساحل والصحراء، خاصة النيجر، واستند إلى تكتيك الكمائن من خلال زرع متفجرات أو عبر تنفيذ هجمات مباغتة، وهي سياسة كان يعتمدها في شمال سيناء أيضاً.

واتضح في هذه المنطقة تبلور نسخ "داعشية" مستقلة، من أجل تعزيز النفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ومحاولة تصدر خارطة التنظيمات "الداعشية"، في ظل وجود انقسامات بين التنظيم الرئيسي والفروع، على نحو يزيد من احتمالات اتجاه بعضها إلى الاستقلال عنه.

0 Comments: