الجمعة، 7 يونيو 2024

ألسنة حداد... لماذا يواجه الإخوان والإسلاميون مخالفيهم بالسب والتشويه؟

 

الإخوان والإسلاميون


ألسنة حداد... لماذا يواجه الإخوان والإسلاميون مخالفيهم بالسب والتشويه؟

المتابع لعدد من صفحات الإسلاميين من تيارات مختلفة على وسائل  التواصل الاجتماعي يجد مجموعة من السلوكيات المتكررة التي تبدو كظاهرة، تتمثل هذه السلوكيات في استخدام الألفاظ النابية والشتائم بأنواعها وبدرجاتها المختلفة تجاه المختلف معهم أو المخالف لهم في أيّ رأي أو فكرة أو توجه، ويظهر ذلك في مواقف كثيرة سواء من جانب أصحاب الصفحات أنفسهم أو من جانب مئات وآلاف المتابعين لهم من الذين يتأثرون بأفكارهم وخطابهم


 كما يظهر في العديد من التعليقات من أشخاص واقعين تحت التأثير نفسه على صفحات أخرى يقومون خلالها باستخدام الأسلوب ذاته للتعبير عن موقفهم تجاه شخص ما أو فكرة ما مخالفة لما يعتقدون من أفكار وما يتبنّون من قناعات، بشكل يجعل الكثير منّا يتساءل عن السبب في ذلك التناقض وتلك المفارقة العجيبة بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون! كيف لأفراد من المفترض أنّهم دعاة إلى الدين أو أنّهم متدينون، ومن المفترض أن يتحلوا بالقيم الدينية التي تحضّ على الأخلاق الحسنة، كيف لهم أن يمارسوا تلك السلوكيات التي تتنافى مع الدين والأخلاق؟

من أبرز السمات التي تميز التيار الإسلامي بمكوناته المختلفة وبتنظيماته وتياراته الفرعية أنّ كلّاً منهم يرى أنّه هو الذي يملك الحق المطلق مقابل الآخر الذي يمثل الباطل المطلق، وأنّه هو الذي يفهم الإسلام على الوجه الصحيح، ومن ثم يدافع عنه مقابل الآخر الذي يفهمه فهماً مغلوطاً أو يعادي الدين من الأساس، وهذه صورة متطرفة تجعل نظرة الفرد ورؤيته للأمور والأشخاص والأفكار غير سليمة، وينتج عنها عدة نتائج؛ منها عدم تقبل الخلاف والتنوع في الفكر والرأي، والرفض المطلق للمخالف ولأفكاره وآرائه، والنظر إليه، خاصة غير الإسلامي، على أنّه معادٍ للدين ومحارب له، والحدة معه في النقاش وفي إطلاق الأحكام عليه، والتعصب في التعبير عن الرأي، واستخدام أساليب غير أخلاقية وألفاظ ومصطلحات تمثل سبّاً، وتتعمد التقليل منه وتحقيره. 

في دراسة قام بها الباحث الاجتماعي والسياسي الأمريكي (ليرد ويلكوكس) للخطاب الخاص بعدد من غلاة الجماعات السياسية والاجتماعية المتطرفة في أمريكا وخارجها، توصّل إلى عدد من الخصائص التي تتسم بها تلك الجماعات، والتي ينطبق عدد منها على هؤلاء المنتمين للتيارات والتنظيمات الإسلامية وكثير من المتأثرين بخطابهم من المتابعين والمؤيدين، ومن خلال التعرف على هذه الخصائص يمكننا فهم وتفسير تلك الظاهرة التي تتعلق بممارسة السب والتشويه من جانب بعض الإسلاميين تجاه مخالفيهم، وقد تناول هذه الخصائص بالعرض والشرح الدكتور شاكر عبد الحميد في كتابه (التفسير النفسي للتطرف والإرهاب)، ومن بين هذه الخصائص التي يتسم بها المتطرفون، أنّهم يتسمون بالرؤية الثنائية الضدية للعالم


 حيث يميلون إلى رؤية العالم وتصنيف البشر إمّا كخيرٍ محض، وإمّا كشرٍّ محض، ولا يوجد لديهم درجات وسطى بينهما، كما يتسمون بالميل إلى النظر إلى خصومهم ومنتقديهم على أنّهم أشرار بطبيعتهم، ويرونهم مجموعة من الأشخاص الذين تتوافر فيهم كل السمات السيئة لمجرد أنّهم لا يتفقون معهم في أقوالهم ومعتقداتهم، أو لأنّهم لديهم اهتمامات تعارض اهتماماتهم، ويتسمون كذلك بإطلاق التعميمات، ولا يستطيعون التفرقة بين المختلفين معهم من حيث أوجه الاختلاف أو درجته أو أسبابه، وبالتالي يوجهون سخطهم ونقدهم ويمارسون السب والتشويه تجاه كل مختلف معهم بالطريقة والدرجة نفسها، ويتسمون أيضاً بممارسة الاغتيال المعنوي للشخصيات


 ويركزون في هجومهم على خصائص خصومهم الخَلقية والخُلقية ودوافعهم وصفاتهم وتاريخهم أكثر من تركيزهم على الآراء والحقائق والقضايا المثارة، كما يميل المتطرفون إلى تخويف وترهيب وتهديد خصومهم من أجل أن يفرضوا آراءهم، ويتسمون كذلك بأنّهم يفترضون في أنفسهم تفوقاً أخلاقياً على الآخرين، وأنّهم الصفوة والأخيار، ويتسمون بأنّ لديهم قناعة بأنّ ثمة نتائج كارثية سوف تترتب على عدم اتباع الناس لأفكارهم أو عدم نصرتهم لها، ويتسمون أيضاً بتفكيرهم بأنّ القضية العادلة يجوز فيها استخدام أمور سيئة، ولذلك قد يلجؤون إلى تشويه الحقائق وتلويث سمعة الآخرين والطعن في شرفهم، فكلّ شيء مباح طالما كانت القضية عادلة من وجهة نظرهم



 ويتسمون أيضاً بالحساسية العالية تجاه أيّ نقد، ويتخيلون وجود الرفض والمعارضة لهم حتى في الحالات التي ربما تحمل نصيحة مخلصة لهم، ويرى الباحث كذلك أنّ المتطرفين، خاصة المنتمين لحركات دينية متطرفة، يستخدمون منطقاً ما ورائياً من أجل تبرير معتقداتهم وأفعالهم، فيرون أنّ حركتهم وقضيتهم تجسدان أوامر الله، وأخيراً يتسمون بالميل إلى شخصنة حالة العداء، حيث يتمنون غالباً أن يلحق سوء حظ شخصي وكوارث بأعدائهم، ويحتفلون عندما يحدث لأحد خصومهم أو المختلفين معهم حادثة أو يصاب بأذى، وبالتالي فكل هذه السمات عندما تتوافر في الفرد المنتمي لجماعة أو تيار ديني أو متأثر بهم، فإنّها تنتج ذلك السلوك تجاه أيّ شخص يحمل فكرة مخالفة أو يقدّم نقداً لأفكاره.


يستند الإسلاميون الذين يمارسون ذلك السلوك تجاه مخالفيهم إلى عدد من الآراء الفقهية التي تجيز سبّ من يطلق عليه "كافر" أو فاسق"، والحديث عنه بالسوء ولعنه، وهناك العديد من المواقع السلفية التي تتبنّى هذه الآراء وتنشرها، ويتأثر بها ملايين المتابعين من الناس العاديين، فعلى سبيل المثال تأتي فتوى على موقع "الإمام بن باز" تقول إنّ بعض أهل العلم يجيز سبّ الفاسق المعيّن، أي بذكر اسم شخص على وجه التحديد وسبّه وذكره بصفات سيئة طالما توافرت فيه صفة "الفاسق"


 كما ترد على الموقع السلفي "الإسلام سؤال وجواب" فتوى بأنّه "يجوز الفرح بهلاك أعداء الإسلام، والكائدين له، وهلاك أهل الزندقة والبدع المغلظة، وهلاك أهل الفجور والفساد، بل يفرح أهل السنَّة بالمصائب التي تحلّ بهم كمرض أحدهم أو سجنه أو نفيه أو إهانته"، وفي فتوى أخرى على الموقع نفسه تقول: "النهي عن سب الأموات، هو في غير المنافق، وسائر الكفار، وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة، فأمّا هؤلاء: فلا يحرم ذكرهم بشر، للتحذير من طريقتهم، ومن الاقتداء بآثارهم، والتخلق بأخلاقهم"، وفتوى أخرى جاء فيها: "يجوز السخرية بأولئك المحادين لله ورسوله ودينه"


 وفي أخرى: "الغيبة تكون جائزة، بل قد تكون واجبة، إذا كانت لتحذير المسلمين من شر فاسق أو ضال أو مبتدع"، وفي مقطع لأحد الدعاة السلفيين يتحدث فيه عن أنّ الدين ليس ترغيباً فقط بل فيه ترهيب كذلك، وأنّ الدعاة عليهم استخدام الشدة في بعض المواقف مع الناس، ويستشهد في إطار ذلك بالنبي إبراهيم عندما قال لقومه "أفٍّ لكم"، وبالنبي موسى عندما ألقى بالألواح وأخذ برأس أخيه هارون، وأنّ الموعظة الحسنة ليس معناها اللين فقط ولكن معناها الشدة في بعض المواقف



 ويورد خلال المقطع عدداً من المواقف من السيرة النبوية استخدم فيها النبي أو أحد الصحابة الشدة ليبرر أنّ الغلظة في القول والفعل مطلوبة في بعض المواقف، وليثبت وجهة نظره بأنّ التعامل الخشن، بما يندرج تحته من سبّ وسخرية وتشويه، مع المخالف الذي يصفه بأوصاف مثل "فاسق" أو معادٍ للدين" وغيرها من الأوصاف، هو أمر جائز شرعاً، بل هو مطلوب أحياناً.


وتظهر الأزمة هنا عندما نربط هذه النقطة بالنقطة السابقة التي تحدثنا فيها عن رؤية التيار الإسلامي بمكوناته لنفسه وللآخر، والتي يرى فيها أنّه الحق المطلق، وأنّه هو الذي يفهم الدين على وجهه الصحيح، وأنّ الآخر المختلف معه والناقد له هو محارب للدين ومعادٍ له، وبالتالي يتم توصيف الآخر بالفاسق أو الكافر أو المحارب وغيرها من الأوصاف التي يترتب عليها استحلال سبه والسخرية منه ووصفه بالأوصاف السيئة والتشويه المعنوي له، فالأزمة هنا تكون في القراءة الخاطئة للواقع والتوصيف الخاطئ للمواقف والأشخاص ومن ثم القراءة الخاطئة للنصوص والأحكام الفقهية وإنزالها في غير مواضعها.


ربما يكون سبب آخر في ظاهرة التعامل بشكل حاد وبأسلوب غير أخلاقي من جانب الكثير من الإسلاميين مع مخالفيهم يتمثل في الشعور بالضعف نتيجة حالة التراجع الحضاري والتأخر الذي يعيش فيه المسلمون بشكل عام، وأيضاً حالة الضعف التي يعيش فيها التيار الإسلامي، خصوصاً في العديد من المجتمعات على مستوى العالم بعد أحداث الربيع العربي، فهذا الضعف يجعل الإنسان لديه نوع من الحساسية الشديدة تجاه أيّ نقد أو أيّ نصح أو محاولة للتغير أو إصلاح أوضاع قائمة أو أفكار وقناعات دينية سائدة



 حيث يشعر أنّ تلك الأوضاع والأفكار بمثابة حصن له يتحصن بداخله يشعر فيه بالأمان، ويرى أنّه هو الدين الذي إن مسّه أحد برأي أو بتغيير ما، فإنّه سوف يفقد مصدر الأمان بالنسبة إليه، ويشعر بأنّ أيّ نقد أو رأي مخالف لما يعتقده أو تعوّد عليه إنّما هو بمثابة محاولة لهدم الدين والقضاء عليه، وأنّ أيّ شخص يطرح فكرة مغايرة أو يقدّم رأياً مختلفاً إنّما هو عدو للدين يجب التصدي له بكل السبل، وإن كانت غير أخلاقية، فسلامة الغاية لديه تبرر قبح الوسيلة، كما أنّه ينظر إلى ذلك الشخص حينها بأنّه ليس له حقوق لديه، فيجوز سبه وتشويهه والسخرية منه دون أدنى شعور بالذنب، بل يتوافر لديه شعور حينها بأنّه يقوم بعمل ديني نبيل ربما يثاب عليه.

0 Comments: