الجمعة، 22 مارس 2024

مستقبل الإسلام السياسي بين التيار السلفي والإخوان

 

التيار السلفي والإخوان

مستقبل الإسلام السياسي بين التيار السلفي والإخوان

منذ سبعينيات القرن العشرين، ومع ظهور الصحوة الإسلامية، كان التنافس كبيراً بين اثنين من أبرز الفاعلين في المجال الديني؛ الأوّل جماعة الإخوان التي عادت إلى المشهد السياسي والديني مرة أخرى بعد ابتعادها عنه على إثر صدام الخمسينيات، مرتكزة على رصيدها من الحضور والتأثير الذي صنعته خلال عقود نشاطها الأولى قبل ذلك الصدام، والثاني التيار السلفي الناشئ من رحم الظروف السياسية والاجتماعية التي تشكلت في الخمسينيات والستينيات والمدعوم من الدولة السعودية، وكان عنصر التنظيم الذي تمتعت به جماعة الإخوان ويفتقده التيار السلفي ـ بخلاف السلفية الجهادية ـ هو ما منحها الفرصة لتحقيق العديد من المكتسبات التي كان آخرها الوصول إلى منصب رئيس الدولة والاستحواذ على النسبة الكبرى من مقاعد البرلمان


 وفي المقابل استطاع التيار السلفي منذ ظهوره تحقيق حضور كبير على مستوى الجمهور من خلال أدواته الدعوية المختلفة، وظهرت آثار ذلك الحضور بعد الثورة بشكل كبير، إلا أنّ الأمر تغير بعد 2013، فقد سقطت جماعة الإخوان من الحكم، وأودى بها العمل السياسي في أتون صراع لم تخرج منه حتى اليوم. فكيف يبدو مستقبل التنافس داخل المجال الديني بين التيار السلفي في صورته الدعوية أو العلمية وبين جماعة الإخوان، في ظل عدد من المتغيرات، وفي ظل نقاط قوة وضعف يتمتع بها كلٌ منهما؟



تشترك كل من جماعة الإخوان والتيارات الممثلة للسلفية العلمية أو الدعوية في هدف واحد وهو إيجاد مجتمع إسلامي تطبق فيه الشريعة كما يتصورها كل منهم، لكنّ الاختلاف في الأفكار خلق اختلافاً في أساليب وأدوات العمل، كما خلق منافسة بين كلا الطرفين للاستحواذ على مساحة أكبر من المجال الديني وجذب عدد أكبر من الأفراد، وقد وصل هذا التنافس حدّ العداء بين الإخوان والتيار السلفي، كانت له مظاهر قبل الثورة في النقد والهجوم المتبادل في العلن بين كلا الطرفين، وكذلك في العمل على استقطاب كل فريق لعدد من الأفراد مع العمل على تشويه كل منهما للطرف الآخر واتهامه باتهامات مختلفة لإبعاد الأفراد محل المنافسة عنه وجذبهم إليه، وبعد الثورة بدا الخلاف بشكل أكبر، وكان من مظاهره اتخاذ كل فريق مساراً سياسياً مختلفاً في كثير من الأحيان، انتهى بتأييد الدعوة السلفية بالإسكندرية وذراعها السياسية المتمثلة في حزب النور للإجراءات التي تمّت تجاه جماعة الإخوان، وانتهت بعزل الرئيس المنتمي إليها من الحكم، ثم استمرت الخصومة والاتهامات المتبادلة فيما بينهما بعد ذلك.


وفي حين انشغلت جماعة الإخوان في صراعها السياسي الذي أنهكها وأبعدها عن ممارسة الدور الدعوي الذي كانت تقوم به، فإنّ التيار السلفي، وعلى الرغم من التغيرات التي حدثت بعد 2013 وتسببت في تضييق المساحة التي يعمل بها، وتعرّض أفكاره لكثير من النقد؛ إلا أنّه ما يزال قادراً على الحضور والتأثير بسبب مجموعة من العوامل؛ منها مركزية الدين في المجتمع، والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل الأفراد في حاجة إلى الدين، وبعض العوامل الخارجية مثل الحرب في غزة التي منحت التيار الإسلامي فرصة للحضور بصورة أكبر، وهناك عدد من الأسباب التي ساهمت في تلك النتيجة، وهي تراجع جماعة الإخوان عن الحضور والتأثير داخل المجال الديني والتخلي بنسبة كبيرة عن الدور الدعوي لصالح التيار السلفي الذي يعمل بوسائل مختلفة ومتجددة على القيام بهذا الدور والاستحواذ على مكانة أكبر داخل المجال الديني، وهذه الأسباب تتمثل في جزء منها في بعض نقاط الضعف التي تصيب جماعة الإخوان، وفي جزء آخر في بعض نقاط القوة التي يتسم بها التيار السلفي.


فمن حيث نقاط ضعف جماعة الإخوان، فإنّها تتمثل في تركيز الجماعة بعد الثورة على الدور السياسي الذي جعلها تصل إلى الحكم ثم تسقط منه بسبب العديد من العوامل؛ منها ضعف أدائها وقلة خبرتها وضيق أفقها السياسي وتسرعها في تحقيق أكبر قدر من المكتسبات؛ الأمر الذي تسبب في دخولها في صدام مع الدولة المصرية ترتب عليه عدد من الإجراءات الأمنية والسياسية التي أضعفت الجماعة وأزاحتها بشكل كلّي عن المشهد، وتسبب في فقدان أفرادها القدرة على العمل والحركة وممارسة أنشطة الجماعة المختلفة، ومن نقاط الضعف كذلك الانقسام الداخلي الذي حدث في الجماعة والصراعات التنظيمية الناتجة عنه


 أيضاً افتقاد الجماعة إلى المرونة وجمودها عند لحظة السقوط من الحكم، وعدم قدرتها على التكيف وتجاوز تلك النقطة وإعادة التموضع مرة أخرى، كذلك صراع الجماعة مع الدولة وتحولها من دائرة المعارضة إلى دائرة الخصومة مع المجتمع بشكل عام، نتيجة رفض شريحة من المجتمع لتجربتها في الحكم، والتي جعلتها تأتي بممارسات معادية للدولة وغير حريصة على المصلحة العامة مثل بثها للعديد من الشائعات، وإظهار الشماتة في العديد من الأزمات التي تمر بها الدولة، وبعض الممارسات الأخرى التي أظهرت ضعف الانتماء للدولة، وأيضاً ممارسة مجموعة منها للعنف بعد 2013؛ كلّ هذا جعل الجماعة تنال قدراً كبيراً من النقد يفوق ذلك الموجّه للتيار السلفي، ممّا تسبب في تأزم وضعها وتغير موقف شريحة كبيرة من المجتمع منها.


وعن نقاط القوة التي يتمتع بها التيار السلفي، فإنّها تتمثل في أنّه أوّلاً لا يمثله تنظيم محكم كالذي يمثل الإخوان، ولكنّه يمثل تياراً سائلاً تتعدد الشخصيات والكيانات الممثلة له؛ ممّا جعله أكثر مرونة وقدرة على الانتشار وإعادة التشكل وترك مسار السياسة الذي انخرط فيه بعد الثورة والعودة إلى مسار الدعوة، النقطة الثانية أنّ العديد من مكونات التيار السلفي لم تكن طرفاً في الصراع السياسي الذي كان الإخوان طرفاً فيه، ممّا أبعدها عن دائرة الصدام وعن الإجراءات التي تم اتخاذها تجاه الإخوان، كذلك كان لدى التيار السلفي مرونة في استخدام أساليب دعوية جديدة والتكيف مع المتغيرات، وتوظيف مواقع التواصل الاجتماعي والقدرة من خلالها على ابتكار وسائل جديدة للتواصل مع الأفراد خاصة الشباب من خلال عدد من المنصات والأكاديميات التي تدرّس العلم الشرعي، ممّا جعله قادراً على الحضور والتأثير بأساليب لا تجعل نشاطه على الأرض ملحوظاً لكنّها تجعله متواجداً وحاضراً ومؤثراً، والأمر الأخير هو أنّ خطابه يتميز بأنّه يجمع بين أمرين؛ أنّه يبتعد عن السياسة، وأنّه يظهر في صورة المدافع عن الدين تجاه من يهاجمونه ويحاربونه، الأمر الذي جعل هذا الخطاب مقبولاً لدى الكثيرين.


هذه الأسباب والعوامل التي ذكرناها تجعل التيار السلفي يمتلك مقومات الحضور والتأثير في المجال الديني بصورة كبيرة مقارنة بجماعة الإخوان التي أفقدها العمل السياسي وتجربة الحكم والصراع الذي نشأ عنها الكثير، ليس على مستوى دورها السياسي فقط، ولكن على مستوى دورها الدعوي والديني كذلك، ولا يبدو أنّها في المستقبل قادرة على تجاوز هذه المشكلات، لكن في المقابل أيضاً يواجه التيار السلفي تحدياً آخر، يتمثل في تزايد الخطاب الناقد للفكر الديني بشكل عام بعد ثورة كانون الثاني (يناير) التي منحت الفرصة للتيار الإسلامي للظهور والعمل بحرية أكبر؛ ممّا أدى إلى انكشاف العديد من أخطائه ومشكلاته، كما أنّ تجربة الربيع العربي قد أحدثت العديد من المتغيرات التي ساهمت في زيادة حالة النضج لدى شرائح في المجتمع تجاه العديد من القضايا والأفكار، ومنها الفكر الديني، الأمر الذي وضع أمام كلّ الفاعلين في المجال الديني، ومنهم التيار السلفي كأحد أبرز الفاعلين، تحديات كبرى من أفكار وأسئلة ومتغيرات تفرض عليه ضرورة إجراء تغييرات في الخطاب وفي الأفكار، ربما لا يستطيع القيام بها بسبب طبيعة العقل السلفي المحافظ والنمطي، فهل يستطيع التيار السلفي أن يتعامل مع المتغيرات، وأن يصمد أمام هذه التحديات؟

0 Comments: