الثلاثاء، 14 مايو 2024

منها تهديد الأمن الداخلي... ما الأسباب التي تدفع الدول إلى محاكمة الإخوان؟

 

الإخوان


منها تهديد الأمن الداخلي... ما الأسباب التي تدفع الدول إلى محاكمة الإخوان؟

تمكنت جماعة الإخوان من تأسيس شبكة واسعة من المنظمات والمؤسسات والمساجد والمدارس والمراكز الثقافية والإعلامية، تحت مظلات اتحاد ومنظمات إسلامية تضم في أغلبها جمعيات إسلامية.

وما تزال حركة وأنشطة جماعة الإخوان، عبر هذه الكيانات، تحاول تهديد استقرار الدول وأمنها الداخلي، لا سيّما الدول المناوئة لها، التي تمثل نموذجاً للوسطية والاعتدال والتعايش مع الآخر، وذلك من خلال العمل على نشر الفتن وإشاعة الفوضى والتحريض على العنف داخلها، وهذا ما جعل عدداً من تلك الدول تصمّم على إدراج الجماعة ضمن قوائم العنف والإرهاب، على غرار مصر التي أصدرت إحدى محاكمها في 4 كانون الثاني (يناير) 2024 حكماً بإدراج جماعة الإخوان المسلمين في قائمة الإرهاب.

وبحسب دراسة حديثة نشرها مركز (تريندز للبحوث والاستشارات) تحت عنوان: "لماذا تحاكم الدول جماعة الإخوان؟"، فإنّ هناك مجموعة من الأسباب التي تدفع جماعة الإخوان المسلمين للاستمرار في نشر الفتن داخل الدول، لا سيّما تلك الدول التي فشلت فيها سياسيّاً مثل مصر وتونس، أو تلك التي لم تستطع اختراقها فكريّاً وتنظيميّاً، على غرار العديد من دول الخليج.

 وبحسب ما أوردته الدراسة، فإنّ الجماعة لا تستطيع العيش في البيئات المستقرة سياسيّاً وأمنيّاً واجتماعيّاً، وإنّما تنمو وتترعرع في البيئات المضطربة سياسيّاً واجتماعيّاً، أو تلك التي تعاني من الصراعات الطائفية والعرقية والدينية، وهو ما يجعل جماعة الإخوان المسلمين تحرِّض على نشر الفتن والفوضى في الدول التي ترغب في اختراقها تنظيميّاً، حتى تتمكن من مدّ نفوذها التنظيمي إليها، وذلك من خلال العمل على التحريض على الأنظمة السياسية في البلاد، والطعن في شرعيتها، بل قد يصل الأمر إلى التحريض ضدّ الدول نفسها بدعوى المطالبة بالحرية والديمقراطية التي أبعد ما تكون جماعة الإخوان عنها.

وذلك لخلخلة التماسك داخل الدول وخلق حالة من الهشاشة الاجتماعية تمثل بيئة مواتية للجماعة لاختراقها تنظيميّاً، ومن ثم الحضور فيها والبدء في تطبيق المشروع الإخواني الهادف إلى ابتلاع الدول ومؤسساتها.

ويرى العديد من الباحثين أنّ الإخوان المسلمين، تنظيماً وجماعةً وحزباً، كيفما تلوّن وتشكّل، يُعدّ تهديداً للأمن القومي أينما حلّ، بعد أعوام وعقود عانت فيها دول العالم من عنف وإرهاب هذا التنظيم، وبعد تصنيف الجماعة تنظيماً إرهابيّاً في العديد من البلدان، نظراً لأنّ تنظيم جماعة الإخوان لا يحسن سوى التآمر والعمل السرّي والاغتيالات، بعد فشله الكبير في الحكم عندما تولى السلطة في مصر وليبيا وتونس والمغرب.

ويشير العديد من أدبيات التنظيمات المتطرفة إلى مصطلح الركيزة التنظيمية، وهو ما يعني ضرورة وجود عناصر موالية لهذه التنظيمات تعتنق أفكارها وتؤمن بتوجهاتها العقائدية داخل الدول التي تستهدفها هذه التنظيمات، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين التي تُعدّ المرجع الفكري لمعظم هذه التنظيمات، وهي العباءة الفكرية التي خرجت من أكمامها جلّ تلك التنظيمات.

وهو ما يجعل الجماعة تحاول اختراق الدول عبر عمليات الاستقطاب والتجنيد، لإيجاد هذه الركيزة التي تمثِّل بالنسبة إلى الجماعة النواة الأولى لنموها وترعرعها داخل الدول والمجتمعات، وربما هذا ما أثار المخاوف لدى العديد من الدول من وجود الإخوان على أراضيها، بما فيها الدول الغربية، التي يُعرف بعضها بعلاقاته القديمة مع الإخوان على غرار بريطانيا، التي قال رئيس حكومتها دافيد كاميرون في 2015: إنّ بعض "أقسام حركة الإخوان المسلمين لهم علاقة ملتبسة جدًاً بالتشدد الذي يقود إلى العنف، وإنّها صارت نقطة عبور لبعض الأفراد والجماعات المرتبطين بالإرهاب"، وإنّ حكومته ستعمل على مراقبة نوعية آراء وأنشطة أعضاء حركة الإخوان المسلمين فوق الأراضي البريطانية.


لكنّ العقبة التي قد تواجهها الجماعة لتحقيق الاستقطاب والتجنيد هي تمتّع بعض الدول بالاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي ورسوخ الوسطية والاعتدال الديني داخلها، لذا تسعى الجماعة إلى نشر الفوضى وزرع الفتن داخل المجتمعات من خلال الترويج للأكاذيب والشائعات حتى تتمكن من اختراق المجتمعات، وبالتالي استقطاب مجموعات من الشباب ذوي الميول المتطرفة دينيّاً، وهناك أدوات كثيرة تعتمد عليها جماعة الإخوان الإرهابية في نشر الأكاذيب وإثارة الفتن وتأليب الرأي العام، منها شخصيات إعلامية، وأيضاً صفحات ومنصات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأشارت الدراسة إلى أنّه على الرغم من قدرة جماعة الإخوان على الحضور في العديد من المناطق الجغرافية، غير أنّ هناك بعض المناطق التي أثبتت أنّها عصية على الجماعة، وترفض انتشارها على أراضيها، وفي مقدمة هذه المناطق منطقة الخليج العربي التي أثبتت أنّها عصية على الاختراق الإخواني، سواء من الناحية الفكرية أو التنظيمية.

 وهو ما يعود إلى مجموعة من الأسباب؛ منها رسوخ الفكر الوسطي، وشيوع فكر التسامح والتعايش، والعادات العربية الأصيلة القائمة على احترام ولي الأمر ورفض فكرة الخروج على الحاكم، وهو ما جعل الجماعة على مدار أعوام طويلة تعمل جاهدة على مدّ نفوذها إلى دول تلك المنطقة، وذلك من خلال محاولة تأسيس مجموعات سرّية من خلال العمل على استقطاب بعض الشباب ذوي الميول الدينية المتطرفة، وتجنيد الشباب والسيطرة على عقولهم عبر المتاجرة بالمفاهيم، من خلال التفسيرات الخاطئة للنصوص بهدف نشر أفكارها. 

ويشكّل مفهوم الدولة الوطنية معضلة حقيقية بالنسبة إلى جماعة الإخوان، لكونه يتنافى مع أهدافها الأممية التي كرّسها حسن البنا داخل الجماعة، والتي تهدف إلى السيطرة على العالم العربي والإسلامي بدعوى إعادة الخلافة الإسلامية التي سقطت عام 1924.

وبالتالي فمفهوم الدولة الوطنية ومفهوم المشروع الوطني يصطدم كليّاً بشكله ومضمونه مع نهج جماعة الإخوان المسلمين، فالنهج الوطني لدولة ما أو مجموعة أو حزب يتبنّى مصالح الشعب والوطن الذي يوجد فيه هذا الشعب، بغضّ النظر عن انتماء هذا الشعب لإثنية أو عرق ما، لذلك يتعارض المفهوم الوطني جملة وتفصيلاً مع نهج جماعة الإخوان المسلمين، بغضّ النظر عن المسمّى الذي يوجد في هذه الدولة أو تلك.


وهو ما يجعل الجماعة، بحسب الدراسة، تسعى إلى ضرب الاستقرار داخل الدول الوطنية للقضاء عليها، عبر نشر الفتن وترويج الأكاذيب، وكذلك التحريض على العنف والإرهاب، ومهاجمة الأنظمة السياسية القائمة في تلك الدول، بزعم أنّها لا تحكم بالشريعة ولا تطبِّق مفهوم الولاء والبراء في علاقاتها الخارجية، لا سيّما مع الدول الغربية التي تزعم الجماعة أنّها دول معادية تتآمر على الإسلام والمسلمين.


الدراسة تشير إلى أنّ البنية التنظيمية للجماعة قائمة على العقيدة في التشكيل، وعلى السرّية وعدم وضوح الأهداف الحقيقية لهذا التنظيم في كل الدول، وهو ما يجعله دوماً في مواجهة الفكرة والمفهوم الوطني القائم على وضوح الأهداف والرؤية والخطوات لتحقيق المصالح للشعب والدولة.

ولا تنفك جماعة الإخوان تنشر الفتن في الدول التي توجد فيها، حتى في الدول التي تقدِّم الإيواء لها، نظراً لأنّ الفتن تخلق نوعاً من الهشاشة المجتمعية تساعد الجماعة على البقاء والنمو، وهو ما يجعل تلك الدول تتململ من وجود عناصر الجماعة على أراضيها حتى لو كانت تستخدمهم لمصالح سياسية معيّنة، حتى أنّها في بعض الأحيان تقبض على بعض تلك العناصر، على غرار ما حصل خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي في تركيا، حين اعتقلت العنصر الإخواني الكويتي المقيم على أراضيها حاكم المطيري، المدان بأحكام تصل إلى المؤبد في بلاده، وهو ما أثار ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ لطالما أشاد بحمايته وإيوائه من قبل أنقرة.

هذا، وتعتقد جماعة الإخوان المسلمين، وفقاً للدراسة، أنّها بنشرها للفتن في المجتمعات والترويج للأكاذيب قد تتمكن من تعزيز وجودها داخل المجتمعات بزعم أنّها البديل الإسلامي للاستقرار والوحدة داخل المجتمعات، وذلك حتى تتمكن من تأسيس كيانات موازية، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو حتى سياسية، تنافس بها مؤسسات الدول التي توجد بها، بزعم تقديم الخدمات إلى الفئات التي تعجز المؤسسات الرسمية عن الوصول إليها، وذلك بالتوازي مع محاولة التغلغل داخل مؤسسات الدول التي توجد بها عناصر الجماعة، ومحاولة السيطرة على منظومات ومؤسسات الدولة الوطنية، كالتعليم والثقافة والتربية، التي تُعدّ مفاتيح السيطرة على الشباب.

ويمكن من خلال هذه الشريحة السيطرة لاحقاً على مفاصل أيّ دولة وتحقيق أهداف الجماعة، لذلك يبدأ الإخوان المسلمون بإنشاء العديد من المدارس والمؤسسات الثقافية التي تساعد على التغلغل في أوساط الشباب لتحقيق هذه المآرب، بما ينسجم مع فكر وأسلوب وإيديولوجيا الجماعة وأهدافها، في الوصول إلى السلطة، والانطلاق لإحياء مشروع جماعة الإخوان المسلمين، وتحقيق أهدافها بالسيطرة على أيّ مجتمع أو دولة تنشط بها.

0 Comments: