الجمعة، 14 يونيو 2024

الإسلاميون والدولة: صراع على الحكم وليس لخدمة الدين

 

الإسلاميون


الإسلاميون والدولة: صراع على الحكم وليس لخدمة الدين

يشكل كتاب "مرجعيات الإسلام السياسي"، للمفكر التونسي الدكتور عبد المجيد الشرفي، جزءاً مهماً ضمن مساهماته النقدية، في فهم ظاهرة الإسلام السياسي، في المجتمعات العربية، وعلاقة الدين بالدولة، ومشكلة تحديث الفكر والوعي الديني، في مواجهة التراث، وحكم الفقهاء، واستبداد السلاطين.

وقد دأب الشرفي، طوال مسيرته الأكاديمية، على تتبع ظاهرة الجماعات الدينية المختلفة، وتكويناتها المتعددة، بهدف تفكيك أدبياتها، والأفكار التي روجت لها، ورصد الحوادث التي رافقتها، لتحديد صلاتها وارتباطها العضوي، بالتاريخ والثقافة التي تنتمي لهما، من ناحية، وتحليل شروط انبعاثها الراهن، وفق سياقاتها الزمنية الحديثة، من ناحية أخرى.

ويبدو أنّ الكتاب الصادر عن دار التنوير، في العام 2014، استئناف لجهود عديدة سبقته، يعيد الشرفي بلورتها وصياغتها، بشكل مكثف وسريع ومقتضب، مدفوعاً بمخلفات ثورات "الربيع العربي" التي اجتاحت عدة عواصم عربية، وقد شهدت خلالها، بزوغاً لنجم الإسلام السياسي، بصورة مؤثرة، واقعياً، سواء في الصراع السياسي، والمنافسة البراغماتية على الحكم والسلطة، أو في الجدال الثقافي والفكري، الذي احتدم مع خصومهم التاريخيين، من التيارات الليبرالية والعلمانية واليسارية.

يقر صاحب "الإسلام بين الرسالة والتاريخ"، أنّ دولة الخلافة، التي يتهافت على استدعائها الإسلاميون، لا تعدو كونها، نموذجاً للحكم، لا يختلف عن غيره، ممن كان سائداً، في ذلك التاريخ، والحضارات القديمة، التي تشكلت حوله؛ مثل الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية، وبالشكل الذي اقتضته رهانات تلك المرحلة، سواء من الناحية السياسية والاقتصادية، وكذا، مصالحها الطبقية والاجتماعية.

ومن ثم، فإنّ الصلة بين الإسلام والدولة، لا تقوم على ضرورة حتمية، وارتباط عضوي، إذ إنّ الدولة ليست هي المسؤولة عن نشر الإسلام، فكما انتشر الاسلام بفضل الفتوحات، لكنه في الآن نفسه، اعتنقته شعوب في أقاصي آسيا، عبر نشاط التجار والمتصوفة، كما هو الحال، في أندونيسيا، التي تعد أكبر دولة إسلامية، من حيث عدد سكانها.

إذاً، يتبنى الشرفي، فرضية مهمة، وهي أنّ المركزية الجامعة بين الإسلام والدولة، التي تحمل العقيدة، في بنيتها السياسية، وتستلهم من خلالها الشرعية في الحكم، كانت مرتبطة بظرف تاريخي معين، اقتضى معه مأسسة الدين. لكن ذلك، لم يؤد إلى اختلاط في الوظائف، بين السلطتين الدينية والسياسية، حيث كان كل منهما يعتمد على الآخر، في تعيين دوره وممارسة مهامه ووظائفه.

ويوضح صاحب "الإسلام والحداثة"، أن المجتمعات الإسلامية والعربية، كانت فقيرة سياسياً، على المستوى النظري، في ما يتعلق بفلسفة السلطة والحكم، بعكس بما أنتجه الفكر اليوناني القديم، على هذا الصعيد، ومن ثم، كان السلطان بحاجة إلى المشروعية الدينية، كما أنّ الممثل الديني "الإمام"، كان يستعين بالسلطة السياسية، لتنفيذ مهامه المجتمعية.

ولئن شهدت الدول والإمبراطوريات، التي تكونت في عهد الخلفاء الراشدين، أو في عهد الدولة الأموية والعباسية، تفككها وتحولها إلى دويلات مستقلة؛ حيث بدأت مع الأدارسة، في المغرب الأقصى، والأغالبة في تونس، وصولاً إلى بغداد، التي كانت مركز الخلافة العباسية، وقد سقطت، في القرن الرابع الهجري، في أيدي البويهيين، ثم السلاجقة، فإنّ النواة الصلبة، التي ظلت تجمع المواطنين وأفرد الأمة، وتحتفظ بتماسكها، هي جملة العقائد والممارسات والطقوس الدينية، التي تميز المسلم عن غيره، حتى خارج مظلة وهيمنة الحكم الذي سقط.


طرح الشرفي آراء العديد من المفكرين والمصلحين العرب، خلال القرنين الماضيين، ممن تناوبوا على بحث قضية العلاقة، بين الإسلام والدولة، واشتبكوا مع عوامل وأسباب الردة التاريخية، تحت وطأة الانسحاق للفكر الماضوي، وتأبيد سلطة التراث وتقديس السلف.

ومن بين الذين بعث المفكر التونسي دورهم، وكشف عن إسهاماتهم الفكرية، كان رفاعة الطهطاوي الذي حدد أنّ الدولة تقوم على ركيزتين؛ القوة الحاكمة، التي تضمن الأمن، وتنتظم عبر أطرها القانونية، نظام الحياة الاجتماعية، وهو ما يحتاج برأي الطهطاوي، إلى مواثيق قانونية ودستورية، يؤسس لها الفكر السياسي المحض، بدون المرجعية الدينية، ومن ثم، أقر بضرورة الفصل بين السلطات، واعتبر الأمة مصدرها.


وفي السياق ذاته، أشار إلى خير الدين التونسي، الذي أخذ خطوة أكثر جرأة، ورأى بضرورة استلهام الحداثة السياسية ونظامها في الغرب، وقال بأنّ "خلاص الأمة الإسلامية، متوقف على البدء بتغير نظام الحكم فيها، والانتقال بها، تدريجياً، نحو النموذج الغربي".

كما كان الإمام محمد عبده، أحد هؤلاء الذين أقروا بـ "مدنية" الحكم في الإسلام، ورفض الحكم الديني، وأكد على رفضه نظرية الحكم الإلهي، ومقولة أنّ "الخليفة هو ظل الله على الأرض"، بما يؤسس لاستبداد سياسي على أسس دينية، وصرح بأنّ نماذج الحكم، التي عرفها التاريخ الإسلامي، غير ملزمة للمسلمين في العصر الحديث.

ومثلهما، كان الشيخ الأزهري، علي عبد الرازق، مؤلف كتاب "الإسلام وأصول الحكم"، الذي يتفق مع الرأيين السالفين، معتبراً أنه ليس ثمة ما يمنع المسلمون، من تطوير نظم حكمهم، على غرار ما يحدث في الغرب.




وبينما كانت معركة الخلافة محتدمة، بعد تحولها إلى مجرد سلطة روحية، عقب سقوطها، على يد مصطفى كمال أتاتورك، في عشرينيات القرن الماضي، واجه تلميذ الإمام محمد رشيد رضا، تلك التحولات والدعوات المؤيدة، وتصدى لها؛ حيث طالب بإحياء الخلافة الإسلامية، والتي كانت أحد المدخلات الرئيسية، والعوامل المفتاحية، لنشوء تنظيم الإخوان المسلمين، بعد أربعة أعوام من سقوط الخلافة في الاستانة.


ويوضح الشرفي، أنه إبان وفاة الرسول، عليه السلام، اندلعت الصراعات حول من يمثل الحكم، ويحتل موقع الخلافة، عقب وفاة الرسول، عليه السلام، والتي تسببت فيها العصبيات القبلية والعربية، وخلق توترات عديدة، وفتح دوائر عنف طويلة، في التاريخ الإسلامي، نتج عنها ذلك التصدع الذي دشنه ظهور مرجعيتين دينيتين؛ السنة والشيعة، والانحياز لنظم حكم مختلفة عن الآخر.

وإلى ذلك، فإنّ نشأة الإسلام السياسي، يتحتم أن توضع في إطار الظرف السياسي والثقافي الذي تمخضت عنه، حتى يمكن فهم وتعيين، وضعها الواقعي، في المجتمعات العربية؛ إذ إنها تنتمي إلى نشأة الدولة الحديثة، في المنطقة العربية، بكل معطياتها التاريخية.

فقد ظهرت الجماعة الأم "الإخوان المسلمين"، في فترة ما بين الحربين العالميتين، العام 1928، والتي تعد أحد ردود الفعل، على سقوط الخلافة، في العام 1924، من ناحية، ونشوء الدولة الوطنية، من ناحية أخرى، والتي لها حدود جغرافية ثابتة، أو شبه ثابته. لكنها، على كل حال، لا تنتمي إلى واقع الامبراطوريات القديمة.


وبحسب الشرفي، فإنّ إخفاق مشروع التحديث في الوطن العربي، أدى إلى القطيعة مع الأفكار التقدمية والحداثية، ما ساهم في تمرير الفكر المحافظ، سياسياً وفكرياً، ووفر الشروط والمناخ، ما سمح بتمدد التيارات الأصولية. وهي الحالة التي تتقاسمها تونس ومصر، كما يشير الشرفي الذي يرى أنّ الأيديولوجيات المحافظة، في كليهما تهيمن بصورة ملحوظة، تحت مسمى تطبيق الشريعة، التي هي، بالأساس، أحكام فقهية، نسبية، ومخرجات بشرية، لضرورات عملية، فرضتها الحوادث التاريخية لحظتها.ويعود ذلك، لعامل رئيسي؛ هو غياب أي بعد ثقافي ونقدي، منذ ظهر الإسلام السياسي، قبل نصف قرن، والذي كرس للنظام القبلي.


وثمة تناقض يحمله الإسلامويون، يكشف عن رؤيتين، ليست إحداهما مع الدين والأخرى ضده، كما يروجون، لكن، نتج عن الشرط التاريخي، الذي أدى إلى تطور فلسفة الحكم ونظريات السياسة، ونشوء الدولة، كمفهوم حديث ومتطور، نجمت عنه صورة مغايرة في الحكم، بخلاف الواقع التقليدي والقديم، فأضحت الدولة تمثل القوة، التي تمارس الحكم بالقانون والدستور، ويخضع لها المواطنون، ومن ثم، لا يمكن لها أن تنفذ أحكاماً عشائرية، باتت متهالكة، وفقدت صلاحيتها التاريخية، كمثل القصاص، وتأخذ بالثأر، عوضاً عن بنود القانون وأحكامه، وهو نفس الأمر، الذي فرض على الإخوان المسلمين، القبول بزي للمرأة مثل؛ البنطال، وقد كانت ترفضه وتحرمه، قبل عقود.

الجمعة، 7 يونيو 2024

ألسنة حداد... لماذا يواجه الإخوان والإسلاميون مخالفيهم بالسب والتشويه؟

 

الإخوان والإسلاميون


ألسنة حداد... لماذا يواجه الإخوان والإسلاميون مخالفيهم بالسب والتشويه؟

المتابع لعدد من صفحات الإسلاميين من تيارات مختلفة على وسائل  التواصل الاجتماعي يجد مجموعة من السلوكيات المتكررة التي تبدو كظاهرة، تتمثل هذه السلوكيات في استخدام الألفاظ النابية والشتائم بأنواعها وبدرجاتها المختلفة تجاه المختلف معهم أو المخالف لهم في أيّ رأي أو فكرة أو توجه، ويظهر ذلك في مواقف كثيرة سواء من جانب أصحاب الصفحات أنفسهم أو من جانب مئات وآلاف المتابعين لهم من الذين يتأثرون بأفكارهم وخطابهم


 كما يظهر في العديد من التعليقات من أشخاص واقعين تحت التأثير نفسه على صفحات أخرى يقومون خلالها باستخدام الأسلوب ذاته للتعبير عن موقفهم تجاه شخص ما أو فكرة ما مخالفة لما يعتقدون من أفكار وما يتبنّون من قناعات، بشكل يجعل الكثير منّا يتساءل عن السبب في ذلك التناقض وتلك المفارقة العجيبة بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون! كيف لأفراد من المفترض أنّهم دعاة إلى الدين أو أنّهم متدينون، ومن المفترض أن يتحلوا بالقيم الدينية التي تحضّ على الأخلاق الحسنة، كيف لهم أن يمارسوا تلك السلوكيات التي تتنافى مع الدين والأخلاق؟

من أبرز السمات التي تميز التيار الإسلامي بمكوناته المختلفة وبتنظيماته وتياراته الفرعية أنّ كلّاً منهم يرى أنّه هو الذي يملك الحق المطلق مقابل الآخر الذي يمثل الباطل المطلق، وأنّه هو الذي يفهم الإسلام على الوجه الصحيح، ومن ثم يدافع عنه مقابل الآخر الذي يفهمه فهماً مغلوطاً أو يعادي الدين من الأساس، وهذه صورة متطرفة تجعل نظرة الفرد ورؤيته للأمور والأشخاص والأفكار غير سليمة، وينتج عنها عدة نتائج؛ منها عدم تقبل الخلاف والتنوع في الفكر والرأي، والرفض المطلق للمخالف ولأفكاره وآرائه، والنظر إليه، خاصة غير الإسلامي، على أنّه معادٍ للدين ومحارب له، والحدة معه في النقاش وفي إطلاق الأحكام عليه، والتعصب في التعبير عن الرأي، واستخدام أساليب غير أخلاقية وألفاظ ومصطلحات تمثل سبّاً، وتتعمد التقليل منه وتحقيره. 

في دراسة قام بها الباحث الاجتماعي والسياسي الأمريكي (ليرد ويلكوكس) للخطاب الخاص بعدد من غلاة الجماعات السياسية والاجتماعية المتطرفة في أمريكا وخارجها، توصّل إلى عدد من الخصائص التي تتسم بها تلك الجماعات، والتي ينطبق عدد منها على هؤلاء المنتمين للتيارات والتنظيمات الإسلامية وكثير من المتأثرين بخطابهم من المتابعين والمؤيدين، ومن خلال التعرف على هذه الخصائص يمكننا فهم وتفسير تلك الظاهرة التي تتعلق بممارسة السب والتشويه من جانب بعض الإسلاميين تجاه مخالفيهم، وقد تناول هذه الخصائص بالعرض والشرح الدكتور شاكر عبد الحميد في كتابه (التفسير النفسي للتطرف والإرهاب)، ومن بين هذه الخصائص التي يتسم بها المتطرفون، أنّهم يتسمون بالرؤية الثنائية الضدية للعالم


 حيث يميلون إلى رؤية العالم وتصنيف البشر إمّا كخيرٍ محض، وإمّا كشرٍّ محض، ولا يوجد لديهم درجات وسطى بينهما، كما يتسمون بالميل إلى النظر إلى خصومهم ومنتقديهم على أنّهم أشرار بطبيعتهم، ويرونهم مجموعة من الأشخاص الذين تتوافر فيهم كل السمات السيئة لمجرد أنّهم لا يتفقون معهم في أقوالهم ومعتقداتهم، أو لأنّهم لديهم اهتمامات تعارض اهتماماتهم، ويتسمون كذلك بإطلاق التعميمات، ولا يستطيعون التفرقة بين المختلفين معهم من حيث أوجه الاختلاف أو درجته أو أسبابه، وبالتالي يوجهون سخطهم ونقدهم ويمارسون السب والتشويه تجاه كل مختلف معهم بالطريقة والدرجة نفسها، ويتسمون أيضاً بممارسة الاغتيال المعنوي للشخصيات


 ويركزون في هجومهم على خصائص خصومهم الخَلقية والخُلقية ودوافعهم وصفاتهم وتاريخهم أكثر من تركيزهم على الآراء والحقائق والقضايا المثارة، كما يميل المتطرفون إلى تخويف وترهيب وتهديد خصومهم من أجل أن يفرضوا آراءهم، ويتسمون كذلك بأنّهم يفترضون في أنفسهم تفوقاً أخلاقياً على الآخرين، وأنّهم الصفوة والأخيار، ويتسمون بأنّ لديهم قناعة بأنّ ثمة نتائج كارثية سوف تترتب على عدم اتباع الناس لأفكارهم أو عدم نصرتهم لها، ويتسمون أيضاً بتفكيرهم بأنّ القضية العادلة يجوز فيها استخدام أمور سيئة، ولذلك قد يلجؤون إلى تشويه الحقائق وتلويث سمعة الآخرين والطعن في شرفهم، فكلّ شيء مباح طالما كانت القضية عادلة من وجهة نظرهم



 ويتسمون أيضاً بالحساسية العالية تجاه أيّ نقد، ويتخيلون وجود الرفض والمعارضة لهم حتى في الحالات التي ربما تحمل نصيحة مخلصة لهم، ويرى الباحث كذلك أنّ المتطرفين، خاصة المنتمين لحركات دينية متطرفة، يستخدمون منطقاً ما ورائياً من أجل تبرير معتقداتهم وأفعالهم، فيرون أنّ حركتهم وقضيتهم تجسدان أوامر الله، وأخيراً يتسمون بالميل إلى شخصنة حالة العداء، حيث يتمنون غالباً أن يلحق سوء حظ شخصي وكوارث بأعدائهم، ويحتفلون عندما يحدث لأحد خصومهم أو المختلفين معهم حادثة أو يصاب بأذى، وبالتالي فكل هذه السمات عندما تتوافر في الفرد المنتمي لجماعة أو تيار ديني أو متأثر بهم، فإنّها تنتج ذلك السلوك تجاه أيّ شخص يحمل فكرة مخالفة أو يقدّم نقداً لأفكاره.


يستند الإسلاميون الذين يمارسون ذلك السلوك تجاه مخالفيهم إلى عدد من الآراء الفقهية التي تجيز سبّ من يطلق عليه "كافر" أو فاسق"، والحديث عنه بالسوء ولعنه، وهناك العديد من المواقع السلفية التي تتبنّى هذه الآراء وتنشرها، ويتأثر بها ملايين المتابعين من الناس العاديين، فعلى سبيل المثال تأتي فتوى على موقع "الإمام بن باز" تقول إنّ بعض أهل العلم يجيز سبّ الفاسق المعيّن، أي بذكر اسم شخص على وجه التحديد وسبّه وذكره بصفات سيئة طالما توافرت فيه صفة "الفاسق"


 كما ترد على الموقع السلفي "الإسلام سؤال وجواب" فتوى بأنّه "يجوز الفرح بهلاك أعداء الإسلام، والكائدين له، وهلاك أهل الزندقة والبدع المغلظة، وهلاك أهل الفجور والفساد، بل يفرح أهل السنَّة بالمصائب التي تحلّ بهم كمرض أحدهم أو سجنه أو نفيه أو إهانته"، وفي فتوى أخرى على الموقع نفسه تقول: "النهي عن سب الأموات، هو في غير المنافق، وسائر الكفار، وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة، فأمّا هؤلاء: فلا يحرم ذكرهم بشر، للتحذير من طريقتهم، ومن الاقتداء بآثارهم، والتخلق بأخلاقهم"، وفتوى أخرى جاء فيها: "يجوز السخرية بأولئك المحادين لله ورسوله ودينه"


 وفي أخرى: "الغيبة تكون جائزة، بل قد تكون واجبة، إذا كانت لتحذير المسلمين من شر فاسق أو ضال أو مبتدع"، وفي مقطع لأحد الدعاة السلفيين يتحدث فيه عن أنّ الدين ليس ترغيباً فقط بل فيه ترهيب كذلك، وأنّ الدعاة عليهم استخدام الشدة في بعض المواقف مع الناس، ويستشهد في إطار ذلك بالنبي إبراهيم عندما قال لقومه "أفٍّ لكم"، وبالنبي موسى عندما ألقى بالألواح وأخذ برأس أخيه هارون، وأنّ الموعظة الحسنة ليس معناها اللين فقط ولكن معناها الشدة في بعض المواقف



 ويورد خلال المقطع عدداً من المواقف من السيرة النبوية استخدم فيها النبي أو أحد الصحابة الشدة ليبرر أنّ الغلظة في القول والفعل مطلوبة في بعض المواقف، وليثبت وجهة نظره بأنّ التعامل الخشن، بما يندرج تحته من سبّ وسخرية وتشويه، مع المخالف الذي يصفه بأوصاف مثل "فاسق" أو معادٍ للدين" وغيرها من الأوصاف، هو أمر جائز شرعاً، بل هو مطلوب أحياناً.


وتظهر الأزمة هنا عندما نربط هذه النقطة بالنقطة السابقة التي تحدثنا فيها عن رؤية التيار الإسلامي بمكوناته لنفسه وللآخر، والتي يرى فيها أنّه الحق المطلق، وأنّه هو الذي يفهم الدين على وجهه الصحيح، وأنّ الآخر المختلف معه والناقد له هو محارب للدين ومعادٍ له، وبالتالي يتم توصيف الآخر بالفاسق أو الكافر أو المحارب وغيرها من الأوصاف التي يترتب عليها استحلال سبه والسخرية منه ووصفه بالأوصاف السيئة والتشويه المعنوي له، فالأزمة هنا تكون في القراءة الخاطئة للواقع والتوصيف الخاطئ للمواقف والأشخاص ومن ثم القراءة الخاطئة للنصوص والأحكام الفقهية وإنزالها في غير مواضعها.


ربما يكون سبب آخر في ظاهرة التعامل بشكل حاد وبأسلوب غير أخلاقي من جانب الكثير من الإسلاميين مع مخالفيهم يتمثل في الشعور بالضعف نتيجة حالة التراجع الحضاري والتأخر الذي يعيش فيه المسلمون بشكل عام، وأيضاً حالة الضعف التي يعيش فيها التيار الإسلامي، خصوصاً في العديد من المجتمعات على مستوى العالم بعد أحداث الربيع العربي، فهذا الضعف يجعل الإنسان لديه نوع من الحساسية الشديدة تجاه أيّ نقد أو أيّ نصح أو محاولة للتغير أو إصلاح أوضاع قائمة أو أفكار وقناعات دينية سائدة



 حيث يشعر أنّ تلك الأوضاع والأفكار بمثابة حصن له يتحصن بداخله يشعر فيه بالأمان، ويرى أنّه هو الدين الذي إن مسّه أحد برأي أو بتغيير ما، فإنّه سوف يفقد مصدر الأمان بالنسبة إليه، ويشعر بأنّ أيّ نقد أو رأي مخالف لما يعتقده أو تعوّد عليه إنّما هو بمثابة محاولة لهدم الدين والقضاء عليه، وأنّ أيّ شخص يطرح فكرة مغايرة أو يقدّم رأياً مختلفاً إنّما هو عدو للدين يجب التصدي له بكل السبل، وإن كانت غير أخلاقية، فسلامة الغاية لديه تبرر قبح الوسيلة، كما أنّه ينظر إلى ذلك الشخص حينها بأنّه ليس له حقوق لديه، فيجوز سبه وتشويهه والسخرية منه دون أدنى شعور بالذنب، بل يتوافر لديه شعور حينها بأنّه يقوم بعمل ديني نبيل ربما يثاب عليه.

الاثنين، 3 يونيو 2024

هل تتخلى تونس عن سياسة المحاور الإقليمية؟

 

تونس


هل تتخلى تونس عن سياسة المحاور الإقليمية؟

شهدت السياسة الخارجية لتونس، خلال السنوات الأخيرة، نقلة “نوعية” حيث أصبحت السلطة تفاوض شركاءها الأوروبيين والغربيين بندية ودون فرض إملاءات عليها، وهو ما يعتبره مراقبون مؤشر قوي على استعادة الديبلوماسية التونسية عافيتها، واسترجاع سيادتها الوطنية في صناعة القرار الداخلي.

وقد استقبلت تونس خلال أقل من شهر، بداية هذا العام، 3 وزراء خارجية من دول الشرق الوازنة، هي روسيا والصين وإندونيسيا، قبل أن يزورها لاحقا رئيس برلمان كوريا الجنوبية، في دليل على توجه قيادة البلاد نحو تنويع علاقاتها الدبلوماسية، وعدم الاعتماد بشكل شبه حصري على الغرب.

وعانت السلطة التونسية في العشرية الماضية من تبعات سياسة المحاور، وجعلتها تتخبّط في حالة من الانقسام والتشرذم الشعبي والسياسي الداخلي، الذي برز خصوصا في التجاذبات السياسية بين الإسلاميين والعلمانيين.


وأفاد أستاذ القانون الدولي منتصر الشريف “بعد 2011 حادت تونس بعض الشيء عن ثوابتها الدبلوماسية خصوصا من ناحية الحياد والتدخل في اتخاذ القرار خارجيا، وظهرت سياسة التحالفات خصوصا في علاقة بالأزمة الليبية، وصعود الإسلاميين إلى السلطة في تونس، ورفض حكومة شرق ليبيا التعامل معهم”.وأضاف "سياسة المحاور أثرت على العلاقات الخارجية، وحتى داخليا في مستوى البرلمان الذي كان منقسما، وأنتج شارعا شعبيا منقسما"



وأردف الشريف "التوجه الجديد يجب أن يعيد الثوابت الدبلوماسية القديمة، وهذا لا يعني التخلي عن الغرب بقدر ما يعني تنويع العلاقات الدبلوماسية والانفتاح على كل الدول، كما أن شريك تونس الأول هو الاتحاد الأوروبي، وذلك لا يمنع من ربط علاقات شراكة مع قوى إقليمية ودولية أخرى".



يُذكر أنه في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2023، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيّد بقصر قرطاج وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مرصودي، التي عبرت في تصريحات صحفية آنذاك عن "ارتياح بلادها لمستوى علاقات التعاون والتشاور والتنسيق التي تجمعها بتونس". في نفس اليوم، استقبل سعيّد وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، حيث بحثا تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في عدة مجالات، بينها الطاقة والصحة والثقافة



كما أجرى وزير الشؤون الخارجيّة الصيني وانغ يي زيارة إلى تونس بين يومي 14 و16 كانون الثاني/يناير، وتبع ذلك زيارة أجراها رئيس البرلمان الكوري الجنوب كيم جين بيو إلى تونس على رأس وفد برلماني بين يومي 17 و19 يناير.

تعليقا على هذه الزيارات، اعتبر المحلل السياسي التونسي هشام الحاجي أن بلاده أمام طريقين لا ثالث لهما "إما أن تسير في طريق تنويع الشراكات والعلاقات وهذا مطلوب وضروري ويمكن أن يعود بالفائدة، وإما أن تختار تغيير طريقها بانعطافة سريعة نحو الشرق قد تكون تداعياتها السلبية أكثر من ثمارها ومكاسبها".

ورأى الحاجي، في حديث ، أن "قدر تونس هو أن تظل بعيدة عن التجاذبات الكبرى، وأن تحافظ إلى أقصى حد ممكن على مبدأ عدم الانحياز، وأن تكون شراكاتها وعلاقاته متنوعة، وهذا من أكبر الرهانات التي تواجه سياسة تونس في هذه المرحلة".ورأى أن "التوجه نحو الشرق واضح" في سياسات بلاده؛ فالعلاقات "أخذت تتطور سياسيا واقتصاديا مع روسيا والصين"، مضيفا: "حتى داخل منظومة العلاقات القديمة هناك تفضيل لإيطاليا على حساب فرنسا".


لكن الأهم، وفق ما يرى الحاجي، هو أن "نحسن قراءة التوازنات، وأن نحسن استغلال الوضع لفائدة تونس"، كما أن اللعب على التناقضات وإحداث تحول في العلاقات أمر مهم في السياسات الخارجية للدول، لكن المهم هو كيفية إخراج هذا التحول، والقدرة على إدراك التفاصيل والجزئيات واستغلالها.


ومؤخرا، تحدثت صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية، وهي أول من أثار الوجود الروسي في تونس، عن رحلات جوية عسكرية روسية تحط رحالها في جزيرة جربة بالجنوب التونسي، معتبرة أن تلك الرحلات "تثير القلق كما لا تزال الطبيعة الدقيقة لهذه الأنشطة الجوية، سواء كانت لوجيستية أو غير ذلك، غير واضحة، لكن المخاوف التي تثيرها حقيقية".

لكن السفارة التونسية في فرنسا نفت ما بثته قناة "أل سي إي" الإخبارية الفرنسية عن وجود عناصر من مجموعة "فاغنر" الروسية بجزيرة جربة جنوب تونس، وأوضحت في بيان لها "أن القناة الفرنسية تواصل عملها في التضليل الإعلامي من خلال ترويج معلومات لا أساس لها من الصحة عن تونس من دون التحقق من هذه المعلومات مسبقاً من المصادر الرسمية"، مضيفة "التضليل الإعلامي رياضة يبرع فيها البعض".



وأكدت أن "القناة لا تحترم أخلاقيات المهنة التي تحكم العمل الإعلامي بشكل عام، وأن تونس بلد ذو سيادة وسيتمكن بمفرده من السيطرة على كامل أراضيه وحمايتها"، حسب بيان السفارة.ويعتقد الصحفي نزار مقني  أن "تونس تسعى إلى إعادة صياغة سياستها الخارجية وتنوعها، وهذا ما تجلى بخاصة في استفادتها من دبلوماسية القمح التي عملت عليها موسكو منذ قمة روسيا - أفريقيا في سانت بطرسبورغ".


وتابع في السياق نفسه "تونس اليوم تبحث عن علاقات ندية مع الخارج وليست علاقات تبعية مثلما تريدها أوروبا والولايات المتحدة". ومن ثم "هذا الفتور في العلاقات بين تونس والغرب ستحاول روسيا أن تملأه، وهي اللعبة نفسها التي تمارسها في كل المناطق سواء في أفريقيا أو حتى في الشرق الأوسط والأمر نفسه بالنسبة إلى الصين".


وتحضر الصين كمنافس رئيس لدول الاتحاد الأوروبي في المناقصات الدولية التي تطرحها تونس، تزامنا مع تحركات دبلوماسية مكثفة لدول المعسكر الشرقي أهمها الصين وروسيا التي تعمل على توسيع حضورها الاقتصادي في تونس. ويؤكد فوز الصين بمناقصة جسر بنزرت، وفق الخبراء، بوادر تحولات في الارتباطات الاقتصادية لتونس التي تتجه شرقا على حساب الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر شريكها التاريخي.

ومنذ 2022 وقعت تونس اتفاقا مبدئيا على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، غير أنها لم تتمكن من الوصول إلى اتفاق نهائي بشأن تمويل بقيمة 1,9 مليار دولار بسبب تشدد الصندوق في شروط إصلاح قاسية رفضها الرئيس قيس سعيد. كذلك ربطت كل الدول المانحة تقديم مساعدات مالية لفائدة تونس بإحراز هذه الأخيرة تقدما في مفاوضاتها مع الصندوق وتوقيع الاتفاق النهائي معه.



وفي تموز/يوليو الماضي، وقعت تونس والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم لإرساء "شراكة استراتيجية وشاملة" في التنمية الاقتصادية والطاقات المتجدّدة ومكافحة الهجرة غير النظامية. ويتضمن الاتفاق تقديم مساعدة لتونس بقيمة 105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية، إضافة إلى 150 مليون يورو لدعم الميزانية. لكنّ هذه المساعدة مشروطة بتوصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول منه على قرض جديد.

وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد رفضه لعرض الدعم المالي لميزانية تونس الذي قدمه الاتحاد الأوروبي، معتبرا أن المقترح يتعارض مع مذكرة التفاهم الموقعة بين بلاده والاتحاد الأوروبي. وقال سعيد في لقاء جمعه بوزير الخارجية نبيل عمار حينها، إن تونس تقبل بالتعاون، ولا تقبل بما يشبه المنّة أو الصدقة، مؤكدا رفض بلاده لما تمّ الإعلان عنه من قبل الاتحاد الأوروبي.

الجمعة، 31 مايو 2024

استهداف مطار أبها... تصعيد حوثي جديد لتقويض استقرار المنطقة

 

أبها


استهداف مطار أبها... تصعيد حوثي جديد لتقويض استقرار المنطقة

دأبت ميليشيا الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران على استهداف المناطق المدنية والمدنيين، التي تعنى بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني، وهو ما يرقى إلى ارتكاب جريمة حرب بطريقة ممنهجة، سواء كانت بالصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى، أو الطائرات المسيرة المفخخة، التي تزودهم بها طهران.

واستهدفت ميليشيات الحوثي الانقلابية، صباح  (الأربعاء) مطار أبها الدولي (جنوب السعودية)، حيث أعلن المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف «تحالف دعم الشرعية في اليمن» العقيد الركن تركي المالكي، سقوط مقذوف معادٍ (حوثي) بصالة القدوم في مطار أبها الدولي، الذي يمر من خلاله يومياً آلاف المسافرين المدنيين من مواطنين ومقيمين من جنسيات مختلفة، ما أسفر عن إصابة 26 شخصاً.

ويشكل استهداف الحوثيين للمطارات السعودية، والمنشآت النفطية في الآونة الأخيرة تهديداً كبيراً ليس للسعودية فقط، بل للاقتصاد العالمي كذلك، ورغم تواصل الهجمات منذ سنوات، فإن سياقها الحالي والمرتبط بالتوتر في الخليج بين واشنطن وطهران التي تقدم دعماً عسكرياً نوعياً للحوثيين، بتهريب الأسلحة والصواريخ والطائرات المسيرة، يقوض الجهود الرامية لإرساء السلام في المنطقة، آخرها الكثير من الخروقات لاتفاقات السويد.

وبدأت الهجمات الحوثية في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) 2015، عندما أعلن التحالف أن القوات الجوية السعودية اعترضت صواريخ باليستية داخل أراضيها، من خلال إطلاق صاروخ «سكود» تجاه القاعدة الجوية في مدينة خميس مشيط، وقبله أعلن التحالف سقوط صاروخ بمنطقة زراعية في جازان دون أن ينفجر، وتضم المناطق الحدودية نجران وجازان وعسير.

وشهد عام 2017 تطوراً نوعياً بإعلان الحوثيين عن صاروخ باليستي طراز «بركان 2»، وهو الصاروخ الذي بدأت من خلاله الميليشيا الإرهابية قصف أهداف في الرياض، جميعها فاشلة وتم اعتراضها وإسقاطها في مناطق غير مأهولة بالسكان.وفي يوليو (تموز) من العام نفسه، أعلن الحوثيون إطلاق صاروخ باليستي بعيد المدى لأول مرة على منشآت نفطية في محافظة ينبع، غرب البلاد، فيما نفى التحالف إصابة مصافي النفط.

إلى جانب ذلك، كان الهجوم الصاروخي الأشهر للحوثيين تجاه الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، عندما أعلنت الميليشيا الانقلابية إطلاق صاروخ «بركان 2» باتجاه مطار الملك خالد الدولي في الرياض، بعملية تم اعتراضها من قبل الدفاعات الجوية السعودية.

وشكّل العام ذاته، لحظة فارقة أخرى في التصعيد الحوثي، عندما أعلن الحوثيون حصولهم على طائرات مسيرة من دون طيار، وعرضوا طرازات مختلفة، هجومية وتجسسية، استخدمت في هجمات بمناطق قريبة من الحدود بشكل محدود، وفيما أحبط التحالف الذي تقوده السعودية تلك الهجمات، أعلن الانقلابيون خلال عام 2018 أنهم استهدفوا مطارَي أبوظبي ودبي في الإمارات، وسط نفي للأخيرة.

ومع بدء عام 2019، بدا واضحاً أن هذه الطائرات باتت على درجة من الخطورة باستهداف قاعدة العند الجوية في محافظة لحج جنوب اليمن، ومحاولة استهداف سيئون في أبريل (نيسان) المنصرم، لكن الهجوم الذي استهدف محطتي خط أنابيب في السعودية، يعد الأقوى وغير المسبوق في تاريخ الهجمات الحوثية باتجاه الأراضي السعودية. ولم يتوقف الاستهداف الحوثي للمنشآت الحيوية السعودية عند المصافي النفطية بل عاود الكرّة مرة أخرى خلال يومين عندما حاول الوصول إلى مطار نجران.

التحالف بقيادة السعودية في اليمن، اتهم مباشرة «الحرس الثوري» الإيراني بتزويد ميليشيا الحوثي الانقلابية بـ«قدرات نوعية» من صواريخ باليستية وطائرات من دون طيار تمكنّهم من استهداف أماكن داخل السعودية.وعلى إثر التصعيد الأخير، قال المتحدث باسم التحالف العقيد الركن تركي المالكي في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية إنّ «الميليشيات الحوثية حصلت على قدرات نوعية لا يمكن لأي ميليشيا في العالم أن تحصل عليها»، في إشارة إلى الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

وقال المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية في اليمن إن ميليشيات الحوثي تتلقى التعليمات من حرس إيران الثوري، مشيراً إلى أن هجمات الحوثي لا تهدد السعودية فقط ولكن الاقتصاد العالمي، وأن جهود التحالف تحمي مضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر.

وعلى وقع استهداف مطار أبها الدولي اليوم، أكد المالكي على «أن قيادة القوات المشتركة للتحالف وأمام هذه الأعمال الإرهابية والتجاوزات غير الأخلاقية من الميليشيا الحوثية الإرهابية ستتخذ إجراءات صارمة، عاجلة وآنية، لردع هذه الميليشيا الإرهابية، وبما يكفل حماية الأعيان المدنية والمدنيين، وستتم محاسبة العناصر الإرهابية المسؤولة عن التخطيط والتنفيذ لهذا الهجوم الإرهابي وبما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية».

الأربعاء، 29 مايو 2024

انخفاض حِدة خطاب الحرب والكراهية.... هل وعى الإخوان الدرس أم غيروا تكتيكاتهم؟

 

السودان


انخفاض حِدة خطاب الحرب والكراهية.... هل وعى الإخوان الدرس أم غيروا تكتيكاتهم؟


قبل اندلاع حرب الخامس من نيسان (أبريل) 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التابعة له، شرع الإخوان المسلمون ممثلين في ذراعهم السياسية (حزب المؤتمر الوطني) والحركة الإسلامية السودانية، بقيادة المتطرف علي أحمد كرتي أحد مؤسسي الميليشيات الإخوانية المسلحة التي تقاتل بجانب الجيش في الحرب الراهنة، شرعوا في إنتاج خطاب شديد العداء موجه ضد قوات الدعم السريع، وقوى إعلان الحرية والتغيير (قحت)، وهي تحالف واسع لأحزاب سياسية ونقابات ومجتمع مدني وفصائل من حركات الكفاح المسلحة التي كانت تقاتل نظام الإخوان في أطراف السودان المختلفة. 

ولم تكتفِ الجماعة بذلك، وإنّما أحدثت فتنة قبلية كبرى في شرق السودان (الآمن نسبياً)، وكادت تعصف به ويصبح جغرافيا للحرب والموت كما حدث في دارفور (غرب) وجنوب السودان الذي قررت شعوبه الاستقلال عن الوطن الأم الذي أصبح بؤرة للحروب الأهلية والأزمات العنصرية والقبلية وجرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية. 



الآن، وبعد مرور أكثر من عام على الحرب، ومع الانتصارات المتتالية التي حققتها قوات الدعم السريع على الجيش والميليشيات الإخوانية والسلفية والداعشية التي تقاتل معه تحت عناوين مختلفة، بدأ خطاب الحرب والكراهية ينحسر تدريجياً في إعلام الجماعة الموجه إلى التحريض باستمرار الحرب. 



ويرى مراقبون أنّ ذلك يعود إلى حالة الإحباط الشديد التي عمّت أنصار الجماعة ومقاتليها، خصوصاً بعد سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة الاستراتيجية وذات الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية الكبيرة، وعاصمتها مدينة (ود مدني) وسط السودان في كانون الأول (ديسمبر) من العام المنصرم، وفشل الجيش في استعادتها عدة مرات، وتعرّضه لهزائم ساحقة في جميع محاولاته، وجاء بعد ذلك فشله الذريع في طرد قوات الدعم السريع من مصفاة الجيلي للنفط، (70) كيلومتراً شمال العاصمة الخرطوم، حيث تكبد الجيش والميليشيات المتحالفة معه خسائر فادحة في آخر المعارك التي دارت هناك خلال شهر أيار (مايو)؛ ممّا اضطره إلى قصف المصفاة بالطيران وتدمير أجزاء واسعة منها، دون أن يؤثر ذلك على سيطرة قوات الدعم السريع على المنطقة، إذ ما يزال موجوداً فيها. 

كما ألحقت قوات الدعم السريع خلال الشهر نفسه خسائر بالجيش في منطقتي أُم روّابة وجبل كردفان بإقليم شمال كردفان (جنوب) ودمرت متحركاً عسكرياً كاملاً واستولت على معدات وآليات وقتلت وأسرت المئات من أفراد الجيش بينهم ضباط كبار.  وخلال عام كامل من الحرب لم يتمكن الجيش من تحقيق أيّ انتصارات، ما عدا تقدماً محدوداً في بعض أحياء أم درمان يقع في أحدها مبنى الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون التابعة للحكومة.



هذا الوضع أحدث انقسامات بين قادة الجيش أنفسهم، خصوصاً بين نائب القائد العام الفريق أول شمس الدين الكباشي، ومساعد القائد العام الفريق أول ياسر العطا، ففيما يحاول الأول إظهار رغبته في التفاوض وإنهاء الحرب على الطاولة، وظل ينتهز الفرص ليوجه انتقادات حادة للميليشيات الإخوانية والمقاومة الشعبية، ويحذر من مغبة حمل السلاح خارج إطار الجيش، يتفرغ الثاني لإرسال التهديدات يمنة ويسرة ويتوعد القوى المدنية بسوء المآل والخاتمة، واتهامها بالخيانة والارتزاق والعمالة للأجنبي، فضلاً عن توعد قوات الدعم السريع بالفناء، "قريباً إن شاء الله"، كما اعتاد أن يُردد بعد كل هزيمة. 



إلّا أنّ الفريق أول ياسر العطا عاد مؤخراً، شأنه شأن الكثير من الإخوان، بينهم رؤساء تحرير صحف سياسية سابقون من المؤيدين للحرب، وهم من المنتمين إلى الجماعة أو من المقربين منها، عاد إلى قوله إنّه يوافق على التفاوض بشروط، ممّا يشير إلى أنّ قناعته بإمكانية حسم الحرب عسكرياً قد اهتزت كثيراً. 



رغم التصريحات المختلفة نسبياً للمنتمين إلى الجماعة التي يُعتقد على نطاق واسع أنّها هي التي أشعلت الحرب من خلال سيطرتها على قيادة الجيش التي يتحكم فيها ضباط إخوان، خصوصاً الاستخبارات العسكرية والتصنيع الحربي والمؤسسات الاقتصادية التابعة للجيش، إلا أنّ مراقبين آخرين يعتقدون أنّ الجماعة تحاول الالتفاف عبر هذا السلوك (تخفيف حدة الخطاب العدائي) وإظهار النزوع نحو السلام على الوضع الماثل ومهادنته والتخفيف من حدة المعارك، ريثما تتمكن من جلب أسلحة جدية وذخيرة من روسيا أو الصين، وفي هذا الصدد كان وفد روسي قد زار مدينة بورتسودان الساحلية التي يتخذها قادة الجيش عاصمة بديلة لهم، لإبرام اتفاق تمنح بموجبه روسيا "نقطة تزويد" بالإمداد على البحر الأحمر، مقابل الحصول على أسلحة وذخائر


 فإلى ذلك الحين عليهم أن يتحلوا بالحذر، وأولى علاماته إظهار رغبة زائفة في الجلوس إلى مفاوضات السلام، ثم مواصلة الحرب عقب ذلك، وللجماعة باع طويل وخبرات متراكمة في هذا النوع من الخداع، ولديهم فتوى سابقة يعتقد أنّها صادرة عن شيخهم وعرّابهم الراحل حسن عبد الله الترابي، الذي تُنسب إليه عبارة "الكذب في سبيل الدعوة حلال"، وهذا التحول تكتيكي من أجل الحصول على السلاح، وخفض سياسة العداء والمواجهة مع المجتمعين الإقليمي والدولي، الأمر الذي أفضى إلى فشل دبلوماسي كبير بجانب الفشل الميداني على أرض المعركة.

الاثنين، 27 مايو 2024

خارطة نفوذ الإرهاب في دول الساحل الأفريقي

 

افريقيا


خارطة نفوذ الإرهاب في دول الساحل الأفريقي

تنشط في منطقة الساحل الأفريقي في الوقت الحالي مجموعة من الجماعات الإرهابية، تتوزع ولاءاتها بين معسكرين رئيسيين، هما تنظيما (القاعدة) و(داعش)، المعسكر الأوّل يضم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، ويقودها الجزائري أبو عبيدة يوسف العنابي، وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين، و"إمارة منطقة الصحراء الكبرى".

يضم معسكر (داعش) في منطقة الساحل الأفريقي تنظيم " داعش في غرب أفريقيا"، وهو الذي نشأ في آب (أغسطس) 2016، بعد انشقاق حدث داخل جماعة "بوكو حرام" النيجيرية، عندما أعلن تعيين النيجيري أبو مصعب البرناوي، نجل مؤسس "بوكو حرام" محمد يوسف، خليفة لقائد "بوكو حرام" وقتها، النيجيري أبوبكر شيكاو، الذي رفض ذلك، وأعلن أنّه ما زال قائداً لـ "بوكو حرام، وقتل البرناوي في تشرين الأول (أكتوبر) 2021 على يد الجيش النيجيري، وعيّن مالام باكو خليفة له، قبل أن يقتل على يد الجيش النيجيري في الشهر نفسه، في ضربة موجعة للتنظيم.

ويتقاسم (داعش) مع (القاعدة)، وفق الكاتب سامي جولال في تصريح إعلامي، مناطق سيطرتهما الخاصة، لكنّهما يتقاطعان في بعض المناطق، من بينها مثلث الرعب" المتمثل في بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، ويدخلان في مواجهات وصراعات حول النفوذ.

ومن أهم القيادات العليا في تنظيم (داعش) يوسف ولد شعيب، زعيم داعش في الصحراء الكبرى، وقائد العمليات العسكرية وقاضي الجماعة في ولاية مينكا، أمية أغ البكاي، قائد العمليات العسكرية للجماعة في منطقة أربندا في "تيسي" و "إنتللت" بولاية غاوا، الذي تم إطلاق سراحه في أواخر حزيران (يونيو) 2023 في صفقة سرية بين مالي وتنظيم الدولة، واندين اغ المنير، وكنيته (أبو هريرة)، من أصول طوارقية، وهو مطلوب حاليّاً من قبل بوركينا فاسو، ووضعت مكافأة مالية للقبض عليه قدرها (100) مليون سيفا، وهو حاليّاً في منطقة تاندجدجورن في منطقة تيسي.


وفي دراسة لمركز (أبعاد) للدراسات أنّ تنظيم (داعش) بدول الساحل ينتشر في المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، ومن أهمّ المناطق ليبتاكو جورما وفي حوض بحيرة تشاد، وحول مدينة ميناكا في منطقة غاو في مالي حتى منطقة موبتي، ومنطقة تيلابيري في النيجر بالقرب من قرية تونغو، على طول الحدود مع مالي إضافة إلى منطقة جورما وشرق بوركينا فاسو.

وينشط التنظيم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، في المنطقة المعروفة بالمثلّث الحدودي، وقد سيطر التنظيم على مدينة "تيديرميني" إحدى أبرز مدن ولاية ميناكا شرق مالي، ويحاصر مدينة ميناكا ذاتها -مركز الولاية.

ومن الناحية العسكرية تركزت تحركات التنظيم في عام 2023 بمناطق "فتلي" و"هورارا" و"تادنجدجورن" في منطقة "تيسي" قرب الحدود مع النيجر، المعروف بـ "مثلث الموت"، وسيطر على أغلب دوائر ولاية مينكا خصوصاً في مناطق "تاملت" و"إنشنانن" و"أضرنبوكار" و"إنيكر" وغيرها، كما تمدد حتى وصل إلى منطقة "انتديني intadayne" التي تبعد عن الحدود الجزائرية (207) كيلو مترات، وذلك بتاريخ 25 نيسان (أبريل) 2023.

كما تتزايد أنشطة تنظيم الدولة العنيفة في أنسونغو وأودالان وسينو وغاو في الصحراء الكبرى، ويفرض (الضرائب) القسرية وينخرط في سرقة الماشية من أجل تحقيق الإيرادات، لذا ظهر التنافُس بينه وبين القاعدة في هذه المناطق بديناميات التنافس القَبَليّ، في ظل اعتماد كلّ من التنظيمين على تحالفات إثنية وقَبَليّة تتداخل فيها العوامل الاجتماعية مع العوامل التنظيمية، حيث تنتشر -بشكل أساسي- جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، والتي تنفذ معظم هجماتها في مالي، وتعمل على التقارب مع المجتمعات المحلية بهدف كسب دعمها إلى جانب حركة تحرير ماسينا.

قال: إنّ تنظيم (داعش) يتوغل في منطقة أودالان البوركينية، الواقعة على الحدود مع مالي والنيجر، ويتنافس معه مسلحو جبهة تحرير ماسينا، فضلاً عن فلول أنصار الإسلام، إضافة إلى منطقة بام ولوروم ونامنتينجا وسانماتنجا وياتينجا، وفي المناطق الحدودية بين بوركينا فاسو ومالي وساحل العاج حيث توجد شبكات راسخة لتهريب الأسلحة والأغذية ومواقع أنشطة تعدين الذهب.

أمّا (جماعة أنصار الإسلام، وجبهة تحرير ماسينا، والمرابطون والتوحيد والجهاد)، الذين شكّلوا جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في تحالف عام 2017، وحتى الآن بقيادة إياد أغ غالي، فوفق الكاتب كولين بي كلارك في مقال له بمعهد LAW FARE للدراسات يقول: إنّهم يتواجدون في منطقة، ليبتاكو - غورما الواقعة في أجزاء من شمال مالي وبوركينا فاسو والنيجر حيث قبائل الفولاني، وشعوب الطوارق والغورما، وأصبحت هذه المنطقة بؤرة لجماعة أنصار الإسلام البوركينانية، وجبهة تحرير ماسينا، وتمثل المقاطعات الـ (5): أنسونغو، وغاو، وأودالان، وسوم، وسينو ما يقرب من ربع حوادث العنف المرتبطة بالجهاديين الإسلامويين المتشددين.

وقد توغلت (جماعة نصرة الإسلام) في قبيلة الطوارق، ومجتمعات العرب والفولاني والسونغاي والبمبارا، وشملت جاذبيتها مجموعات عرقية أخرى مثل الدوجون، وسهل سينو جوندو، ومينيانكا في منطقة سيكاسو، ومور وبيسا في أجزاء مختلفة من بوركينا فاسو، وانعكست هذه المجموعات العرقية على خطابها الإعلامي، ومن أجل أن تتجاوز مجموع مكوناتها، وبين منتصف عام 2020 حتى نهاية عام 2023 قامت بمجموعة من الإصلاحات وإعادة الهيكلة استجابة لنمو التوترات بينها وبين إمارة الصحراء الكبرى، حيث اندلع قبلها بأعوام الصراع بين المجموعتين.


كما تمكنت نصرة الإسلام من النجاح وتوحيد صفوفها وأخرجت داعش من معاقلها، وطورت نظاماً يحافظ على المستوى الداخلي والتماسك من خلال تحقيق توازن أكثر فعالية بين الاستقلال والاعتماد المتبادل بين مختلف فصائله، ويسمح هذا الهيكل الجديد للفصائل الفردية بالحفاظ على درجة الاستقلال مع الاستمرار في التعاون وتنسيق جهودهم مع الفصائل الأخرى داخل التنظيم.

وقسّمت الجماعة المستوى المحلي إلى التسلسل الهرمي للقيادة على نطاق واسع إلى (3) طبقات، وهي: مجموعة القيادة المركزية (مجلس الشورى)، والقادة الإقليميون (أمراء المناطق) المشرفون على العمليات في مناطقهم المحددة، وقادة المناطق (أمراء المركز) على المستوى المحلي، وضمنت القيادة التوجه الاستراتيجي العام، والتماسك بين مختلف الأطراف والفصائل، والتنسيق مع المنظمات الأم والشريكة، مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وغيره من الجماعات، ومن أجل زيادة نفوذها على المجتمعات المعزولة، تحاول هي والجماعات المنضوية تحتها استغلال حدود النيجر مع مالي وبوركينا فاسو ومناطق تيليا وأولام وبانيبانغو.

وتعمل نصرة الإسلام وفق معهد الأمن الأفريقي في مقاطعتي غوثيي وتورودي في غرب النيجر، التي تقع على الحدود مع بوركينا فاسو، حيث قادت حملة قوية باستخدام المتنزهات والمحميات الطبيعية كملاذ، كما تعمل في منطقة الحدود الثلاثية التي تغطي أجزاءً من شمال مالي، وفي ليبتاكو غورما حيث تقاتل العديد من الجماعات المسلحة، وفي كايا، العاصمة الإقليمية وخامس أكبر مركز حضري في بوركينا فاسو، وهذه المنطقة هي الأخرى تُعدّ منطقة مناجم ذهب ضخمة، بما في ذلك (3) مناجم صناعية على الأقل وعشرات المناجم الحرفية المسجلة، حيث تسعى الجماعات المتشددة للسيطرة على هذه المواقع كمصدر رئيسي للدخل.

وأصبحت المقاطعات الـ (5) في هذه المنطقة، وهي: أي بام، ولوروم، ونامينتينغا، وسانمينتنغا، وياتنغا، موقعاً رئيسيّاً لتوسع جبهة تحرير ماسينا (FLM) وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) في بوركينا فاسو، وأيضاً جوثي وتورودي، وهما المنطقتان الوحيدتان حيث يعمل تحالف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في غرب النيجر.

وفي دراسة لمركز (أفريقيا للدراسات)، أنّ وسط مالي أصبح معقلاً لـ (حركة تحرير السودان)، بما في ذلك باندياجارا وبانكاس وجيني ودوينتزا وكورو وموبتي، وأيضاً جبهة تحرير الكونغو التي أحكمت قبضتها على منطقة دوينتزا، وفي شرق بوركينا فاسو على طول الحدود مع النيجر بمنطقة جورما، وفي المتنزهات الطبيعية الممتدة إلى النيجر وبنين في بولغو وكولبيلوغو على حدود غانا إلى توغو حيث تجار الذهب، فضلاً عن العصابات الإجرامية وعصابات الصيد على طرق التجار.

ويتواجد (تنظيم بوكو حرام وداعش - ولاية غرب أفريقيا) في نيجيريا وتشاد جنوب ووسط ولايتي بورنو ويوبي، بالإضافة إلى وجود الولاية في جميع دول منطقة بُحيرة تشاد، وتشير تقديرات حديثة إلى أنّ "ولاية غرب أفريقيا" ضاهت "بوكوحرام" من حيث النفوذ بل تفوقت عليه، إذ قدّر مجلس الأمن الدولي قوات "الولاية" في 23 شباط (فبراير) 2021 بحوالي (5) آلاف مُقاتل، بينما قُدرت قوات "بوكوحرام" بحوالي (2000) مُقاتل، ويلاحظ أنّ هجمات الفصيل الداعشي تصاعدت خلال عام 2023 بصورة أكبر، ووصلت إلى (482) عملية مقابل (385).



وترغب ولاية غرب أفريقيا في التوسع، وتتبع جماعة بوكو حرام استراتيجية مُعاكسة تقوم على "إعادة الانتشار"، كما يعمل تنظيم داعش على نسج علاقات قوية مع عصابات الإجرام لتوحيد صفوفه وتعويض ما فقده من عناصر، الأمر الذي يشير إلى أنّ الصدام والتنافس بين الفصيلين قد يتصاعد مرة أخرى خلال الأعوام المقبلة، وخلال العام الماضي حاول "تنظيم داعش في غرب أفريقيا" الظهور بمظهر الحريص على حياة المدنيين في الكاميرون من خلال مهاجمة الجيش فقط، وهو أمر نراه بالفعل في مناطق أخرى من أجل كسب التعاطف.

وحسب مؤشر الإرهاب العالمي، فإنّ التنظيم غيّر في تكتيكاته المستخدمة في العمليات الإرهابية، فلم يعد يركز ـ كما في السابق ـ على التفجيرات، التي شكلت 7% فقط من الهجمات الإرهابية لعام 2022، بل يركز على الهجوم المسلح (40% من هجماته) واحتجاز الرهائن (36%)، ويجيء في المرتبة الأولى إرهابيّاً، فقد أسقط بهجماته (4188) ضحية، والعدد التقريبي لأعضاء التنظيم (3500) إرهابي، ويستهدف الكاميرون وتشاد ونيجيريا والنيجر.

ويثبت مركز (المستقبل للدراسات) في إحدى دراساته أنّ (داعش بالصحراء الكبرى) اتجه إلى توسيع نطاق نشاطه في مناطق مختلفة داخل دول منطقة الساحل والصحراء، خاصة النيجر، واستند إلى تكتيك الكمائن من خلال زرع متفجرات أو عبر تنفيذ هجمات مباغتة، وهي سياسة كان يعتمدها في شمال سيناء أيضاً.

واتضح في هذه المنطقة تبلور نسخ "داعشية" مستقلة، من أجل تعزيز النفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ومحاولة تصدر خارطة التنظيمات "الداعشية"، في ظل وجود انقسامات بين التنظيم الرئيسي والفروع، على نحو يزيد من احتمالات اتجاه بعضها إلى الاستقلال عنه.