انخفاض حِدة خطاب الحرب والكراهية.... هل وعى الإخوان الدرس أم غيروا تكتيكاتهم؟
قبل اندلاع حرب الخامس من نيسان (أبريل) 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التابعة له، شرع الإخوان المسلمون ممثلين في ذراعهم السياسية (حزب المؤتمر الوطني) والحركة الإسلامية السودانية، بقيادة المتطرف علي أحمد كرتي أحد مؤسسي الميليشيات الإخوانية المسلحة التي تقاتل بجانب الجيش في الحرب الراهنة، شرعوا في إنتاج خطاب شديد العداء موجه ضد قوات الدعم السريع، وقوى إعلان الحرية والتغيير (قحت)، وهي تحالف واسع لأحزاب سياسية ونقابات ومجتمع مدني وفصائل من حركات الكفاح المسلحة التي كانت تقاتل نظام الإخوان في أطراف السودان المختلفة.
ولم تكتفِ الجماعة بذلك، وإنّما أحدثت فتنة قبلية كبرى في شرق السودان (الآمن نسبياً)، وكادت تعصف به ويصبح جغرافيا للحرب والموت كما حدث في دارفور (غرب) وجنوب السودان الذي قررت شعوبه الاستقلال عن الوطن الأم الذي أصبح بؤرة للحروب الأهلية والأزمات العنصرية والقبلية وجرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
الآن، وبعد مرور أكثر من عام على الحرب، ومع الانتصارات المتتالية التي حققتها قوات الدعم السريع على الجيش والميليشيات الإخوانية والسلفية والداعشية التي تقاتل معه تحت عناوين مختلفة، بدأ خطاب الحرب والكراهية ينحسر تدريجياً في إعلام الجماعة الموجه إلى التحريض باستمرار الحرب.
ويرى مراقبون أنّ ذلك يعود إلى حالة الإحباط الشديد التي عمّت أنصار الجماعة ومقاتليها، خصوصاً بعد سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة الاستراتيجية وذات الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية الكبيرة، وعاصمتها مدينة (ود مدني) وسط السودان في كانون الأول (ديسمبر) من العام المنصرم، وفشل الجيش في استعادتها عدة مرات، وتعرّضه لهزائم ساحقة في جميع محاولاته، وجاء بعد ذلك فشله الذريع في طرد قوات الدعم السريع من مصفاة الجيلي للنفط، (70) كيلومتراً شمال العاصمة الخرطوم، حيث تكبد الجيش والميليشيات المتحالفة معه خسائر فادحة في آخر المعارك التي دارت هناك خلال شهر أيار (مايو)؛ ممّا اضطره إلى قصف المصفاة بالطيران وتدمير أجزاء واسعة منها، دون أن يؤثر ذلك على سيطرة قوات الدعم السريع على المنطقة، إذ ما يزال موجوداً فيها.
كما ألحقت قوات الدعم السريع خلال الشهر نفسه خسائر بالجيش في منطقتي أُم روّابة وجبل كردفان بإقليم شمال كردفان (جنوب) ودمرت متحركاً عسكرياً كاملاً واستولت على معدات وآليات وقتلت وأسرت المئات من أفراد الجيش بينهم ضباط كبار. وخلال عام كامل من الحرب لم يتمكن الجيش من تحقيق أيّ انتصارات، ما عدا تقدماً محدوداً في بعض أحياء أم درمان يقع في أحدها مبنى الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون التابعة للحكومة.
هذا الوضع أحدث انقسامات بين قادة الجيش أنفسهم، خصوصاً بين نائب القائد العام الفريق أول شمس الدين الكباشي، ومساعد القائد العام الفريق أول ياسر العطا، ففيما يحاول الأول إظهار رغبته في التفاوض وإنهاء الحرب على الطاولة، وظل ينتهز الفرص ليوجه انتقادات حادة للميليشيات الإخوانية والمقاومة الشعبية، ويحذر من مغبة حمل السلاح خارج إطار الجيش، يتفرغ الثاني لإرسال التهديدات يمنة ويسرة ويتوعد القوى المدنية بسوء المآل والخاتمة، واتهامها بالخيانة والارتزاق والعمالة للأجنبي، فضلاً عن توعد قوات الدعم السريع بالفناء، "قريباً إن شاء الله"، كما اعتاد أن يُردد بعد كل هزيمة.
إلّا أنّ الفريق أول ياسر العطا عاد مؤخراً، شأنه شأن الكثير من الإخوان، بينهم رؤساء تحرير صحف سياسية سابقون من المؤيدين للحرب، وهم من المنتمين إلى الجماعة أو من المقربين منها، عاد إلى قوله إنّه يوافق على التفاوض بشروط، ممّا يشير إلى أنّ قناعته بإمكانية حسم الحرب عسكرياً قد اهتزت كثيراً.
رغم التصريحات المختلفة نسبياً للمنتمين إلى الجماعة التي يُعتقد على نطاق واسع أنّها هي التي أشعلت الحرب من خلال سيطرتها على قيادة الجيش التي يتحكم فيها ضباط إخوان، خصوصاً الاستخبارات العسكرية والتصنيع الحربي والمؤسسات الاقتصادية التابعة للجيش، إلا أنّ مراقبين آخرين يعتقدون أنّ الجماعة تحاول الالتفاف عبر هذا السلوك (تخفيف حدة الخطاب العدائي) وإظهار النزوع نحو السلام على الوضع الماثل ومهادنته والتخفيف من حدة المعارك، ريثما تتمكن من جلب أسلحة جدية وذخيرة من روسيا أو الصين، وفي هذا الصدد كان وفد روسي قد زار مدينة بورتسودان الساحلية التي يتخذها قادة الجيش عاصمة بديلة لهم، لإبرام اتفاق تمنح بموجبه روسيا "نقطة تزويد" بالإمداد على البحر الأحمر، مقابل الحصول على أسلحة وذخائر
فإلى ذلك الحين عليهم أن يتحلوا بالحذر، وأولى علاماته إظهار رغبة زائفة في الجلوس إلى مفاوضات السلام، ثم مواصلة الحرب عقب ذلك، وللجماعة باع طويل وخبرات متراكمة في هذا النوع من الخداع، ولديهم فتوى سابقة يعتقد أنّها صادرة عن شيخهم وعرّابهم الراحل حسن عبد الله الترابي، الذي تُنسب إليه عبارة "الكذب في سبيل الدعوة حلال"، وهذا التحول تكتيكي من أجل الحصول على السلاح، وخفض سياسة العداء والمواجهة مع المجتمعين الإقليمي والدولي، الأمر الذي أفضى إلى فشل دبلوماسي كبير بجانب الفشل الميداني على أرض المعركة.
0 Comments: