بعد أن أبصرت النور في 2011.. هل تعود حركة النهضة الإخوانية إلى السرية؟
بينما تقبع أغلب قياداتها وعلى رأسهم زعيمهم راشد الغنوشي في السجون بتهم مختلفة تراوحت بين الإرهاب والفساد المالي والتآمر على أمن الدولة واستمرار غلق مقارها المركزية وسط تصاعد الرفض الشعبي لها، يرجح متابعون للشأن التونسي أن تعود حركة النهضة الإخوانية إلى النشاط السري في خضم الانقسامات التي عصفت بوحدتها الداخلية.
وترفض أغلبية المجتمع فكرة عودة الإخوان حتى إن حاولت النهضة ادعاء إجراء تغييرات جذرية وفكرية، وتغيير مسمى التنظيم، للإيهام بوجود مراجعات أيديولوجية ونقد ذاتي.يذكر أن حركة النهضة عملت في السر لمدة 12 عاماً بين أعوام 1969 و1981، ثم أعلنت وجودها في مؤتمر صحافي في يونيو (حزيران) 1981، لتبدأ السلطات الأمنية في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ملاحقة قادتها.
وبعد قرارات 25 تموز/ يوليو، حظرت السلطات التونسية أنشطة الحركة في مختلف مناطق البلاد وكذلك نشاط "جبهة الخلاص الوطني"، مستفيدة من نفور أغلب التونسيين من الأحزاب، وبخاصة تلك التي جثمت على الحكم لسنوات من دون تحقيق أي إنجازات اقتصادية واجتماعية، ومع سجن أغلب قياداتها، تجد حركة النهضة نفسها عالقة بالفعل بين خيارين أحلاهما مر، إما العودة إلى النشاط السري أو محاولة الظهور بثوب آخر.
في السياق، يقول الباحث السياسي بوبكر الصغير إن "حركة النهضة تمضي نحو الاضمحلال بما أنها جزء من الإسلام السياسي، ما وقع في الـ25 من يوليو (تموز) 2021 شكل غلقاً لقوس الإسلام السياسي في تونس، لذلك لا أستبعد عودة الحركة إلى النشاط السري فهو سيناريو مطروح خصوصاً بعد غلق مقارها".
وأردف الصغير أن "النهضة استنفذت كل إمكاناتها ومشاريعها، فهي دخلت مرحلة السرية في وقت سابق وأسست على فكرة عقائدية دينية، وحاولت أن تظهر كحزب مدني ليبرالي واستغلت مرحلة تاريخية عاشتها تونس منذ 2011 وتمكنت من الحكم وكرست نفسها كسلطة وخاضت تجربة الحكم والسلطة لكنها فشلت ولم تحقق منجزاً واحداً".
وشدد على أن "الحركة تعيش الآن تخبطاً في قيادتها في مرحلة ما، وقد تسعى إلى تغيير اسمها وجلدتها من أجل تحقيق ولادة ثانية وفي مرحلة أخرى تتعاطى بصور مختلفة السياسة، لكنها تلعب في الوقت الضائع، لأن الإسلام السياسي انتهى والعالم دخل في مرحلة جديدة".
وأوضح الصغير "أعتقد أن النهضة نفسها تدرك أنها دخلت في مرحلة مخاض صعب وتبحث عن ولادة جديدة وهي أمر صعب، لأنه ليس لها مشروع تقدمه للتونسيين ولا صيغة يمكن أن تظهر بها، وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي، إذ لم يعد لها أية شعبية وحتى فكرة المظلومية لم تعد تعطي أكلها".
وتكرر قوى سياسية تونسية مطالبها للرئيس قيس سعيد باتخاذ إجراءات عاجلة في ملف المحاسبات القضائية الخاصة بتمويل الإرهاب والفساد، مؤكدين على ضرورة حل كافة الأحزاب التي تقع تحت طائلة التمويلات الخارجية وفي مقدمتها حركة النهضة.
ويشير، في هذا الشأن، المحلل السياسي التونسي نزار الجليدي، في تصريح إلى تورط حركة النهضة في عشرات القضايا التي تجعلها منبوذة من الشارع، وفقدت أي مصداقية أو شعبية لها، لعل أبرزها، الفساد المالي والسياسي في البلاد، والولاءات الخارجية، فضلاً عن التلاعب بالمؤسسات القضائية ومحاولة اختراقها واستغلالها إبان فترة حكمها للبلاد، وتعمد إخفاء نحو 60 ألف ملف تتعلق بقضايا الاغتيالات السياسية والجهاز السري للتنظيم، باعتباره أخطر الخلايا المسلحة التي تمارس العنف في البلاد.
من جانبه، قال زياد القاسمي أستاذ القانون والمحلل السياسي التونسي: "بإمكان القضاء حل حزب النهضة بعد تقييمه لأفعاله عن طريق إدانة مجموعة منتمية له، بارتكاب أفعال إرهابية أو ممارسة العنف، وهو ما يحصل حاليا".
وأكد لـ"العين الإخبارية"، أنه "في حال كانت الأفعال فردية، يستثنى الحزب من الإدانة، لكن في حال ثبوت تورط ذلك الحزب وثبوت التهم ضده وإدانته قضائيا، بالإمكان حله".وأشار إلى أن قضية "لوبيينغ" (اللوبيات) "ستعصف بأحلام حزب الإخوان خاصة بعد التأكد من تلقي النهضة مالا أجنبيا في الانتخابات التشريعية لعام 2014".
ومؤخرا، قررت الدائرة "الجناحية" المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس حجز ملف قضية "اللوبيات" للنطق بالحكم يوم 1 فبراير/شباط المقبل.والقضية تشمل رئيس حركة النهضة الإخوانية، راشد الغنوشي، وصهره رفيق عبدالسلام، وتتعلق باتهام حركة النهضة بقبول تمويل مباشر صادر عن جهة أجنبية.
وفي تقريرها العام حول نتائج مراقبة تمويل الحملات الدعائية للانتخابات الرئاسية السابقة والتشريعية لعام 2019، رصدت محكمة المحاسبات أن حركة النّهضة "تعاقدت في 2014 مع شركة الدعاية والضغط BCW الأمريكية لمدّة 4 سنوات بمبلغ قدره 285 ألف دولار".
وكان قرار محكمة تونسية بسجن زعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي ثلاث سنوات في قضية تلقي حزبه تمويلات أجنبية قد أثار تكهنات بأن يكون ذلك تمهيداً لحل الحركة، خصوصاً أنها تواجه تهماً عدة.
ويقبع الغنوشي في السجن منذ أبريل (نيسان) الماضي بعد تحريك دعوى ضده إثر حديثه عن أن "تونس من دون إسلام سياسي أو يسار أو غيرهما من الأطياف السياسية هي مشروع حرب أهلية"، مما عدته السلطات تحريضاً على الانزلاق نحو الفوضى في البلاد.
ويرى مراقبون أن حركة النهضة لا يمكن أن تستمر بالدعم الخارجي في ظل غياب رئيسها راشد الغنوشي، والحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وهو الذي كان كلمة السر التي تفتح له غرف القرار في العواصم الداعمة لجماعة الإخوان.
من جانبه، أشار الباحث في شؤون التيارات المتشددة والقضايا الاستراتيجية في تونس الدكتور علية العلاني إلى أن حركة النهضة تواجه الآن تحقيقات قضائية تتعلق بالخروقات والتسريبات الانتخابية، بالإضافة إلى قضية تسفير آلاف الشباب التونسيين للقتال مع إرهابيين في الخارج.
وقال العلاني في تصريح إن المطالبة بحل وحظر حركة النهضة يحتاج إلى حكم قضائي، لافتاً إلى أن الغالبية العظمى من الشعب التونسي أصبحت تلفظ التنظيم بعد اتهام قياداته وأعضائه في العديد من القضايا، ما يؤثر على مستقبل الحركة، بعد أن أصبحت أقلية غير مؤثرة بالمشهد السياسي، وفقدت الكثير من مواقعها.
يُذكر أن الغنوشي بقي الرّجل المهيمن على النّهضة لأنّه المتصرّف في ماليتها”. ويقول مقربون من الحركة إن الغنوشي يستعمل ورقة الأموال لإخافة الغاضبين من سياساته، خاصة أن هناك المئات من قيادات مختلفة، عليا ووسطى ومحلية، متفرغين بشكل كامل للعمل التنظيمي.
محمد الحبيب الأسود القيادي السابق يقول إن استبداد الغنوشي بالحركة و”تمكنه من تمثيل هوية الحركة بمفرده، وفي كونه الشخصية الوحيدة من كل أبناء الحركة، الذي له حضور دولي وصيت عالمي، يعود إلى أسباب أغلبها خارجية وفيها تناغم مع أجندات أجنبية”.
0 Comments: