هل يصبح عبد الملك الحوثي المرشدَ الأعلى في اليمن؟
بعد نحو عشر سنوات على اندلاع الحرب التي أدت لمقتل مئات الآلاف، وتركت نحو 22 مليون يمني بحاجة لمساعدات، نصفهم على حافة المجاعة، لا يبدو أنّ اليوم التالي لتوقف الحرب يبشر بنتائج إيجابية، حيث نقلت وسائل إعلام تصريحات صادرة عن جماعة الحوثي بشأن مكانة زعيمها عبدالملك في يمن ما بعد الحرب اُعتبرت محبطة إلى حدّ بعيد لشركاء التسوية وللقوى الإقليمية والدولية التي تحاول الدفع بها على حدّ سواء.
وقال القيادي في الجماعة وعضو وفدها المفاوض عبدالملك العجري إنّ عبدالملك الحوثي سيظل سلطة عليا في البلاد في حال التوصل إلى أي تسوية سياسية، وبغض النظر عن تفاصيل تلك التسوية وما ستؤول إليه.
ويعني كلام العجري، أنّ جميع القوى اليمنية التي ستستجيب لجهود السلام على أساس الشراكة في حكم اليمن وتسيير شؤونه سيكون عليها التسليم بواقع أنّ قيادة البلاد محجوزة سلفاً لجماعة الحوثي، كما سيكون عليها القبول بالعمل تحت إمرة عبدالملك الحوثي الذي سيكون في موقع أقرب إلى موقع المرشد الأعلى في إيران صاحب السلطة المطلقة وغير الخاضع لأي نوع من أنواع الرقابة والمحاسبة من قبل أي هيئة قضائية أو تشريعية أو غيرها.
وحول معضلة "اليوم التالي" في اليمن وتحديات التسوية السياسية، نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة قراءة تحليلية بقلم رئيس وحدة الاتجاهات الأمنية في المركز أحمد عليبة، أكد فيها أنّ التحدي الفعلي في الأزمة اليمنية يتمثل في إجراء عملية تسوية سياسية شاملة، ولكن في ظل الوضع الحالي لا يزال وجود مشروع وطني جامع للقوى السياسية غائباً. وحتى لو تم الاتفاق على إطار سياسي برعاية الأمم المتحدة وفي سياق الحل الإقليمي، فإنّ فرص تنفيذه على أرض الواقع ستظل غير ممكنة على الأقل في المدى المتوسط.
وأشار عليبة إلى تقاطع "اليوم التالي" في اليمن مع "اليوم التالي" في حرب غزة، عندما انخرطت الجماعة الحوثية في معركة بحرية في جنوب البحر الأحمر بدعوى إسناد الفلسطينيين في غزة، وربطها بتوقف الحرب في القطاع.
لكنّ "اليوم التالي" في غزة هو يوم إشكالي في ظل احتمالات تحول المعركة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني إلى حرب واسعة، وبالتبعية قد يكون للحوثيين دور فيها. وبشكل عام، تعهد الحوثيون بدعم إيران في أية مواجهة إقليمية، وهو ما أكدته الجماعة أكثر من مرة. ففي أعقاب تلويح قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، في 7 أيار (مايو) 2024، بنقل التهديد إلى شرق المتوسط، أعلن الحوثيون إمكانية تطوير هجماتهم لاستهداف السفن في البحر المتوسط.
وسبق أن دعت الجماعة الحوثية، في آذار (مارس) الماضي، السعودية إلى استئناف "عملية السلام" في اليمن، وهو ما يبدو معه ظاهرياً أنّ الجماعة تراجعت خطوة إلى الوراء أو أنها بصدد فصل الملفات، لكن عملياً كانت هناك دوافع لذلك، منها أنّ تلك الدعوة جاءت عقب دخول التصنيف الأمريكي للحوثيين "ككيان إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص"، حيز التنفيذ، وزيادة العقوبات والقيود الاقتصادية على الجماعة. وأعقب ذلك متغير الموقف الإيراني كمحرك رئيسي للسلوك الحوثي في ظل إجراء واشنطن وطهران جولة تفاوض جديدة في أيار (مايو) الجاري في سلطنة عُمان، ومن المتوقع انعكاس تأثيرها في الملفات الإقليمية، ومنها الهجمات الحوثية على الملاحة في جنوب البحر الأحمر.
خلال الحرب في غزة، كانت "وحدة الساحات" مظلة لأدوار الوكلاء الإقليميين لإيران، ومع ذلك فإنّ التطورات اللاحقة تشير إلى فصل الأدوار عن الأهداف الفعلية لكل ساحة من الساحات؛ إذ يتم التفاوض في كل ساحة على قضايا مختلفة للتوصل إلى صفقات بالقطعة ليس لها علاقة بالحرب في غزة. وبشكل عام، توظف إيران كل هذه الصفقات لإبرام صفقة أكبر، فقد اتجهت طهران بعد استهداف إسرائيل لأصفهان في 19 نيسان (أبريل) الماضي، إلى إعادة ترتيب أوراقها، والاهتمام بقدراتها النووية. وفي هذا الإطار، كشفت تقارير أمريكية عن أنّ السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، بدأ مساعي المفاوضات مع واشنطن، ثم تحولت المحادثات بين البلدين إلى عُمان.
وتؤكد القراءة التحليلية، أنّ لدى إيران طموحات جيوسياسية في الوجود في البحر الأحمر كنقطة انطلاق إلى أعالي البحار، ودلالة ذلك تحرك السفينة "مهدوي" التابعة للحرس الثوري في رحلة بحرية هي الأولى من نوعها في المحيط الهندي جنوب خط الاستواء انطلاقاً من خليج عدن.
ومع ذلك يتوقع أنّ السياسة الإيرانية نفسها قد تكون على أعتاب يوم تالٍ في أعقاب حادث سقوط طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية أمير حسين عبداللهيان ورفاقهما يوم 19 الجاري، والإعلان عن وفاتهم. وعلى الأقل، فإنّ التحركات التي كان يقوم بها وزير الخارجية الإيراني الجديد، علي باقري كني، في ملف المفاوضات مع واشنطن قد تتأجل بعض الوقت لحين تجاوز طهران هذه الأزمة. وبالتبعية ستكون أولوية السياسة الإيرانية هي الملف الداخلي الذي سيحظى بالاهتمام الرئيسي على الأقل في الأشهر الثلاثة المقبلة لحين ترتيب البيت الداخلي وإعادة تشكيل السلطة التنفيذية بعد وفاة رئيسي.
في إحاطته الأخيرة حول اليمن في مجلس الأمن يوم 13 الجاري، أدلى نائب السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، روبرت وود، بشهادة لافتة تُلخص نتائج المواجهة مع الحوثيين في البحر الأحمر. فقد كشف وود عن أنّ عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى اليمن متواصلة بشكل غير مسبوق، مع أنّ أحد أهداف تحالف "حارس الازدهار" في البحر الأحمر هو وقف عمليات تهريب السلاح.
وفي الواقع كانت السفن الإيرانية تتحرك من بندر عباس إلى الصومال ثم الساحل الغربي في اليمن من دون قيود، بزعم أنّ العديد منها يحمل مواد بناء، وهي حمولات لا تخضع للتفتيش لعدة اعتبارات؛ منها أنّ اتفاق التهدئة يتضمن تخفيف القيود على ميناء الحديدة الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية، ولا تخضع مواد البناء للعقوبات الأمريكية. فضلاً عن الحذر الأمريكي من استهداف سفن إيرانية؛ إذ لا تريد واشنطن التصعيد مع طهران.
وتتماشى شهادة وود مع محصلة البيانات الحوثية حول الهجمات في البحر الأحمر منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2023 عندما احتجز الحوثيون السفينة "غلاكسي ليدر"، وحتى منتصف الشهرالجاري عندما استهدفت الجماعة المدمرةَ الأمريكية "ميسون" والسفينة "ديستني"، وذلك بإجمالي أكثر من 100 هجوم حوثي اُستخدم فيها أكثر من 300 صاروخ ومسيرات جوية وبحرية.
في المقابل، يعكس مؤشر أداء المهام البحرية الدولية في البحر الأحمر تراجعاً في العمليات الهجومية والاستباقية، بل يمكن القول إنّ تحالف "حارس الازدهار" تحول إلى عملية روتينية تقتصر على الدفاع. والتطور اللافت في هذا الصدد هو ما أشار إليه "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" (IISS) في إبريل الماضي؛ إذ كشف من خلال تحليل صور الأقمار الاصطناعية عن قيام الحوثيين بعمليات حفر وتوسيع أنفاق وكهوف في الجبال؛ بهدف تأمين مخازن للأسلحة. وخلال العمليات الهجومية الأمريكية والبريطانية لاستهداف المنظومات العسكرية الحوثية، كان بإمكان القوات المشاركة في "حارس الازدهار" استهدافها على قمم وسفوح الجبال، لكن وجود هذه المخازن يسمح للحوثيين بالمناورة السريعة وإعادة الأسلحة مرة أخرى إلى المخازن. وبطبيعة الحال، سيكون لهذه المخازن أهميتها في تأمين الأسلحة الحوثية في مواقع مختلفة من اليمن حالياً ومستقبلاً.
وكدرس مستفاد من هذه التطورات، من المُتصور، وفق عليبة، أن إخضاع البنية الأمنية والعسكرية في المنطقة لصفقات سياسية دون إظهار القدرة على الردع النشط ضد العدائيات التي تهدد المنطقة البحرية؛ يشكل فجوة في الأهداف الفعلية للانتشار الأمريكي في الإقليم، وربما تتعين إعادة تقييم هيكل هذه البنية في مقابل التهديدات والمخاطر في ضوء ما يجري منذ اندلاع حرب غزة.
تشير الجماعة الحوثية إلى "عملية سلام" وليس "خريطة طريق" في اليمن، وهنا ثمة فارق بين الحالتين، فالأولى قد تتعلق بالمفاوضات الحوثية على المستوى الثنائي مع الرياض، بينما تشير الثانية إلى عملية تسوية سياسية شاملة مع مختلف القوى اليمنية؛ وهي نقطة لا تزال بعيدة نسبياً في المرحلة الحالية، وفقاً لإحاطة المبعوث الأممي غروندبيرغ في مجلس الأمن يوم 13 الجاري.
وعلى الأرجح، وفق مركز المستقبل، لا تريد الجماعة الحوثية الالتزام بترتيبات داخلية في المرحلة الحالية، ومؤخراً شنت هجمات على العديد من الجبهات في اليمن (مأرب وشبوه والجوف)؛ وبالتالي قد تعود إلى تحويل فائض استخدام القوة من البحر الأحمر إلى الداخل لإعادة صياغة موازين القوى قبل الانخراط في عملية تسوية سياسية يكون لها استحقاقات مختلفة.
وتتطلب استحقاقات التسوية الشاملة وجود سلطة موحدة، وهو تحدٍّ كبير في ظل أزمة الهوية مع تكريس المشروع الأيديولوجي الحوثي؛ وهذا أمر ضروري من الناحية الإجرائية بالنظر إلى أنّ وحدة السلطة تعني احتكار الدولة لأدوات القوة؛ ومن ثم القرار السيادي، فلا يمكن استمرار الحوثيين في الانفراد بقرار الحرب. ومن هنا تأتي إشكالية رئيسية أخرى تتعلق بالتعامل مع السلاح الحوثي، ويصعب من الناحية العملية أن تشاركه الجماعة مع باقي الأطراف.