الأحد، 19 مايو 2024

الفلبين بين مطرقة الإخوان وسندان داعش

 

الإخوان


الفلبين بين مطرقة الإخوان وسندان داعش

تعيش الفلبين منذ عقود طويلة، فصلاً من فصول العنف الذي يرتكب باسم الأقليات المسلمة في جنوب شرق آسيا، وربما يعود ذلك إلى فشل الحكومات المتعاقبة في دمج نحو 5.1 مليون مسلم ومنحهم المواطنة الكاملة، بالإضافة إلى أنشطة التيارات الأصولية التي تسعى تجاه فرض العزلة على المسلمين ودفعهم نحو الانفصال.

ومنذ العام 1969، تحولت المطالبات السياسيّة للمسلمين في إقليم مورو بالفلبين، إلى حرب مفتوحة بين المتمردين والقوات الحكومية، وذلك في أعقاب مجزرة جابيدا، قبل أن يؤسس نور ميسواري، الجبهة الوطنية لتحرير مورو، التي حملت على عاتقها تكوين دولة خاصّة بالمسلمين، تضمّ جزيرة مينداناو، وأرخبيل سولو، ومقاطعة بالاوان.

ومع تواصل الصراع المسلح، ظهرت عدة مليشيات إسلاميّة إلى جانب جبهة تحرير مورو، أبرزها جماعة أبو سيّاف، ما جعل الإقليم بؤرة نشطة لاستقطاب الجهاديين من أنحاء العالم، في ظل قيام أطراف خارجية بدعم حركة التمرد بالمال والسلاح.

يبدو المؤثر الإخواني شديد الحضور في مرحلة تأسيس جبهة مورو؛ حيث كان القيادي الإخواني سلامات هاشم أحد المؤسّسين، قبل أن يعلن انشقاقه في العام 1977، بداعي تخلي قيادات الجبهة عن الكفاح المسلح، وورضوخهم للتفاوض مع الحكومة.

بعد خروجه من الجبهة، أسّس سلامات هاشم جبهة مناضلي بانغسامورو الإسلاميين في سبيل الحرية (BIFF)، والتي أصبحت بمثابة الذراع الإخوانية في الفلبين، وهي مجموعة تميل بحكم تكوينها إلى أفكار سيد قطب؛ حيث يمثل الطلاب قوامها الرئيسي، وبعضهم درس العلوم الدينية في الأزهر، وعقب وفاة هاشم في العام 2003، تولى القيادي الإخواني، مراد إبراهيم رئاسة الجبهة، التي تمتلك ميليشيات مسلحة مدربة على حرب العصابات.


ويلعب الإخوان دوراً مركزياً ضمن حركة التمرد؛ حيث استغلت الجماعة اعتراف منظمة المؤتمر الإسلامي بجبهة تحرير مورو، لتحصل جبهة بانغسامورو باعتبارها فصيلاً منشقاً عن الجبهة على دعم مالي كبير من بعض الدول الإسلاميّة، وتجنح بانغسامورو دوماً نحو ممارسة الضغط العسكري، كما يمارس التنظيم الدولي حملات دعائية لصالح الجبهة، التي تحظى بدعم الأذرع الإخوانية في ماليزيا وإندونيسيا.

حتى العام 2012، سقط أكثر من ستة آلاف قتيل، وفشلت كلّ المحاولات الحكومية الرامية إلى سحق التمرد المسلح، لكنّ الجيش الفلبيني نجح في شن حملات عسكرية عنيفة، بالتنسيق مع دول جنوب شرق آسيا، في ظل تزايد العمليات الإرهابية التي استهدفت مدنيين، وبحلول الربع الأول من العام 2020، ومع الظروف الاستثنائية الناتجة عن تفشي وباء كوفيد-19، نجحت الفلبين في إحكام السيطرة والمراقبة، ما أتاح لدول جنوب شرق آسيا التي تسعى إلى تفكيك الجماعات الإرهابية، الفرصة للقيام بذلك. كما أنّ الوباء أجبر المليشيات الجهادية على وقف العمليات عالية الكثافة.

وتشير البيانات الجديدة، التي تم جمعها بواسطة برنامج أبحاث جنوب شرق آسيا، التابع للبرنامج الدولي للسلامة، إلى أنّ تأثير الوباء على الأنشطة الإرهابيّة في الفلبين كان عابراً، فبعد حالة الهدوء التي صاحبت الربع الأول من العام 2020، حدثت ذروة تصاعدية كبيرة في الربع الثالث.

أدّت القيود المفروضة على الحركة؛ بسبب الحالة الوبائية إلى لجوء التنظيمات الجهادية إلى عالم الإنترنت؛ من أجل توسيع عمليات الاتصال والتجنيد، وأدّى هذا بدوره إلى زيادة عدد العمليات الإرهابية منخفضة الكثافة في الفلبين مثل؛ إطلاق النار من السيارات، وعمليات الاختطاف وغيرها.

وفي آذار (مارس) 2020، ومع وصول معلومات تؤكد نية جماعة أبو سياف شن عدة هجمات إرهابية، تمّ حشد قوة تابعة للجيش الفلبيني في ماجوينداناو؛ لاستباق هذه الهجمات، وبعد أسبوع من الحملة، شنّ الجيش غارة كبيرة على مقاتلي جبهة بانغسامورو الإخوانيّة؛ أسفرت عن خسائر فادحة في كلا الجانبين. 

بالتزامن مع ذلك، واصل مقاتلو الميليشيات الإسلامية مهمات التدمير والإغارة، مع وقوع عدد من أحداث القتال المفتوحة في جميع أنحاء سولو. في إحدى الحالات، اشتبكت قوات الجيش الفلبيني مع ما يقرب من 40 عنصراً من الميليشيا الإسلاميّة في باتيكول، ما أسفر عن مقتل 11 مسلحاً، و14 جندياً.


وفي حزيران (يونيو) من العام نفسه، نجحت قوات الجيش في مداهمة بعض العناصر الجهادية، وفي أعقاب ذلك، شهدت جولو تفجيراً مزدوجاً، بدراجة نارية مفخخة، وهجوماً انتحارياً، أسفر عن مقتل 14 شخصاً وإصابة 74 آخرين، وفي كانون الثاني (يناير) 2021، اغتال مجهولون جنرالاً متقاعداً من الشرطة في بانجاسينان، كما قُتل مسؤول حكومي في ماجوينداناو، في أيّار (مايو)، كما استمرت عمليات الاختطاف التي تعرض لها الصيادين، بالقرب من جزيرة تاوي، على مدار العام.

مع عودة المجاهدين من سوريا والعراق، في أعقاب سقوط الرقة، ظهر تنظيم داعش بقوة في جنوب شرق آسيا؛ لتصبح المنطقة أبرز محاور الإرهاب الإسلامي العالمي، وأدّت عمليات التجنيد والدعاية المستمرة عبر الإنترنت إلى تنامي قدرات داعش، وبالتالي تمكن التنظيم من شن عدة عمليات متفرقة، ونشبت معارك محدودة بالأسلحة النارية، وتنوعت الأعمال الإرهابية ما بين الاشتباكات، ونصب الكمائن، والقتال المفتوح.

ومع تزايد أنشطة تنظيم داعش في الفلبين، عاود الجيش تكثيف عملياته العسكرية، ففي الأول من آذار (مارس) الماضي، قصفت طائرات مقاتلة من طراز FA-50، التابعة للجيش الفلبيني، المعسكرات المشتبه بها لتنظيم داعش، بينما شنّت القوات البرية، عملية بحجم لواء في ماجوينج، ولاناو ديل سور.

من جهته، قال العميد خوسيه ماريا كويربو، قائد لواء المشاة 103 بالجيش الفلبيني، إنّ اثنين من أعضاء جماعة الدولة الإسلامية قتلا، بينما أصيب ثلاثة جنود، في أعمال قتالية وقعت في المناطق النائية من بلدة ماغينغ. لافتاً إلى أنّ "الجنود استولوا على بندقيتين هجوميتين، ومدفع رشاش من عيار 0.30 من المسلحين". وسبق العمليات البريّة ضد المسلحين، قصف مُركز بطائرات سلاح الجو، من قاعدة إيبوين الجوية في ماكتان سيبو؛ بهدف تقديم الدعم للجنود على الأرض، من خلال تفجير ألغام أرضية مضادة للأفراد، زرعها المسلحون على طول الطريق المؤدي إلى المعسكرات.

من جانبه، ناشد قائد القيادة الغربية للقوات المسلحة الفلبينية، الفريق ألفريدو روميرو جونيور، الأهالي التزام الهدوء، مؤكداً أنّ الجيش سيعطي الأولوية لسلامتهم، لافتاً إلى أنّ العملية العسكرية جراحية، وتستند إلى معلومات دقيقة حول الأهداف. وأضاف: "لقد رصدنا هذه العصابة الإرهابية لفترة طويلة؛ وحالياً نقوم بعملية موجهة ضدهم".

على صعيد آخر، ربط الجيش الفلبيني بين تنظيم الدولة الإسلاميّة، والانفجارات التي جرت في مدينتي تاكورونغ، وكورونادال، يوم 26 أيّار (مايو) الماضي، وقال العميد إدواردو جوبات، قائد فرقة المشاة السادسة في الجيش، وقوة المهام المشتركة المركزية، إنّ الانفجارين كانا رد فعل من تنظيم الدولة الإسلاميّة، على الهجمات العسكرية الأخيرة في إقليم ماجوينداناو.

كانت قنبلة قد انفجرت في مؤخرة حافلة متحركة، في مدينة كورونادال، ما أدى إلى إصابة سائق دراجة ثلاثية العجلات، كان يسير خلف الحافلة، كما جرى انفجار آخر بالقرب من مطعم في بوروك بارايسو، في مدينة تاكورونغ، ولم أحد يصب بأذى، لكنه خلّف أضراراً فادحة.


بدوره، شنّ الجيش الفلبيني غارات جوية مكثفة، صاحبها قصف بالمدفعية تجاه أوكار جماعة الدولة الإسلامية في سيتيو باتوالي، وبارانغاي غانتا، وداتو ساليبو، وماجوينداناو، أدّت بحسب تقارير عسكريّة رسميّة إلى إصابة أبو طريف، زعيم فصيل الدولة الإسلامية في المنطقة بجروح خطيرة، بالإضافة إلى 17 آخرين. كما قتلت الهجمات العسكرية، اثنين من مقاتلي جبهة بانغسامورو الإخوانيّة، بالإضافة إلى المقدم تشارلي باناج، قائد كتيبة المشاة السادسة بالجيش.

لم تكن هوية القائد الجديد لتنظيم الدولة الإسلامية في شرق آسيا معروفة، حتى وقت قريب، حيث كشف العميد خوسيه ماريا كويربو، قائد لواء المشاة 103 بالجيش الفلبيني، عن معلومات حصلت عليها أجهزة الاستخبارات الفلبينية، تؤكد أنّ جير ميمبانتاس، والمعروف بـخير الدين حاج ستار المكنى بأبو زكريا، هو أمير جنوب شرق آسيا الجديد (الفلبين-تايلاند-ماليزيا).

كويربو قال إنّ مجموعة أبو زكريا، اندمجت مع فلول جماعة إسلاميّة أخرى، كان يقودها صلاح الدين حسن، في وسط مينداناو، وبعد أن قُتل حسن وزوجته خلال مداهمة في مدينة طلايان، في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، انضمت جماعته إلى مجموعة أبي زكريا.

وعليه فإنّ حالة التضامن العضوي بين الجماعات الإسلاميّة المسلحة في الفلبين، تنذر بعواقب وخيمة في الإقليم، حيث تلجأ فلول تلك الميليشيات، تحت الضغط العسكري، إلى الاندماج فيما بينها، الأمر الذي ينذر بحرب عصابات طويلة المدى.

0 Comments: