"الإخوان" و"الثورة" السورية: هل شاركت الجماعة في الحرب؟
في الفترة الواقعة بين عامي 2011 و 2013، كانت جماعة "الإخوان المسلمون" في سوريا، ترفع صوتها عالياً من أجل القول إنّها لا تريد تقاسم السلطة مع ما وصفته آنذاك "نظام الأسد المجرم"، وذلك على لسان العديد من قياداتها مثل؛ المرشد العام السابق للجماعة في سوريا، رياض شقفة، لكن سرعان ما بدأت الجماعة تتخبط بداية عام 2012، حين دعت للتدخل الخارجي من أجل ما سمته "إنهاء النظام"، ثم عاودت رفض التدخل الدولي المباشر، بعد مشاركتها الكبيرة في تأسيس المجلس الوطني السوري في إسطنبول.
ولم يمر عامان على الثورة السورية، حتى أيدت الجماعة من جديد تدخلاتٍ معينة على حساب أخرى، ودعمت فصائل مقاتلة معينة على حساب غيرها، ورغم كل التناقضات التي مرت بها، ومن أبرزها الانسحاب من اللجنة الدستورية السورية، في تموز (يوليو) العام 2018، بقيت الجماعة تقول إنّها تدعم دولة تعددية ديموقراطية في سوريا، لكنّها، رغم ذلك، تريد استبدال الأسد بقيادة "كاريزمية" تنهي حكمه!
سؤال الوطنية
يرى محمد حكمت وليد، وهو المرشد العام الحالي لجماعة الإخوان في سوريا، أنّ "الثورة" عانت كثيراً؛ لأنّها "لم تخلق قيادة كاريزمية تلتف حولها قوى الثورة بكلّ توجهاتها"، ويضيف وليد، في حوارٍ معه على قناة "الحوار"، بتاريخ 24 نيسان (أبريل) العام 2017؛ أنّ "الثورة السورية، ثورة شعب كامل بكل تنوعه، ينشد دولة حريةٍ وسلام".
ويقول وليد إنّ "جماعة الإخوان، ساهمت بشكلٍ فاعل في تشكيل العديد من الأجسام المعارضة للنظام السوري، كالمجلس الوطني والائتلاف الوطني، ولجنة الحوار السوري"، وبالفعل فإنّ هذه الأجسام المعارضة التي تآكلتها الخلافات رغم كثافة سيطرة جماعة الإخوان عليها لفترات متعددة، حتى عام 2017، تنصلت منها الجماعة بالنهاية، على أساس أنها لم تنجح في إنهاء وجود حكم الأسد، ولو من خلال جدول زمني مثلاً، وربما لأنه لم يتم إفراز قيادة كاريزمية، على مقاس الإخوان.
وبالعودة إلى التاريخ؛ فإنّ الجماعة بداية، لا يمكن في غرفها الداخلية، أن تتقبل تعدديةً سياسيةً حقيقية؛ حيث إنها، ومنذ نهاية الستينيات، ظلت في أدبياتها ترى أنه "يجب أن يكون الدستور السوري ضاماً لمادتين تشريعيتين أساسيتين، الأولى تؤكد أنّ الإسلام دين الدولة الرسمي، والثانية تؤكد أنّ كلّ تشريعات الدولة يجب أن تستمد من المادة الأولى"، وليس في هذا أيّ عيب في حال كان خياراً وطنياً وشعبياً ديموقراطياً، مثلما يذكر أحد أهم القيادات الإخوانية السورية سابقاً، سعيد حوّا، في كتابه "هذه تجربتي وهذه شهادتي"؛ إذ يؤكد حوا، من خلال توثيقه رؤية الإخوان هذه للدستور؛ أنّ فكرة الدولة العلمانية أو التعددية مرفوضة أصلاً لدى الإخوان، ومن ثم فإنّ الأرض المشتركة التي يتحدث عنها الإخوان، هي محض خيال، وليست أبداً أرض سوريا.
وبذكر سوريا، وطناً ومواطنين، فإنّ الوجه العلماني الذي تبناه النظام السوري، بقيادة حافظ الأسد، لأعوامٍ طويلة، وأخفى خلفه حكماً دكتاتورياً لحزب واحد مستبدّ (البعث)، يعدّ الأشبه بجماعة الإخوان، أو على الأقل؛ فإنّ الجماعة التي تعد عدوته، هي الأشبه به؛ إذ ترفض التعددية مثلها مثله، كما أنّها حاولت، حتى عام 2009، التقرب من النظام بأكثر من محاولة، أو على الأقل، التصرف بانتهازية في علاقتها معه؛ فقد تحالفت مع عبد الحليم خدام، المنشق عن النظام في 2006، لخلافات معه، رغم أنه شريك أزلي لحافظ الأسد في إدارته الدكتاتورية طوال سنوات من حكم البعث، وذلك "طمعاً في أنّ الإدارة الأمريكية السابقة (بوش الابن) تعمل على تغيير نظام الحكم في سوريا، ومرشحها لقيادة المرحلة المقبلة هو خدام؛ الذي راهن عليه الإخوان ضمن حلف سمّوه "حلف الخلاص"!"، بحسب تقرير نشر في صحيفة "الأخبار" بتاريخ 9 حزيران (يونيو) العام 2011.
وكان الإخوان قبل تحالفهم الفاشل مع خدام، قبلوا الدخول في جبهة المعارضة الوطنية السورية متعددة المذاهب والأحزاب؛ حيث قبلوا بشروطٍ عديدة، منها إدانة الإرهاب، ومن ثم الإقرار بفصل الدين عن الدولة، وقبول التعددية السياسية، وعلى هذا الأساس دخلوا "إعلان دمشق" في 2005، الذي غادروه بعد فترة قصيرة ليلتحقوا بجبهة خدام. وهو ما يعكس تجربتهم على أرض سوريا المشتركة بين أفراد شعبها واطيافها الدينية والسياسية بكل ألوانها؛ إذ توحي تجربتهم هذه أنهم ليسوا وطنيين، بقدر ما هم إخوانيون، تهمهم البراغماتية السياسية الداعمة لجماعتهم، وإيجاد أرضية لدولة يكون دستورها وشعبها وأحزابها، مجرد آلة تسير وفق ما يريد أن ينتجه الإخوان، تماماً مثلما كان نظام البعث!
لكن، هل اكتفى الإخوان في سوريا منذ تأسيس جماعتهم هناك منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، بالعمل السياسي؟ رغم فشله وانتهازيته أحياناً. واتسامه بالبعد عن الوطنية أحياناً أخرى، وكيف تجلى هذا خلال الثورة السورية؟
أين الجماعة؟
أين هم الإخوان خلال الثورة السورية؟ ربما يبدو هذا السؤال سهل الإجابة؛ إذ من المعروف أنه تمّ القضاء على وجودهم، وأيّة قوةٍ لهم في سوريا، حتى عام 2011، لذلك فهم دائماً ما كانوا ضعفاء؛ سياسياً وعسكرياً في الداخل السوري؛ لذا فإنهم موجودون في التحالفات والأحزاب الخارجية التي تجوب العالم كجزء من الثورة المتنقلة!
في إسطنبول، وفي دولة قطر، وفي أوروبا، وأي مكان، يمكن لقيادات الإخوان أن يتواجدوا، وربما بذلوا كلّ ما يستطيعونه من جهدٍ سياسي، من أجل أن تؤول الأمور لمصلحتهم، بطريقة أو بأخرى، خلال الثورة السورية، إلا أنّ التساؤل حول تواجدهم العسكري هناك يعد الأصعب.
ولأنّ الجماعة، لم تكن تملك وجوداً مادياً حقيقياً في سوريا، قبل الثورة، فإنه من الطبيعي خلال الثورة ألا تملك أي تأثيرٍ مباشرٍ لها هناك، وهو ما جعلها تقيم تحالفاتٍ سرية مع جماعاتٍ مسلحةٍ في سوريا، وتقدم لها الدعم هناك، حتى تخدم مصالحها، وفي تقريرٍ لمعهد "كارنيغي" على موقعه الرسمي، في تشرين الأول (أكتوبر) العام 2013؛ يؤكد أعضاء لم يذكر اسمهم من جماعة الإخوان في سوريا وجود "هيئة دروع الثورة، التي تتجاوز العلاقة معها مجرد تقاربٍ عقائدي مع الإخوان، إذ يبلغ عدد هذه القوة 10 آلاف مقاتل، يحصلون على دعمٍ عسكريٍ وسياسي من الجماعة التي تتحرك محاولةً وضع فصائل عديدة تحت جناحها آنذاك، في إدلب وحلب ومناطق أخرى؛ حيث توجد تلك الفصائل بأسماء مختلفة، مثل: الفاروق، والتوحيد، وغيرها"، إضافةً إلى "شبهاتٍ قوية" عن علاقة الجماعة بما يعرف بـ "جبهة النصرة"، وهو أحد أكثر الفصائل المسلحة عنفاً في سوريا، بحسب التقرير.
ويوجز تقرير "كارنيغي" خلاصته في فكرةٍ واحدة؛ هي "أنّ دخول تنظيم داعش الإرهابي لأرض سوريا أجبر الإخوان على ترك الفصائل تتحارب معه، موليةً فصائلها الاهتمام بأن تتنحى منتظرةً انحسار التنظيم الإرهابي من الأراضي السورية لتتمكن من العمل"، ووفق تقريرٍ آخر، أعده مركز "الشرق للدراسات الإستراتيجية والحضارية"، عام 2012، ونشر على موقعه آنذاك؛ فإنّ فصائل مسلحةً تابعة للإخوان في سوريا، تقاتل بشكلٍ متستقلٍ عن "الجيش السوري" الحرّ؛ لأنها تتلقى "تمويلاً خاصاً ودعماً من دولة قطر، فتنضوي تحت جناح المجلس الوطني السوري المدعوم من قطر مباشرةً، وتتلقى الأوامر من هناك" رغم ما سببه ذلك من انشقاقٍ في صفوف المعارضة، بحسب التقرير.
وفي السياق ذاته؛ يكشف تقرير آخر، نشره موقع "أمان" المصري، في حزيران (يونيو) العام 2018، أنّ تكتم الإخوان على وجود أّيّة صلةٍ لهم بفصائل مسلحةٍ في سوريا، أتاح لهم عقد تحالفات خارجية وداخلية بصمت، "حتى لو تسببت تلك بانقسام الثورة وتشظيها، وذلك بحثاً عن ثمار يحصدها الإخوان بعد الثورة؛ حيث بدؤوا يرون أطماعهم تكبر عقب اجتياح تركيا لعفرين شمال سوريا، فأعادت الجماعة تموضعها في الملف السوري من جديد، وبما أنّ واشنطن أعادت إنتاج الإخوان المسلمين في سوریا بما يلبي مصالحھا ويخدم سیاساتھا، من خلال إعادة العلاقات بین الدوحة من جھة، وموسكو وطھران من جھة أخرى، فإنّ إدخال الإخوان في العملیة السیاسیة بات أسهل؛ حيث إنّ أنقرة ھي الراعي الأكبر للجماعة".
ووفق التقرير ذاته؛ يقول الدكتور جمیل م.شاھین من مركز "فیريل" للدراسات: "إنّ واشنطن لديها دائماً خطط بديلة؛ حیث تعمل حالیاً على إنشاء مجموعات مسلحة تابعة لتركیا، لزجّها في إدلب، بحجة محاربة القاعدة وداعش، لیتم تسويق ھذه المليشيات وفرضها لاحقاً، كأمر واقع وقوة عسكرية لا يستھان بھا، مما يؤدي لتصنیفھا معارضة معتدلة، ستشارك مستقبلاً بالحكم السیاسي في سوريا، وهي من الإخوان المسلمین، وسیتم تسویقھا بهذه الصورة لاحقاً".
أعوام عنفٍ في سوريا
ويتضح مما سبق؛ أنّ جماعة الإخوان التي قضت أعوام عنفٍ في سوريا، منذ ستينيات القرن الماضي، ظالمةً أو مظلومة، وخاضت منذ التسعينيات تحالفاتٍ أدى معظمها للفشل والتناقض بشأن القضايا العادلة تجاه سوريا وشعبها، وجدت نفسها أخيراً، أمام ثورة شعبية عارمة، لم تستطع الجماعة إيجاد ثقل مباشر لها فيها، مما حدا بها لأن تعود للتناقضات، وتعقد تحالفاتٍ مع دولٍ كتركيا وقطر، حتى لو أضرّ ذلك بالصوره وشقّ صفها؛ لأنّ الأهم بنظر الجماعة، هو انتهاز فرصة (الثورة) من أجل الحصول على مكاسب لاحقاً، بل وربما الوصول إلى الحكم في سوريا، لم لا، وتركيا وأمريكا راضيتان عن الحليف المطيع المتمثل بجماعة الإخوان؛ لذا كان واجباً إخفاء أيّ دورٍ قتاليٍ كبيرٍ وواضح للجماعة، إلى أن تظهر بصورة الجماعة المعتدلة، المؤهلة لحكم سوريا.
0 Comments: